يهز ظهور أحمد رأسه في ذهول وهو يتفحص باحة منزل تملكه أسرة آل داود التي يعتقد أن ثلاث أخوات منها سافرن إلى سوريا للانضمام إلى متشددي تنظيم داعش واصطحبن معهن أطفالهن التسعة.
وقال أحمد (52 عاما) وهو يتابع ببصره حركة الشارع في مدينة برادفورد بشمال انجلترا "لماذا تذهب إلى سوريا؟ لا أفهم ذلك."
وقال وهو يرتدي الملابس الإسلامية التقليدية إنه لم يشهد تشددا قط في المدينة.
وأحمد ليس الشخص الوحيد الذي يشعر بالصدمة في برادفورد بسبب قرار صغرى وزهرة وخديجة داود السفر لسوريا مع أطفالهن وأصغرهم في الثالثة من عمره وترك أزواجهن.
وسلطت الأضواء على القضية بعد يومين من تقارير بأن طلحة أسمال وهو صبي عمره 17 عاما من دوسبري على بعد عدة كيلومترات من برادفورد نفذ هجوما لتنظيم داعش في العراق ليصبح أصغر انتحاري بريطاني فيما يبدو.
وفجرت الواقعتان تساؤلات بين مسلمي بريطانيا في وقت تقترح فيه الحكومة قوانين جديدة لمنح السلطات تفويضا أوسع لمحاربة التطرف وربما إغلاق المساجد المرتبطة بمتطرفين.
وتقول السلطات إن أكثر من 700 بريطاني -رجال ونساء- بعضهم من المراهقين والبعض الآخر تلقى تعليما جيدا اجتذبوا للقتال في سوريا والعراق. وينضم معظمهم لتنظيم داعش.
وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في كلمة اليوم الجمعة (19 يونيو/ حزيران 2015) أمام مؤتمر أمني في سلوفاكيا إن من يقومون بهذه الرحلة لا يعرضون أنفسهم للخطر فحسب لكنهم "يساهمون في أكبر التهديدات التي يواجهها عالمنا."
ويركز كاميرون على إقناع مسلمي بريطانيا وعددهم 2.8 مليون نسمة ببذل مزيد من الجهود لمحاربة التطرف فيما بينهم. وقال إن عدد أكبر مما ينبغي من الناس يعبرون عن العقيدة "الشريرة" التي يتبعها تنظيم داعش حتى لو لم يكونوا يحرضون على العنف.
وتابع قوله "هذا يمهد الطريق للشباب لتحويل الاضطهاد المستعر إلى نوايا بالقتل. للتحول من الاستماع إلى رجال دين متشددين على الإنترنت إلى ركوب طائرة إلى اسطنبول ثم السفر للانضمام إلى الجهاديين."
ويعتزم كاميرون طرح قوانين جديدة لتعزيز سلطات حظر الجماعات "المتطرفة" وإغلاق المساجد التي ينشط فيها المتطرفون ومراقبة الإعلام للحد من بث المواد التي تحرض على التطرف.
لكن بعض المسلمين البريطانيين يقولون إن مثل هذه الإجراءات ستأتي بنتائج عكسية وستزيد من الشعور بالعزلة الذي يؤجج التطرف. وقالت بانا جورا وهي عضو مؤسس لمجلس برادفورد للنساء المسلمات إنه يتعين على الدولة أن تعمل مع المسلمين لا أن تشيطنهم.
وقالت "هذه القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب التي ستطرح لن تجدي نفعا."
وتابعت قولها إنه لو حصلت الحكومة على "سلطات لإغلاق المساجد كما يحلو لها فكيف يساعد ذلك على بناء علاقات بين الجالية المسلمة والدولة؟"
وتثير قصص سفر من يتم تجنيدهم إلى العراق وسوريا أسئلة ذات حساسية سياسية بشأن ما إذا كانت بريطانيا تبذل ما فيه الكفاية لدمج الأقليات لاسيما في المدن الشمالية الفقيرة التي لها تاريخ من الصراع العرقي في المجتمع.
ويؤلف المسلمون تقريبا ربع سكان منطقة برادفورد الذين يُقدَّر عددهم بنحو 526 ألفا و400 وتعيش في المنطقة أكبر نسبة من السكان المنحدرين من أصول باكستانية في بريطانيا. وواجهت المنطقة شأنها شأن الكثير من البلدات والمدن الشمالية صعوبات اقتصادية في السنوات الأخيرة ويتجاوز معدل البطالة فيها المتوسط الإقليمي والوطني.
وكانت أجزاء من برادفورد أشعلت فيها النيران في حوادث شغب عنصرية بين البيض وسكان منحدرين من أصول آسيوية في عام 2001 لكن معظم الذين يعيشون هناك اليوم يقولون إنها مدينة تسودها علاقات الود وان المجتمعات تتعايش على ما يرام.
وحي آل داود في المدينة مثال نموذجي يشمل الطبقة العاملة والعرقيات المختلفة ويشيع فيه ارتداء النساء للنقاب شيوع ارتداء الرجال البيض في انجلترا قمصان كرة القدم وتعمل فيه الكنائس والمساجد جنبا إلى جنب.
وعلى خلاف فرنسا العلمانية بموجب سياستها الرسمية لا تتبع بريطانيا سياسات مناهضة للملابس الدينية في الأماكن العامة. وتدفع الحكومة أموالا للطلاب الذين يدرسون طول الوقت في مدارس يديرها مسلمون مثلما تقدم تمويلا للمدارس الكاثوليكية والبروتستانتية.
ويقول المنتقدون العلمانيون إن مثل هذه السياسات "المتعددة الثقافات" تشجع على التفرقة وعزل الأقليات وتثير مشاعر السخط وردود الفعل السياسية المناهضة بين بعض البيض.
وبعد الهجوم الانتحاري لطلحة وصفت صحيفة ديلي ميل اليمينية بلدته دوسبري بأنها "مرتع للجهاديين الذي ترتدي فيه حتى سيدة تبيع المثلجات النقاب." ونشرت الصحيفة صورة لامرأة متنقبة تبيع المثلجات من نافذة مركبة عليها صورة ميكي ماوس.
وكانت الشقيقات اللائي تتراوح أعمارهن بين 30 و34 عاما مع أطفالهن لأداء العمرة في السعودية لكنهن لم يرجعن إلى الوطن منذ ثمانية أيام.
وتعتقد السلطات البريطانية انهن التحقن بأحد اخوتهن الذي يقاتل في صفوف تنظيم داعش الذي يسيطر على أجزاء من سوريا والعراق. وتشارك بريطانيا في حملة قصف جوي تقودها الولايات المتحدة وتستهدف التنظيم.
وقالت عائلتهن في بيان أمس الخميس "إننا لا نقر بأفعال الشقيقات في ترك أزواجهن وعائلاتهن في المملكة المتحدة وأخذ أطفالهن إلى منطقة حرب لا يؤمن فيها الانضمام إلى أي جماعة."
وقال معهد الحوار الإستراتيجي -وهو مؤسسة بحثية مقرها بريطانيا تشجع على مناهضة التطرف- إن النساء لم تدفعهن إلى منطقة الحرب الرغبة في أن يصبحن "زوجات" لمقاتلين على جبهة القتال وانما لأنهن شعرن بأنهن في عزلة ثقافية واجتماعية ويعتقدن أن المسلمين مضطهدون واجتذبتهن المثل الإسلامية العليا.
وقال عزيز أحمد صاحب مقهى في برادفورد إن مسلمي بريطانيا يدركون مشكلة التشدد ويسعون جهدهم لمعالجتها.
وقال عزيز لرويترز "إننا نتحدث في المساجد: من هؤلاء الناس الذين يغسلون فعليا مخ هؤلاء الناس؟ قطعا المساجد ليست هي السبب."
مو غريب
انتشار المدارس الوهابية في بريطانيا هو السبب