ليس جديداً هو الموضوع؛ لكن ثمَّة تداخلاً وتناغماً - عن وعي أو دون وعي - بين الذين يستفزُّون الناس في اعتقاداتهم ومشاعرهم الدينية. «مُتَلَبْرِل»، اتخذ الليبرالية منحىً ومنهجاً وتوجُّهاً ونظراً وطريقة حياة، أو ملحد، اتخذ الإلحاد منحىً ومنهجاً وتوجُّهاً ونظراً وطريقة حياة، أو تكفيري جاء مستوياً ولا شيء في عقله ووعيه وقناعاته غير كفر ما سواه، وضلاله، وخروجه من رحمة الله، والتأكيد؛ مع ضمان أن نهايته إلى جهنَّم التي يعرف سكَّانها، كما يعرف سكَّان الجنة إما بشكل شخصي! أو بفعل أمارات وعلامات لا تخرج عن وصفته الجاهزة وحدودها، وربما في ذلك ما يفوق الاستفزاز بذلك التحقير الذي هو بمثابة توطئة ودعوة صريحة للقتل؛ وإن كانت تلك الدعوات اليوم تكاد تكون النشيد الوطني لتلك الجماعات؛ فيما لو قامت لها أكثر من دولة؛ بعد قيام أول دولة تكفيرية شرْعتها القتل والحرق والرمي من مكان شاهق، على بعض أرض العراق والشام وليبيا، ووحده الله العالم إلى أين ستكون وجهة عصابتها القادمة!
هل نقول ذلك شأنهم؟ ربما على مستوى الاعتقاد والنظر؛ وخصوصاً العيِّنة تلك، إذا ما ظل ذلك في حدود القناعات وحتى أسلوب الحياة، ولو ارتضت أن تعيش في الكهوف والجبال؛ ما دامت لن تتسبَّب في خلخلة استقرار محيط تعيش وتتحرك في وسطه؛ وذلك بطبيعة الحال لا يستقيم مع العيِّنة الثالثة؛ دون أن يُعمِّق أولئك - وهماً - ذلك التوجُّه باستفزاز البشر من حولهم أو خارج دائرة محيطهم. الاستفزاز في اعتقاداتهم ومشاعرهم الدينية الوسطية التي تحتكم إلى العقل، وتوازن بين مقتضيات الحياة، دون أن تصطدم بالمنهج الذي ارتضوه، والعقيدة التي يروْن أنها «تنظِّم» شئونهم، ولا تمس إيقاع الحياة في حركتها الطبيعية؛ ولا تكون مصدر فوضى للآخرين.
بين «»متلَبْرِل»، متهكِّم يتعمَّد مثل ذلك الاستفزاز للمشاعر بالمس باعتقادات الآخرين وممارساتهم وطقوسهم، بتسخيف وتحقير مُبطَّن بالانفتاح غير المُرشَّد والمنفلت؛ والدخول في تفاصيل لا ترمي إلى المعرفة والنقاش والمناظرة؛ بقدر ما ترمي إلى إثبات أن العالم لم يعد يحتمل مثل تلك الاعتقادات والطقوس؛ إتياناً بما يناقضها؛ في استفزاز يبلغ الذروة التي يمكن له بلوغها. في شهر الصوم لا بأس أن تعمد إلى الإفطار لتوصيل ممارسة الاستفزاز تلك! في مواقيت الصلاة، لا بأس أن ترفع صوت نهيق أحدهم وهو يصرخ «بحبك يا حمار»! تلك هي «اللبرلَة» في طبعتها المتخلفة والوضيعة التي يرى بعضهم أنها تمثله، وعلى الذين لا يملكون أكُفّاً أن يُصفِّقوا له أيضاً!
طرف آخر، وهو البلاء الذي يُسمِّم ليس فقط الحياة العربية؛ بل يُسمِّم ما تبقى من عافية العالم، والمتمثِّل في الانتحار المجنون الذي نما وتمدَّد في السنوات الأخيرة في أشكال وصور وممارسات هي ما بعد التطرُّف بمراحل؛ ذلك الذي يحتكر الحياة، ويريد للبشر من حوله أن يكونوا متطابقين معه في المنحى والمنهج والتوجُّه والنظر والممارسة في الحياة. ذلك الطرف يريد إقناع الناس بالغلظة والإرهاب والتنفير بما هو عليه، ولكي يثبت وجهة نظره لابد من ممارسة مزيدٍ من الوقاحة والبذاءة والسفالة والانحطاط، في الطريق إلى إثبات وجهة النظر تلك: استفزاز الناس في اعتقاداتهم ومشاعرهم الدينية، وطريقة فهمهم وعبادتهم لله. ذلك تنشيطٌ لما سيأتي بعد وبشكل عملي في صور القتل المستوحاة من نماذج وضيعة في التاريخ، يتم استدعاؤها وتمثُّلها واتخاذها قدوة، أو هي من عنديَّات المنتمين إلى ذلك التطرُّف في أحط نماذجه.
هذا الإصرار على التطابق، مهما كانت الأثمان التي تدفع في سبيله، ستجده في بيئات إيقاع الحياة فيها مخنوق ومضغوط ومصادر من جهة، ومن جهة أخرى يُتاح لأتباع مدرسة الغلظة والإرهاب والتنفير والتكفير ممارسة الوقاحة والبذاءة والسفالة والانحطاط والاستفزاز المذكور، بكل حرية وأكثر من غطاء، من خلال أكثر من منبر ومدى؛ لا الهامش فحسب!
بالعودة إلى بعض «المتلبْرلين» من أصحاب الفهم المغلوط لليبرالية، يحدث أحياناً أن يكونوا طارئين على بيئات تنعم بمدنية الدولة؛ والمساواة في الحقوق، ووضوح مفهوم المواطنة على مستوى الممارسة والتطبيق، فيُصار إلى اعتناق والاقتناع برد فعل تجاه ذلك الوضوح، بـ «لبْرلة» سطحية ومندفعة في كثير من الأحيان، بتسخيف واستفزاز الناس في اعتقاداتهم ومشاعرهم الدينية؛ ولعلَّها بفعل الصدمة التي لم تستطع استيعاب فرصة البيئة الجديدة، بمحاولة تعميق فهم في النظر إلى الآخر. بيئة تؤمن بالتعددية وتمارسها في أجلى صورها.
ما الفارق هنا في مثل ذلك التطاول والاستفزاز؛ الأول يستخف ويتهكَّم ويتندَّر، والثاني يستحضر ويستدعي كل قواميس الشتائم والتكفير التي تعلَّمها منذ تهيئته لوعي وإدراك ظلامي أول في «الكتاتيب»، وحتى بعد تخرُّجه من جامعات الكفر والشرك والضلال في بلاد النصارى والبوذيين وغيرهم؛ وصولاً إلى استباحة الدماء وكل ما يرتبط بصلة لأعداء لا ينتهون على قائمته!
إنه العبث الذي لا طائل من ورائه؛ سوى إرباك الطبيعي من حياة الناس في خياراتهم، وتسميم ما تبقَّى من عافية لا يُراد لها أن تكون بمناعة قادرة على الصدِّ والمواجهة.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4667 - الأربعاء 17 يونيو 2015م الموافق 29 شعبان 1436هـ
انا
انا معك زائر 1 واؤيد كلامك انهم بهائم ولايعرفوون سوى جشعهم فى الدنيا
لا أحد في أي دولة في العالم يهتم بمعتقدات غيره
ويوجد في أكثرها العديد من المعتقدات أكثر منا بكثير وبعضها مستغرب والسبب لم يكونوا أحزاب على أساس معتقداتهم ابعدوها تماماً عن مشاكل الحياة
المغضوب عليهم
الاية الكريمة تتناول بوضوح هده الفئات حيث قادتهم هم المغضوب عليهم والضاليين هولاء التائهين الدين لايدرون ما يفعلون الدين ينفدون ما يقرره القادة الضالون
لا تلوم العابثين
هؤلاء قوم ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم فلا تلوم من ليس له من شيء يتعلق به سوى خيالات وسراب ولعله يجد في عبثهم مخرج وهو لا يدري أنه بفعلته يزيد الخطا لهاوية ومصير محتوم فانتظر وكما قال القرآن إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا