الخطاب الديني وليد بيئته وظروف نشأته، وهو يتأثر في عوامل ارتقائه أو انحداره بالواقع السياسي والاجتماعي الذي يحيطه ويشارك في رسم مرتكزاته الأساسية ومساراته ويرتّب أولوياته ويتدخل حتى في لغته.
وعندما يعيش أي مجتمع من المجتمعات ظروفاً استثنائية في وقت اشتداد الأزمات السياسية أو الخضّات الاجتماعية، تسود بين أبنائه وفرقه الدينية وطوائفه مظاهر القطيعة والانعزال والخصومة والضيق بالآخر، ويستشري بينهم وعي ديني مشوّه مسكون باهتمامات القرون السالفة، اهتمامات هامشية مستعارة لا تعني واقع الناس من قريب أو بعيد، ومثلُ هذا الوعي يُكرّس حالة العزلة ويُبالغ في تقدير وتمثّل العقائد الخلافية، ويرتّب عليها مواقف كبرى تؤثر سلباً على النسيج الاجتماعي وأمن واستقرار الأوطان.
قبل أيام حضرتُ مجلساً تأبينياً لفقيد عزيز، وقد خطب عالم دين شاب في الجمع وأفاض وأطنب لأكثر من ساعة ونصف في شرح موضوع عقائدي هو محل خلاف حتى بين أصحاب المذهب الواحد، ناهيك عن المذاهب الأخرى، مؤكّداً على أن هذا «الأصل العقائدي» هو من «ثوابت المذهب»، ومُنكِره مُخلّد في النار لأن في إنكاره ردّاً على رسول الله، والراد على رسول الله رادٌّ على الله!
تساءلت وأنا أصغي لهذا الخطيب الفاضل الذي لا أشك في نواياه الطيبة: ما الفائدة التي يجنيها المستمع من هذه الخطبة؟ وما الرسالة التي يريد إيصالها؟ ألا يوجد في الدين إلا ما يُسهم في تمزيق وحدة الناس والبحث عن الخلافات بين البشر؟ ولماذا الإصرار على تضخيم الخلافات المذهبية إلى هذا الحدّ؟ أين وجه الإسلام الناصع السمح الجميل الذي قرأناه في الكتب؟ أين تعاليمه الإنسانية الرحيمة؟ أين مُثله العظيمة في مجال إدارة الذات وفي العلاقات الأسرية وفي مجال التعامل مع الآخرين على الصعيد الاجتماعي؟ ألا ما أبعد هذا الطرح الساذج والمدمّر عن روح الإسلام وما أبعده عن حاجاتنا وحاجات مجتمعنا؟
أقول ذلك وفي قلبي حسرة على هذا الانفصال المؤلم بين اللغة المفترضة في الخطاب الديني، والتي تعكس غنى الدين وتسامحه وروعته ورقيه وبساطته، وبين هذه النبرة «الناشفة» والمكفهرة والقاسية. لكأن أصحاب هذا الخطاب الخصامي مهووسون بالبحث عن قرائن وإثباتات تدل على أن أغلب الناس في ضلال مبين! وهو دور مقلوب ووظيفة معكوسة، ففي الوقت الذي يتعيّن على الخطاب الديني أن يستشعر الدور الذي يقع على عاتقه في الهداية والتوجيه بالحكمة والموعظة الحسنة، ينبري البعض في البحث عن «المشكوك في إيمانهم» من «الأعداء المحتملين» للدين والمندسين في صفوف المصلين ومرتادي دور العبادة!
يسمو الخطاب الديني في بيئة التسامح، وينحدر في بيئة تفتقر لاحترام الخصوصيات الثقافية والدينية، وتسودها مظاهر القطيعة والكراهية والخصومة المذهبية.
يقع على عاتق المؤسسة الدينية مسئولية ذات شقين فيما يرتبط بالحاجة إلى تطوير خطابها الديني: الشق الأول يطال تطوير المضمون الفكري للخطاب الديني بحيث يكون قادراً على مواكبة مستجدات الواقع وقراءة وتشخيص احتياجات مجتمع اليوم بدقة، والنصيحة المباشرة هنا للقيّمين على الشأن الديني: اقرأوا واقع الناس قبل أن تقرأوا الكتب، فالناس لا تريد معلومة بات الحصول عليها يسيراً بفضل وسائل التواصل الاجتماعية والاتصالات؛ إنما تريد الناس من يشعر بمشاكلها ويجيب على أسئلة تؤرّقها ويتحدّث عن حجم التحديات الاجتماعية والفكرية والسلوكية التي يتهدّد أمنها وسلامها الأسري والاجتماعي، وهنا يتوجب أن يكون صاحب الخطاب يعي «ماذا يقول».
أما الشق الثاني: فيرتبط بضرورة الاتفاق والاحتكام إلى أطرٍ عامة تضبط هذا الخطاب، بحيث لا يُترك نهباً لنزعات الغلو والتطرف الديني والطرح المنفلت الذي يُفضي إلى تسعير غلواء الطائفية ويوقظ النزعات المذهبية ويُحرّك أحقاد الماضي بمناسبة ومن دون مناسبة. وهنا يتوجب أن يكون صاحب الخطاب يعي «كيف يقول».
كثيرة هي القضايا الغائبة عن اهتمامات الخطاب الديني، أبرزها وأهمها القضايا الاجتماعية والتربوية والأسرية، في حين تتصدر القضايا الخلافية قائمة اهتمامات المنبر الديني حدّ التخمة في المواسم الدينية، وبشكلٍ مكرّر ورتيب، وبهذا لا تضيع به فرص الاستفادة من هذه المواسم الروحية فحسب؛ بل وتتعبأ النفوس وتُلغّم العقول بفكر يحمل بذوراً تكفيرية ضد الآخر إذا لم يكن يُعلنها صراحةً دون مواربة وحياء.
يصاحب الازدهار الفكري والحضاري في كل مجتمع قيام تفاعل فكري مع الثقافات الأخرى والقبول والاعتراف بها، ويصاحب الجمود الفكري غياب التفاعل وموقف الانغلاق وإدارة الظهر أو التعالي على الثقافات الأخرى والتنكر لها، وقد يكون هذا التسطيح والجنوح لمنطق الخصومة لدى القائمين على إنتاج الخطاب الديني سببه الأزمة السياسية وغياب الإحساس بالهوية الوطنية الجامعة، وإطلاق اليد للخطاب التكفيري يقول ما يشاء ضد من يشاء. والنتيجة هي ظهور أجيال جديدة من أصحاب الفكر الضال، تؤمن بأن قتل المصلين في بيوت الله وفي شهر الصيام من أعظم القربات!
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 4679 - الإثنين 29 يونيو 2015م الموافق 12 رمضان 1436هـ
من حقهم يقولون ومن حقنا نرفض
من حقهم يقولون ومن حقنا أن نرفض وندين هذا الخطاب الذي تخلّى عن مسئوليته في تقديم فكر صحيح يتناسب وظروف مجتمعتنا
الخطاب الديني الذي يحارب الدين
في العشر السنوات الماضية برز في الوطن خطاب ديني يحارب الدين بشكل سافر باسم الدين ، ينشر البغض والكراهية والحقد بين أبناء البلد ، خلاف ما ينادي به الإسلام الذي وجد من أجل أن تعم المحبة الإنسانية والإسلامية بين كل مكونات الوطن ، فسكوت الطبقة المثقفة وصمت مؤسسات المجتمع المدني وتغافل الجهات الرسمية ، جعل بروز خطاب الكراهية في المجتمع ،وغياب الخطاب الديني الحقيقي الذي يدعو إلى الإعتصام
لسنا الوحيدون و لكننا الأفضل ... شعار رجال الدين الجديد
يعني شتبي يقعد يسوي؟ هو يبي يراويك أن الله راح يخلد كل الناس في النار عدى فئة واحدة (و هم جماعته) ... يعني لازم يقعد يبحث في كتب التاريخ و يطوي المجلدات ليبحث عن حديث أو رواية يكسب بها المبارة ضد خصمة السالفة مو لعبة ... ناس عندها فلوس ... على شنو تصرفه؟ تبني به جامعات مثلا؟ مستشفيات؟ مدارس؟ لا تصرفه على قنوات دينية و مراكز همها الشحن المذهبي لتحقيق أهداف سياسية.
عبد علي البصري
((وعالم ضاع بين جهال)) الجهل في المجتمع تأثيره سيئ حتى على العلماء العقلاء , إلا الحماقه اعيت من يداويها , والحبل على الجرار , كثير وكثير . ينعقول مع كل ناعق , بسيطه كلش بسيطه ( امسح عقله , وسيره كيفما تشاء ) والموضوع طويل .....
عبد علي البصري
المسؤوليه ليست على الخطاب الديني فقط , ولاكن على المصغين لهذا الخطاب أيضا , الثقافه العامه والخاصه بالدين وبالتاريخ و الفلسفه الاسلاميه و بالمنطق الذي يعصم العقل من الخطأ في التفكير . عقل الانسان ليس بالمرآه تعكس كل شيئ أمامها ولاكنه بلوره كمبيوتريه تستقبل المعلومه تحللها تجربها تستنتج تصحح الخطأ , وتنمي الصحيح .
صحيح
أتفق معك
عبد علي البصري
الخطاب الديني كغيره , فيه الصالح وفيه الطالح وفيه القوي وفيه الضعيف ,إعداد الخطاب والخطباء مهمه صعبه و واجبه لما له من تأثير قوي ومأثر , (من اصغى لمتكلم فقد عبده ) والاجواء العامه للمسلمين عموما متكهربه ومشحونه , من شأنه المحافضه على هذه الاجواء من الشذوذ أو من العصبيه , وما يصيبنا اليوم هو من تلك الخطابات الشاذه و الحمقاء والغبيه .
2947
الشيخ عيد حفظه الله ورعاه تكلم كلمة حق استدعو والذين يحرضون ويشتمون يسرحون ويمرحون
عبد علي البصري
أشكر الاخ على الطرح الموضوعي ,ملخصه هو أن هناك مواضوعات أولى بالتناول من غيرها و كما يجب تأطير ووضع حدود تحد من خروج هذه المواضيع من الحدود الموضوعيه الى الحدود التطرف والشذوذ , وقد تناول القرآن الكريم في هذا الشأن , ولاكن من الناحيه المتأثره أو المستمعه و أنسياقها الاعمى لهذه المؤثرات دونما تفكير أو عقلانيه , (الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه ) وقال ( ياليتني لم أتخذ فلانا خليلا ) (أطعنا سادتنا وأمرائنا فأضلونا السبيل) ,إن من البيان لسحرا ، وإن من الشعر لحكمة