العدد 4676 - الجمعة 26 يونيو 2015م الموافق 09 رمضان 1436هـ

تذكرتا الجمعة النووية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يوم أمس، أقلعت طائرة من الشرق وأخرى من الغرب. الأولى طارت من إيران، والثانية من الولايات المتحدة الأميركية. الأولى كان على متنها رجل معطوف الظهر، والثانية كان على متنها رجل مكسور الساق. الأول كان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والثاني كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري. المكان الذي سيتوجهان إليه هو فينا أو كما يُسمّيها اللاتينيون فيندوبونا أي الهواء الجميل والنسيم العليل. أما الهدف فهو لإتمام صفقة نووية كبرى «مفترضة» بين الغرب وإيران.

نحن في اليوم السابع والعشرين من شهر يونيو/ حزيران من عام 2015م. والموعد المضروب لإنهاء التفاوض بين الطرفين هو آخر ساعة من غروب يوم الثلاثاء القادم، الموافق 30 يونيو الجاري. كثيرون تنبؤوا بتمديد الوقت إلى 72 ساعة أخرى ربما. وقد تكون أقل من ذلك قليلاً وقد تزيد أكثر، لكن الطرفان (الأساسيان) يتطلعان إلى إبرام الصفقة، دون النظر إلى التوقيت المحدد. هم يقولون أن المقدّس ليس الموعد بل موضوع الموعد. هذا الأمر كرروه في اتفاق نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 واتفاق مارس/ آذار 2015م.

الأميركيون بدت مواقفهم لافتة جداً في الآونة الأخيرة. هل تتذكرون ماذا قال جون كيري للصحافيين؟ لقد قال شيئاً عجباً. ردّاً على سؤال طرحه مراسل صحيفة نيويورك تايمز مايكل غوردن حول ما يُمكن أن يُسمَّى تراجعاً أميركياً عن النشاطات النووية ذات البعد التسليحي للجمهورية الإسلامية الإيرانية: «حول البعد العسكري المحتمل، بصراحة، يتم تحويره في بعض النقاشات، لم نكن مُصرِّين يوماً على قيام إيران بتقديم كشف لما قاموا به في وقت أو في آخر».

ثم أضاف كيري: «ما يهمنا هو المضي قدماً، فمن الأساسي لنا أن نعرف أنه مستقبلاً، توقفت هذه النشاطات، وأنه يمكننا التأكد من ذلك بطريقة شرعية، وهذا هو أحد شروطنا لما يجب الاتفاق عليه حتى تكون هناك اتفاقية شرعية. وحتى تكون لدينا اتفاقية تؤدي إلى رفعٍ كبيرٍ للعقوبات، نريد هذه الأجوبة». هذا موقف أميركي ليس مُزيَّتاً فقط بل هو شبه انقلاب في الموقف الرسمي للبيت الأبيض.

قبل أيام، كتب مستشارون للأمن القومي الأميركي وخبراء في السياسة الخارجية، عمل (بعضهم) مع الرئيس باراك أوباما خلال فترة رئاسته الأولى، بينهم دينيس روس بأن «الولايات المتحدة عُرضة لإبرام اتفاق للحد من برنامج إيران النووي يفتقر إلى الضمانات الكافية». قالوا للرئيس بأن الاتفاق: «لن يُلبي معايير الإدارة نفسها الخاصة باتفاق جيد ما لم يشمل نهجاً أكثر صرامة بشأن عمليات التفتيش النووي التابعة للأمم المتحدة وشروط تخفيف العقوبات».

وعندما اجتمع روس مع مسئولين في إدارة أوباما ليقول لهم ذلك وأن «من المهم ألاّ تنساق المحادثات وراء المهلة بل فعل الصواب» وأن يفهم «الإيرانيون أننا سنمسك بهم إذا غشوا وأن الثمن سيكون باهظاً حتى على المخالفات الأصغر» ردّ عليه مسئولو الإدارة بجواب عام جداً: «الاتفاق الأوّلي الذي تم التوصل إليه مع إيران في أبريل/ نيسان تضمن المبادئ الواردة فيما تقوله يا روس. إذاً، يبدو أن أوباما وذراعه الأيمن كيري قررا المضي في المهمة حتى النهاية.

كتب أحد المحللين في رويترز مرة بأن منتقدي جون كيري يقولون إنه: «كسر قواعد كلاسيكية في عمليات التفاوض عندما حَجَبَ بوجوده كبيرة المفاوضين الأميركية ويندي شيرمان، وعندما عقد اجتماعات منتظمة مع الإيرانيين في حين كان ينبغي أن يظل بمنأى، ناهيك عن إبداء تلهف على إبرام اتفاق». نعم ... في السابق، كان التقاء سيناتور أميركي سابق برئيس شركة إيرانية يُعتبر سابقة، أما اليوم، فإن وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية التقى بوزير الخارجية الإيراني في جنيف وباريس ودافوس ولوزان ومونترو وميونيخ ونيويورك وبشكل علني ودون ضجة تذكر!

عيَّره ريتشارد أرميتاج نائب وزير الخارجية الأسبق مرة قائلاً: «إن كان وزير الخارجية مستعداً لأن يطير تواً في آخر نصف ساعة في كل مرة فما الحافز الذي يدفع الإيرانيين للكشف عن حدهم الأقصى؟» لكن جون كيري لم يكترث. والحقيقة، أن القضية أبعد من انتقادات شخصية، فالمسألة متعلقة بضرب المجداف نحو أقصى الشرق وجنوبه كبديل أميركي استراتيجي عن المناطق التقليدية لهم. هذا ما يقوله خبراء السياسة الخارجية في الغرب في أبرز صحفهم.

هذا التموضع الجديد وأثمانه لم يرُقا لقوى مؤثرة في المنطقة كإسرائيل، التي يبدو (وحسب المعطيات المختلفة) أنها غُيِّبَت عن قدر مهم من المفاوضات. فحسب شركة كاسبرسكي لاب المعنية بحماية الحواسيب فإن «أماكن المحادثات النووية الإيرانية قد استُهدِفت بواسطة برامج تجسُّس متطورة» شملت «الفنادق وقاعات المؤتمرات التي عقدت فيها مجموعة خمسة + واحد المحادثات مع إيران بشأن برنامجها النووي» عبر «اختراق وسائل الاتصالات، بما في ذلك شبكات الواي فاي وشبكات الفنادق، للحصول على أرقام غرف الضيوف المهمين، وتحميل فيديوهات كاميرات المراقبة الداخلية والملفات الصوتية التي سجلتها أية ميكروفونات». والقرائن كلها تشير إلى أن إسرائيل هي التي قامت بذلك. إن التغييب دفعهم لأن يتلصّصوا على ما لم يُخطروا به ولم يرضوا عنه.

في كل الأحوال أمامنا أيام قبل أن يُحسَم كل شيء. لنرى ماذا سيحصل في فينا. كيف سيتصرف الطرفان على طاولة التفاوض. هل سيمدان يداً للمصافحة في هواء فينا العليل وإسالة الحبر على الورق، أم سيضربون بقبضاتهم على الطاولة وينصرفون؟ المؤشرات تقول أنهم لن يغادروا بدون التزام متبادل.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4676 - الجمعة 26 يونيو 2015م الموافق 09 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:02 ص

      التناقض الكبير

      بسبب الضغوط عليه عاد جون كيري أمس وادعى انه سيتشدد مع إيران ويطلب منها سجلا حول برامجها العسكرية فرد عليه المحللون بأنك غير صادق بعد ان قلت جهارا بان ايران لا يجب عليها ان تقول ما كانت تفعله بالسر

اقرأ ايضاً