يبدو عنواناً مستفزاً. أليس كذلك؟ «هل للقطيع ثقافة»؛ كي يتم تداول تلك العبارة: ثقافة القطيع؟
تلك ثقافة غير مُتحصَّل عليها. إنها مفروضة ومُلزمة لتلك النوعية من البشر/ القطيع. الثقافة تلك تمتد إلى كل شيء؛ بحيث يُصار إلى صوغ خيارات تلك النوعية، وطرق تفكيرها، والأهم، موارد ومصادر وجهات استقبالها. وظيفة تلك النوعية في نهاية المطاف: مُستقبِلة فقط. ليس من شأنها ولا دورها، وغير مسموح لها أن تستجوب وتُسائِل ما تستقبله. ذلك أول العصيان الذي لا يُراد له أن يعمَّ؛ أو يجرؤ مثل أولئك أن يُبْدُوه أو يلمِّحوا له.
ذلك ما تُنفق عليه اليوم موازنات ضخمة، وتُسخَّر له جيوش من الخبراء، والذين هم في صورة أو أخرى لا يبتعدون كثيراً عن القطيع المذكور؛ بحكم مسايرتهم وامتثالهم لتنفيذ سياسات إيجاد وامتداد تلك النوعية من البشر في مجتمع من المجتمعات. تلك التابعية للجهات التي تنفق، لا يجعلها محصَّنةً وبمنأى عن ذلك التصنيف، هي في الصميم منه، مع فارق أنها تباشر صناعة ذلك القطيع الذي هي منه أساساً، في وجه من وجوهه!
في الشرق؛ وشرقنا خصوصاً؛ أصبحت صناعة القطيع من «البشر» من ضرورات بعض الأنظمة؛ ومركزاً من مراكز حصانتها التي تتوهم. حوِّلْ شعبك إلى قطيع، يمتثل لك. تلك قاعدة مألوفة منذ عشرات العقود، في هذا الجزء من العالم. وبالضرورة ستكون من ضمن ملامح ثقافة ذلك القطيع، الاتباع. والاتباع الأعمى الذي لا يناقش ولا يسأل ولا يحتج؛ وليس بحاجةٍ إلى كل ذلك بحكم البرمجة وأثرها، وما أنفق ويُنفق عليها!
حصانة يتم تلمسها من خلال صناعة القطيع لا يمكن التعويل عليها؛ لاعتبارات عدة. أن ديمومة السياسات في جانبها المنحرف لم تثبت جدواها؛ ولا ديمومة لها أساساً؛ وبالربط المنطقي، كل ما ينشأ ويترتب على تلك السياسات مما تتوهم حصانتها به ومن خلاله، لا ديمومة له. صناعة القطيع لن تضمحل؛ ربما في ذلك نوع من التوازن المطلوب في الشرق البائس واليائس، ما سيضمحل هو التعويل عليها كمصدر حصانة!
وعلينا ألاَّ نغفل عن دول كبرى تلك هي وظيفتها أساساً خارج حدودها. تعمّق الاستقلالية وحرية الخيار والتنوير وضخ المعرفة في الداخل، مقابل تعاطٍ مع الخارج، تُسطِّح؛ بل تستلب فيه تلك الاستقلالية؛ والاكتفاء بالشكل من تلك الحرية عبر صناديق يتم التحكم فيها عن بعد وقرب؛ بعمليات تزوير؛ ومكنة تعتيم تعمل على مدار الساعة؛ في نوم القطيع وصحوه؛ ومعرفة لا شيء يدل عليها بذلك الارتهان!
ومثلما تتحدَّد ثقافة أي قطيع مما نعرف في الكائنات الأخرى، في قدرته على وصوله إلى مواضع علفه، وما يخصص له من مياه، ونقطة في آخر السطر، لا تتجاوز ثقافة القطيع من المنتسبين إلى البشر، في القدرة على الوصول إلى مواضع ما يراد حشو رؤوسه به، وما يراد تلقينه إياه، كي يتشكِّل وفق ما تبتغيه المنظومة التي ترعاه، والجهات التي تحرس وتحرص على أن يظل قطيعاً، ولو قُدِّر لبعض أفراده الحصول على شهادات عليا، فذلك لا يعد بطاقةً لدخول نادي البشر في خياراتهم وما يريدون، وما يتفاعلون معه بالضرورة والعاطفة والضمير، وما لا يتفاعلون ولا يتعاطفون معه إذا كان على تضادّ مع الفطرة والضمير.
مأساة البشر اليوم لا تكمن في تصرفاتهم كبشر؛ بل في تصرفاتهم كقطيع؛ من إرهابي لا وقت لديه كي يناقش أو يتأمل في إزهاقه حياة بشر في مسجد أو طريق مزدحم، سعياً وراء رزق الله؛ وليس انتهاء بمدجَّن لا مشكلة لديه لأنه من دون خيار باعتباره رقماً في قطيع، في أن يكون شاهداً ومتفرجاً على وصفات تُعدُّ لقمع أغيار تم تثبيت غلو وكراهية تجاههم مكان التبْن في جمجمته!
وبالمنطق لا يمكن أن تتاح للذين يصادرون كرامات الناس؛ ويُمعنون في قمعهم أن يصل بهم الحال إلى ما وصلوا إليه، لولا أولئك. كل خارجٍ على الضمير له جهة تشد من أزره؛ وتقنعه بأنه يقوم بما لم يقم به من سبقه من الأولين والآخرين. لا تفتش كثيراً: ستجدهم بين القطيع!
لا يمكن أن تحدّد ثقافة القطيع إلا من خلال «برسيم» في صور مختلفة؛ مرةً في شكل تقليد؛ أو اعتناق وتبنٍّ دون فهم محتوى وقيمة ذلك الاعتناق والتبنّي، أو في المعنى الجامع: الغياب! الغياب الذي يؤكد أنهم عالة وفائض وطارئ على المكوّن البشري، وعلى الحيّز في هذا الكوكب؛ صغُر أم كبُر.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4681 - الأربعاء 01 يوليو 2015م الموافق 14 رمضان 1436هـ
كيفيه التعرف على القطيع
يكرهون الحقوق ينتظرون المكرمات يشعرون بالدونيه لا يبدون اي رأي قبل اسيادهم
الكلمة البسيطة انفذ الى قلب اسرع
لا شك ان الكاتب الكريم ذو ثقافة عالية وافق واسع ومخزون كبير من المفردات لكني كمتلقي متوسط المستوى احتاج لمفردة بسبطة تنفذ الى عقلي مباشرة
القطيع
القطيع موجود يمول من ايران في سورياولبنان وباكستان واخيرا في اليمن، لا تغض الطرف عنهم
التفكير السليم
لو هؤلاء فكروا وتاملوا لرئوا ان الجحيم الذي يصنعونها للابرياء ماهي الا جنه لهم باذن الله في الاخره لانهم سوف يحتسبون باذن الله شهداء والجنه الذي وعد نفسه بها ماهي نار في الاخره