العدد 4675 - الخميس 25 يونيو 2015م الموافق 08 رمضان 1436هـ

الوجهاء والأعيان... بيضة القبّان

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

بين فترة وأخرى تبرز إلى الواجهة نقاشات واسعة حول الدور الذي يمكن للوجهاء والأعيان القيام به للمساهمة في إخراج البلاد من الأزمة التي تعانيها منذ أزمة 2011، وما بين متشجع لدور يمكن أن تقوم به هذه الفئة وبين مشكّك في دورها، يدور جدل واسع عن أحقيتها وكفاءتها وولاءآتها وإحساسها بهموم الناس ومعاناتهم.

وقبل الانتصار لرأي دون آخر، دعونا أولاً نعرف من هم الوجهاء والأعيان، وكيف أصبحوا أعياناً ووجهاء ، وما هي الأدوار التي يلعبونها في المجتمع، ومن ثم نناقش إمكانية قيامهم بدور سلبي أو إيجابي للمساهمة في إخراج البلاد من هذه الأزمة.

والحقيقة هي أن الوجهاء والأعيان فئة مهمة من فئات المجتمع البحريني، تتمتع بحضور واسع وتأثير قوي في العديد من المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهم لا يأخذون دور أحد، ولا يستطيع أحد أن يأخذ دورهم، وهم بطبيعة الحال يشاركون مختلف فئات الشعب الأخرى همومهم ونشاطهم. بعضهم مقرب من دوائر الحكم، فيما بعضهم الآخر قريب من دوائر المعارضة، لكن أغلبيتهم يقفون في منطقة وسطى بين المعارضة والسلطة، ويسعون في كثير من الأحيان للتوفيق بين الجهتين من منطلق الحرص على الوطن ووحدته وانسجام مكوناته. كما أنهم يحرصون على الاهتمام بشئونهم الخاصة والحفاظ على مصالحهم، إضافةً إلى إنشاء بعض الأعمال الخيرية أو الاجتماعية أو المساهمة في هذه الأعمال من خلال المؤسسات المعنية بذلك.

والأعيان ليسوا اختراعاً بحرينياً، كما أنهم ليسوا زرعاً شيطانياً ظهر فجأةً في مختلف دول العالم وباغت الناس جميعاً على حين غرة، بل إنهم موجودون في كل المجتمعات منذ نشأتها وتكونها، ولاشك أن مسميات هذه الفئة تختلف من مجتمع لآخر حسب الأدوار التي يقومون بها وبحسب هامش الحرية الذي يتحركون فيه.

وفي مجتمعنا البحريني الصغير، فإن للأعيان والوجهاء دور قديم جداً، بدأ قبل أيام الغوص من خلال قيادتهم للمجتمع ثم تأكد عندما اكتشف النفط من خلال مساهمتهم في تعزيز التماسك المجتمعي، وكان أبرز حضور لهم في تثبيت عروبة البحرين واختيار الاستقلال بدل التبعية إلى إيران الشاه.

لقد لعب رجال المجتمع من وجهاء وأعيان، دوراً بارزاً في نشوء الدولة واستقلالها، فمنذ بداية تكوين إدارات الدولة المختلفة قبل عقود، كان لهم الدور الريادي من خلال المشاركة في تأسيس وإدارة بلدية المنامة العام 1919 التي كانت نواة كل المؤسسات الرسمية تقريباً، مروراً بتأسيس غرفة تجارة وصناعة البحرين العام 1939 التي كانت نواة كل المؤسسات التجارية والأهلية في البحرين وفاتحة للعمل الأهلي المنظم المبني على المشاركة الشعبية، وصولاً إلى المشاركة الفاعلة جداً في التصويت على استقلال البحرين في الفترة من 31 مارس/ آذار - 18 أبريل/ نيسان 1970 من خلال دورهم في قيادة تلك العملية عبر الأندية ومؤسسات المجتمع المدني.

كما لعب الوجهاء والأعيان دوراً رائداً في الحياة السياسية أيضاً، ففي كل الهبات والانتفاضات الجماهيرية كان للوجهاء والأعيان دورٌ مباشرٌ في قيادة المطالب وخصوصاً طوال عهد الاستعمار البريطاني، ولا أعتقد أن دورهم يمكن تجاهله في انتفاضة 1956 ومساهمتهم الفاعلة في تأسيس «هيئة الاتحاد الوطني» التي انطلقت من حسينية بن خميس بقرية السنابس في أكتوبر/ تشرين الأول 1954. كما أن الوجهاء والأعيان ساهموا بشكل فاعل في تأسيس وقيام مؤسسات المجتمع المدني، والأندية الرياضية والثقافية قبل أكثر من قرن، بالإضافة إلى دورهم في تأسيس المراكز الشبابية والصناديق والجمعيات الخيرية.

وكلنا يعرف أن الوجهاء والأعيان في مختلف مناطق البحرين كانوا يلعبون الدور الأساس في قيادة المجتمع في جميع المجالات الحياتية السياسية والاجتماعية والرياضية، وحتى في مجال المرأة والطفولة والشباب قبل بروز الجمعيات السياسية في العام 2002، بل إن الكثير من التيارات السياسية والحزبية العقائدية كانت تعمل من خلف ستار هذه المؤسسات المجتمعية التي كان يديرها الأعيان والوجهاء طوال عقود من الزمن، قبل أن تطل الأحزاب بأيدلوجياتها المختلفة إلى الواجهة وتساهم في تعقيد المشهد البحريني وربما تقسيم المجتمع وتحزبه أيضاً.

والغريب أن الجمعيات والتيارات السياسية التي ظهرت للحياة السياسية مع بداية عهد الاصلاح استحوذت على دور الوجهاء والأعيان، وسعت للسيطرة على كل مؤسسات المجتمع المدني، وبعد أن تمكّنت من فرض حضورها وإزاحة أسماء عريقة في الأوساط الاجتماعية، أصبحت هذه التيارات في مواجهة مباشرة مع السلطات.

وهكذا تراجع دور الوجهاء والأعيان لصالح الجمعيات والتيارات السياسية التي ظهرت للعلن بعد سنين من التواري والاكتفاء بالعمل السري الذي تحكمه الظروف المعقّدة والمكبلة بالملاحقات الأمنية. ولقد تأقلم عدد كبير من الوجهاء والأعيان طائعين أو مرغمين، بتقزيم دورهم من قبل الجمعيات والتيارات السياسية خصوصاً أن الأخيرة استطاعت كسب تشجيع وتأييد عدد من القيادات الدينية الوازنة، الأمر الذي جعل غالبية الناس تتعامل معها من منطلق الشرعية التي لا تنازع.

لقد قبل غالبية الوجهاء والأعيان بلعب الأدوار الثانوية في مؤسسات المجتمع المدني التي انتشرت في وسطها حمى التغيير والديمقراطية، بعد أن كانت سنوات طويلة تعاني من العزوف والإهمال، وصار العديد منهم يتحاشى الاصطدام مع ممثلي الجمعيات والتيارات السياسية المندفعين للسيطرة على كل مفاصل الحياة الاجتماعية في البحرين، وكأنهم اكتشفوها فجأةً، رغم أن العديد من كوادر هذه الجمعيات والتيارات السياسية يفتقرون للخبرة والقدرة على القيادة مقارنةً مع الوجهاء والأعيان الذين اكتسبوا خبرات طويلة من خلال عملهم الاجتماعي والتجاري، وتبوؤهم مراكز قيادية في مختلف المؤسسات الرسمية.

لقد خسر المجتمع جهود الكثير من الوجهاء والأعيان الذين انكفأوا على أنفسهم حرصاً منهم على عدم الاصطدام مع التيارات السياسية التي مارس بعضها الإقصاء والتهميش والاستهداف الشخصي بشكل مزعج، وعلى الضفة الأخرى كاد التنافس فيما بين هذه التيارات أن يشعل خلافات حزبية ومجتمعية بل وطائفية لا تنتهي وتؤثر سلباً على تماسك المجتمع للدرجة التي أفرزت عداوات وخلافات متسلسلة في العديد من مناطق البحرين، وانسحب تنافس التيارات السياسية والحزبية على دور العبادة بما في ذلك من المساجد والحسينيات والأندية والجمعيات الخيرية ومختلف جمعيات المجتمع المدني.

نصل إلى نتيجة مفادها أن الأعيان والوجهاء ليسوا حدثاً طارئاً على الساحة البحرينية، بل إنهم جزء أصيل من مكونات المجتمع، يتفاعلون مع مختلف احتياجاته ومطالبه، وأن دورهم غلبت عليه الايجابية في معظم الأحيان، وهنا لابد من الإشارة إلى أن الإمعان في إبعادهم وعزلهم وحصر أدوارهم في الأطر الشكلية، يعبّر عن قصر نظر وضيق أفق أكثر مما يعبر عن فهم ووعي سياسي.

وإذا كانت الحكومة قد سعت وربما نجحت في استقطاب بعض الأعيان وكسب ولائهم ودعمهم لعدد من المواقف السياسية، فإن هذا السعي أمر طبيعي ومفهوم، وهو يدل على أن السلطات واعية أكثر من المعارضة لدور الوجهاء والأعيان، وتعرف مدى تأثيرهم في المجتمع. وبغض النظر عن تبنيهم مواقف مؤيدة للحكومة أو الاكتفاء بالحضور والمشاركة في بعض الفعاليات البروتوكولية، فإن من غير المناسب عزلهم ومحاربتهم واعتبارهم في خانة الأعداء لأيٍّ من الطرفين.

وفي هذا المجال يمكننا القول بكثير من الثقة، إن المجتمعات كافة ومجتمع البحرين بشكل خاص، بحاجةٍ إلى أن يلعب الوجهاء والأعيان دوراً وسطياً معتدلاً يجسّر الهوة بين المعارضة والسلطة، ويساهم في تهيئة الأجواء لحوارات وتسويات هادئة تخرج البلاد من أزمتها وتضعها على طريق الحل، بعيداً عن التخوف من أن يأخذ الأعيان والوجهاء دور أحد.

إنها الثقة التي يجب أن تحل محل الشك والريبة، فالأعيان والوجهاء يستطيعون لعب أدوار إيجابية تساهم في تخفيف التوترات والاحتقانات المجتمعية والمذهبية والسياسية، وهم في الغالب يقومون بتوظيف علاقاتهم وحضورهم الشخصي لتحقيق هذه الأدوار، ومن المهم بل من الضروري الاستفادة من قدرتهم على التواصل مع الجميع في سبيل حلحلة المواقف المتصلبة وتقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف والمكوّنات في المجتمع.

في الختام لابد من التأكيد على أن الوجهاء والأعيان لم ولن يأخذوا دور أحد، فلديهم من الأدوار ما يكفيهم ولا حاجة لهم للسطو على دور الآخرين، لكن المطلوب في الوقت ذاته زرع المزيد من الثقة والتجانس وتوزيع الأدوار، حتى تعبر سفينة الوطن هذه الأمواج المتلاطمة من الأزمات والمشاكل التي تكاد أن تودي بكل منجزات الوطن ومكتسباته، وأهمها التلاحم المجتمعي الذي بدأ يحل محله انقسام طائفي وفتن لا تنتهي، وما يجري على الضفة الأخرى من الخليج ليس عنا ببعيد.

إننا نقف أمام مفترق طرق، والوطن مهدد بمزيد من التشظّي والانشطار المذهبي، ومخاطر الإرهاب تدق الأبواب بقوة وعنف دموي، ونحن في أحوج ما نكون فيه للوحدة والتماسك وتفعيل كل أدواتنا وإمكاناتنا. من هذا المنطلق فإن علينا أن نرحّب بجهود كل من يستطيع مساعدتنا للخروج من هذه الأزمة المزعجة، ودون شك فإن الوجهاء والأعيان يستطيعون أن يكونوا بمثابة بيضة القبّان التي يضبط بها إيقاع التواصل خصوصاً أن علاقاتهم عابرة للطوائف والتحزبات وتقسيم المجتمع بين موالاة ومعارضة، فهم يمتلكون القدرة على التواصل والعمل المشترك في جميع الظروف مع جميع الأطراف.

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 4675 - الخميس 25 يونيو 2015م الموافق 08 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 7:54 ص

      الوجهاء

      أستاذنا العزيز ... الوجهاء والأعيان وحتى المخاتير في فترة ما من تاريخ هذا البلد لم يستطيعوا أن يبنوا بلد قائم على قوانين ثابته تنتصف للمظلوم من الظالم مهما كانت مكانته وتحمي الحريات العامة الكلمة والمعتقد والفكر والإبداع أي بناء الدولة المدنية الديمقراطية ومحاربة الفساد مثل هذة المتطلبات لا تتحقق إلا عبر مؤسسات المجتمع المدني الحر القادر على التعبير واتخاد القرار

    • زائر 9 | 5:10 ص

      مقال روعة ومفيد ومساهم في حل الأزمة 1130

      والوجهاء والأعيان خبرة متراكمة يجب الاستفادة منها وهم من جميع الأطياف ويقبلون الكل ولا يهمهم إلا الكفاءة لا الفصل ولا الأصل ولا المذهب ويهمهم استقرار الوطن وأمانه فلماذا لا نعطيهم الفرصة ونترك إليهم اذا لم نستفيد لم يحسر الوطن أي شئ فليعطيهم كل الشعب الثقة

    • زائر 8 | 4:35 ص

      الاعيان لايتحركون في زمن مأزوم

      الاعيان في وضع مثل وضعنا لن يكونوا أفضل من سابقيهم في الشورى والبرلمان فهم غالبا يعيشون بعيدون عن هموم الناس وهناك فواصل تفصلهم عن الناس وأن وبدل الاعيان هناك رجال الدولة فهم أفضل شأنا من البرلمانيين الذين وافقو او اقروا كل سيئ يخطر على بال بشر الانسان هو الانسان ولكن الانسان (الجبان) تراه يكون مع القوي مهما كان حاله ويزيد من القرارات التي تقصم ظهر الفقير وطبعا يحاول ايجاد التبريرات لعمله السيئ الذي لم يفكر ابليس في عمله فالعملية تدور مدار الانسان وجودته

    • زائر 7 | 4:16 ص

      كفى تطبيلا

      دولة المواطنة ليست بحاجة الى وجهاء واعيان وخواشي .دولة المواطنه بحاجة الى مؤسسات واحزاب فاعله وقانون يطبق على الجميع وكفى تطبيلا للاعيان الذين ما قتلوا ذبابه

    • زائر 5 | 3:19 ص

      الزمن تغير

      نسعى لدولة المواطنة فيها تتعامل الحكومة مع المواطنين لا مع السادة الذين يمتلكون العبيد، لذلك قبل تغيير الحكومة يجب القضاء على السادة والاعيان الذين يستعبدون البشر حتى نبني دولة المواطنة.

    • زائر 4 | 3:02 ص

      الأعيان والوجهاء!

      الأعيان والوجهاء لهم مصالحهم الخاصة وسيسعون دون أن تمس، ولذلك لن يتخذوا موقفا يحسب ضدهم، وهذا الحياد حياد سلبي لا يرتجى منه خير، المعارضة التي لها جذورها الموغلة هي الأقرب للثقة في الوصول لحلول

    • زائر 3 | 2:35 ص

      بيضة القبان الفاسدة

      انتهازية من تسميهم بالأعيان وهي تسمية متعالية منفرة وانعزاليه بالاضافة الى انتهازية هذة الطبقة والتي وخاصة في هذة المرحلة لا تبحث الا عن مصالحها وارتباطتها ومنافعها التجارية وهم يعلمون من سيقرص آذانهم لا وبل سيقطعها ان لعبوا دورا مزدوجا والظروف السياسية في الخمسينيات مختلفة حيث الضرر واقع على الجميع

    • زائر 2 | 1:47 ص

      مقال رائع

      شكرا فعلا المقال رائع وتحليل جيد للواقع البحريني

    • زائر 1 | 12:41 ص

      تراجع الوجهاء و الأعيان لصالح الجمعيات الدينية

      هو انتصار لقيم الأرياف و القرى على قيم المدن و الحواضر.

اقرأ ايضاً