الأحداث المؤلمة التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط بدءًا من العراق وسورية حتى لبنان وتونس وليبيا ومصر، ثم الأعمال الإرهابية التي وقعت مؤخراً في المملكة العربية السعودية والكويت الشقيقتين، جميعها تمثل جرس إنذارٍ لإعادة النظر في كثيرٍ من السياسات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية في منطقتنا، لكي نتمكن من إعادة الأمور في مجتمعاتنا إلى طبيعتها، والسير بها نحو الأمن والاستقرار والتنمية.
إنه لأمرٌ مقلقٌ أن يستقطب التطرف قطاعاً كبيراً من أبناء هذه الأمة، أخذوا على عاتقهم طوعاً مسئولية تدمير أوطانهم من داخلها نيابةً عن أعداء أمتهم. إن بروز هذه الظاهرة المخيفة يتطلب تكاتفاً وتعاوناً رسمياً وشعبياً لبلورة سياسات تعالج مسببات هذه الظاهرة بطريقة وقائية، بدلاً من الاستمرار في العمل بطريقة ردود الأفعال وإطفاء الحرائق.
فالإرهاب لم يعد ظاهرةً فرديةً بل هو ظاهرة مجتمعية تغذّيها مذاهب فكرية استمدت جذورها من أعماق التراث العربي والإسلامي في مراحل متعددة من تاريخنا. ولكونه كذلك، لم يعدم الطامعون في ثروات هذه الأمة الفرصة لاستثمار هذا الموروث التاريخي لتحقيق أهدافهم السياسية والاقتصادية، ما وفّر غطاءً للإرهاب ومكّنه من إحداث اختراق كبير في المجتمع العربي بصفة خاصة، تمثل بمؤسسات فكرية وشبكة مالية وإعلامية وسياسية واسعة، أحدثت من خلالها عملية غسل دماغ دفعت بالكثيرين من شباب وشابات هذه الأمة إلى تقديم أرواحهم قرابين لتدمير مجتمعاتهم والتحالف مع أعداء أمتهم.
إن إنقاذ الأمة من خطر يتفوّق في طبيعته على الخطر المغولي، لا يتم عبر منهجية ردود الأفعال بل من خلال خطة إنقاذ شاملة لكل الجوانب السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والاجتماعية. فعلى المستوى السياسي بات لزاماً على جميع مؤسسات المجتمع المدني إعطاء الأولوية لدرء خطر الإرهاب الذي يهدّد أمن الأوطان، والعمل على حل خلافاتها السياسية مع حكوماتها ليتفرغ الجميع للعمل على تحصين هذه الأوطان من داخلها.
إن التوافق بين الأنظمة السياسية ومعارضيها على الحدود الدنيا، يوفّر حالةً من الاستقرار الذي بدوره ينعش الوضع الاقتصادي ويوفّر فرص الاستثمار والعمل لشرائح كبيرة في المجتمع يجنبها مخاطر الاستقطاب من سطوة المنظمات الإرهابية، ما يعني تجفيف منابع الإرهاب وانتفاء الحاجة للمغامرة باستغلال التطرف لخدمة أجندات سياسية. فمثل هذا الاستغلال هو لعب بالنار التي لا تستثني مخاطرها أحداً، كما برهنت الأحداث من حولنا.
من جانب آخر، فإن الإرهاب يقوى عوده في المجتمع المنقسم على نفسه، والذي يعيش حالةً من الصدام بين السلطة وفئات المجتمع ينتج عنها فراغ سياسي يعمل الفكر التكفيري من خلاله على اختراق أجهزة ومؤسسات الدولة والمجتمع.
وعلى الجانب التعليمي هناك حاجةٌ ماسةٌ وبارزة لتنقيح مناهج التربية في منطقتنا وتنقيتها من الشوائب، بغرض إعادة صياغة ثقافة وفكر الناشئة على مبادئ التسامح والتعايش واحترام المعتقدات الأخرى بجميع تنوعاتها، والتركيز على المبادئ المشتركة والثقافة الوطنية الجامعة، وعلى ثقافة السلم والحوار واحترام الشرعية ودولة القانون.
وعلى المستوى الإعلامي والثقافي، فإن الجدية في مقارعة الإرهاب والتطرف لا تتمشى وخطاب الكراهية الذي تبثه وسائل الإعلام بمختلف تنوعاتها ومنابرها. إن تسخير وسائل الإعلام والمنابر الدينية لخدمة أجندات سياسية يمكن أن يتوقّف بمعالجة الأوضاع السياسية وخلق حالة من التوافق الوطني تأخذ في الحسبان حاجة الوطن للأمن والتنمية والاستقرار، والتطور السياسي التدريجي المتأني.
إن زخم الانتشار الذي أنجزه الإرهاب والتطرف في مجتمعاتنا، ما كان له أن يتحقّق لولا الفرقة والتفكك العمودي والأفقي في هذه المجتمعات. ولكون الفرقة هي مدخل للإرهاب فإن النخب والأنظمة السياسية باتت ملزمةً لتضييق خلافاتها والتوافق على تحديد أولوياتها لكون الجميع قد أصبح في مرمى الاستهداف.
إن توغل الإرهاب والتطرف في مجتمعاتنا يعني ضياع الأوطان وتمزقها كما يحصل الآن في دولٍ من حولنا. فهل نعي هذه الحقيقة ونتوحد لمنع الإرهاب من إغراق سفينة الوطن بجميع ركابها؟
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 4685 - الأحد 05 يوليو 2015م الموافق 18 رمضان 1436هـ
ردا علي سؤال المقال
الجواب مختصرا هو كلا. منذ تأسيس الدول الحديثة العربية في منطقتنا لم تقم اية دولة بغرس الوطنية في العقول لكي تتحول الي لاوعي المواطن و يتفاعل معها علي اساس حب الوطن من الإيمان. جميع المفاهيم في اللاشعور مبنية علي الانانية و المعايير البدائية. لذلك كلنا فاشلون في العمل الجماعي و لا نقدر الا الخوف و المال.
هل توحد نا مخاطر الإرهاب اذا بقينا على حالنا منقسمين مذهبين فتحنوا
بعيدين عن الوحدة الوطنية الإرهاب ضرب لبنان والعراق ولم يستطيعوا أن يتوحدوا بل زادههم الإرهاب تفرقة بعكس الكويت زادها مزيد من الوحدة الوطنية لأنه لايوجد فيها أحزاب تقسم الشعب مذهبيا
لا حياة لمن تنادي.. فإنك لا تسمع الصم الدعاء
تحديد مواطن المشكلة بالغ السهولة حتى على محدث المشكلة نفسها !
لكنما الصعوبة حيث تطبيق الحلول الواقعية .. التطبيق وليس ايجادها فقط