العدد 4684 - السبت 04 يوليو 2015م الموافق 17 رمضان 1436هـ

لئام على موائد العلمانية

أنس زاهد

كاتب سعودي

إذا أردت أن تقف على عمق الأزمة التي يعاني منها كل من العقل والضمير الإسلامي- المقصود الفهم البشري للإسلام وليس الإسلام نفسه - فما عليك إلا أن تتأمل موقف هذا العقل من العلمانية، وإقرار الضمير الجمعي للمسلمين، بهذا الموقف.

غالبية المسلمين يحاربون العلمانية في بلادهم، لكنهم يتشبثون بها في الغرب، باعتبارها الضمانة الوحيدة للمجاهرة بعقائدهم، ولممارسة شعائرهم بمنتهى الحرية.

المسألة لا تقف عند هذا الحد، فالعلمانية لم تمنح الفرصة للمسلمين في الغرب، لبناء المساجد ورفع الأذان وإقامة المراكز الدينية فحسب... ولكن العلمانية هي من مكّنت المسلمين في تلك الدول، من دعوة أتباع الأديان الأخرى، إلى الدين الإسلامي في ظل حماية القانون الكاملة لهم!

لا يمكن للعقل السوي أو الضمير الحي، أن يكون مع القيمة في مكان ما، وأن يكون ضدها في مكان آخر. المواقف الأخلاقية والفكرية لا تتجزأ، وخصوصاً فيما يتعلق بالمبادئ والقيم. ليس من المقبول أن تكون مع الحرية في مكان، وأن تكون ضدها في مكان آخر. وليس من العدل أن تكون مع الحرية عندما تمنحك الامتيازات التي تتطلع للحصول عليها، ثم تكون ضدها عندما تمنح غيرك حقوقه! هل هناك جبن ونذالة أكبر من أن تطالب بالحرية وأنت في موقف الضعف، وتسعى لسلبها من الآخرين وأنت في موقع القوة؟

هذا الموقف لا يتفق بالقطع مع مبادئ الإسلام ومقاصده التي تقوم على العدل (القسط) بين الناس. فما الذي أوصلنا إلى هذه المرحلة من الفصام والإزدواجية، ونحن نتلوا الكتاب؟

إن العلمانية التي تدافع عن هويتك الدينية في الخارج - عندما تكون في موقع الضعف وفي خانة الأقلية - لا يمكن أن تمثل تهديداً لهويتك الدينية في الداخل. كفانا تسطيحاً وازدواجيةً ونفاقاً. العلمانية ليست ضد الدين، ولم تطرح نفسها كبديل للدين، وإلا لما نعم الإنسان في ظلها، بكل هذه الحرية الدينية والعقدية.

العلمانية في الأساس لا تتعاطى مع الدين، لأنها لا تتعاطى مع الغيب سواءً بالإثبات أو الإنكار. كل ما يقع خارج نطاق الواقع، وكل ما كان بعيداً عن مجال الإدراك الحسي، لا يعني العلمانية. ما يعني العلمانية هو الفصل بين الشأنين الواقعي والغيبي، والاحتكام إلى المنهج العلمي في التعاطي مع الواقع، بدلاً من المنهج الغيبي الذي يُعنى بتقديم الإجابات والتفسيرات الجاهزة للواقع. أما محاولة استكشاف الواقع والنفاذ إلى طبيعة القوانين المسيّرة له، فهي لا تقع ضمن اهتمامات المنهج الغيبي.

وأرجو هنا التفريق بين الإيمان بالغيب الذي نقر به ونصدقه كمؤمنين، وبين المنهج الغيبي الذي قدّمته المؤسسات الدينية باعتباره المنهج المعرفي السليم. وهنا أيضاً يجب أن ننتبه إلى أن المنهج الغيبي، لم يساهم ولو في أضيق حد ممكن، في إضافة شيء يذكر للرصيد المعرفي للبشرية. ذلك أن المنهج الغيبي كان ولايزال، يغلق الباب في وجه الأسئلة، ولا يعترف بالحاجة إلى اكتشاف الواقع وقوانين الطبيعة، طالما أنه يمتلك القدرة دائماً على تفسير كل ما هو غامض أو مجهول سواءً في الأرض أو السماء!

ما سبق يعني أن العلمانية لا تتعارض مع الدين، وأن النموذج السياسي للعلمانية الذي يتمثل في الدولة المدنية، لا يتعارض هو الآخر مع الدين، لماذ؟ لأن كل دين في العالم، يحتوي على عشرات الفرق والمذاهب والتيارات، وهذا يعني عدم وجود قراءة موحدة أو حتى شبه موحدة، للدين. العلمانية تحمي الدين من الاحتكار من قبل فرقة ما، وهذا يمثل حماية للمتدينين أنفسهم، من الاضطهاد الذي يقع عليهم باسم الدين. أما الدولة المدنية التي تقوم على مبدأ «الأمة هي مصدر السلطات»، فإنها تكرّس التعددية والحق في الاختلاف، باعتبارهما إحدى المرجعيات المعتمدة لإقرار مفهوم المواطنة.

معظم من يدعو لمحاربة العلمانية ويصورها باعتبارها خطراً يتهدد الدين، هم ممن استفادوا من العلمانية في الغرب! راجع بعض أسماء قادة التيارات الإسلامية الذين عاشوا جزءًا من حياتهم في المنفى الأوروبي، وسترى رؤيا العين، مدى الكذب والتدليس والنفاق باسم الإسلام.

إنها ثقافة النفاق.

إقرأ أيضا لـ "أنس زاهد"

العدد 4684 - السبت 04 يوليو 2015م الموافق 17 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 10:02 ص

      مقال رائع وفي الصميم ولا يتهم الاسلام

      ألمشكلة كل مذهب يدعي هو لوحده يمثل الإسلام ويريد يطبق ما يراه في السياسة وهذا سبب التصادم وهذا لايمكن حله لتعدد المذاهب والروئ لهذه المعضلة الشعوب المتحضرة عملة الديمقراطية والقوانين وحقوق الإنسان وتحمي جميع الديانات والمذاهب وتمنع تصادمهم وأعطت الحرية لشعوبها لهذا عايشة في سلام وتطور

    • زائر 6 | 4:21 ص

      ا

      العلمانيه نظام حكم وضعي وضعه الإنسان القاصر.
      إما الإسلام فهو نهج الهي جاء به النبي (ص) بأمر من الله لهداية البشريه وهو لسعادة الدارين الدنيا والآخره.وفيه كل مانحتاجه لإدارة شؤننا . إذن أين الخلل . الخلل هو أن غالبية بلداننا لا تمتلك زمام أمورها وهي في الحقيقه تدار برعاية النظم العلمانيه ولخدمتها اي الخلل ليس في الاسلام انما الخلل فينا قبلن ابولاية النظم العلمانية علينا.

    • زائر 5 | 3:24 ص

      الامور ليست بهذه الطريقة

      يبدوا من المقال انك علماني لذا ركزت ع إيجابيات العلمانية وف الدول الغير إسلامية ولكن الأمور ف الدول الإسلامية تختلف فنحن مأمورون ان نأخذ بالقرأن والسنة ف جميع أمور حياتنا بينما العلمانية قد تيعدنا عن ذلك وقد تؤسس لجيل مبتعد عن الدين وتعاليمه بل قد يؤدي بهم الى الانحراف وسلوك طرق غير أخلاقية مثل الشذوذ وغيره لابد من وجود قيود فالحرية المطلقة التي تكون ف الدول العلمانية تؤدي الى مشاكل كبيرة في المجمتع وحتى في تلك الدول هناك قيود كثيرة على المسلمين

    • زائر 4 | 2:36 ص

      البداية في التعليم

      بالرغم من أن منهج العلوم في البحرين منهج ديني إلا أنه يحتوي على بعض الحقائق العلمية المغلفة بآيات قرآنية، وفي أحد الأيام وبينما نحن في درس عن النجوم أتفاجأ بأحد التلاميذ يقول " الي يطالع النجوم الله يعميه " توقفت مستغربا وسألته من قال له ذلك ؟ فقال أن جدته أخبرته بذلك وحرام التعلم عن النجوم ! العالم وصل للمريخ وصعد للقمر ومجتمعنا يحرم مشاهدة النجوم !

    • زائر 3 | 2:19 ص

      رائع

      أعتقد يجب أن نكفر بالأسلام السياسي لأنه لم و لن يكون ناجحا في وقتنا الحاضر.

    • زائر 2 | 1:50 ص

      العلمانية

      العلمانية لا يمكن تطبيقها الا اذا تم إغلاق الجمعيات السياسية الطائفية التي تفرق الشعب و لا توحده فلا السني سيقبل بالعمامة و لا الشيعي سيقبل باللحى الطويلة

    • زائر 1 | 12:10 ص

      تعليق

      مقال جيد لكنك تأذن في خرابه

اقرأ ايضاً