لم تكن نكسة الخامس من يونيو/ حزيران عام 1967، محطة معتمة عابرة في التاريخ العربي فحسب، كما لم تكن مجرد هزيمة عسكرية للجيوش العربية. فما تبعها من تراجعات كبرى في مشروع النهضة العربية، لا تزال تداعياتها مستمرة حتى يومنا هذا، بما يؤكد بما لا يقبل الجدل ضراوة الهجمة الاستعمارية والصهيونية على أمتنا العربية من جهة، وضعف مقاومة منظومة أفكارنا وهياكلنا السياسية والاجتماعية في مواجهة المشروع الصهيوني من جهة أخرى.
كان هدف العدوان الصريح والمعلن، هو القضاء على المقاومة الفلسطينية للمشروع الغاصب، ولجم فكرة الوحدة العربية، المعبّر عنها في حينه ميدانياً، بمعاهدة الدفاع العربي المشترك، بين سورية ومصر، والتي التحق بها الأردن قبل عدوان حزيران بعدة أيام. وقد اقتضى تحقيق هذا الهدف الصهيوني، كسر إرادة الأمة العربية، بإلحاق الهزيمة بجيوشها، فكان العدوان ترجمة لهدف القضاء على الجيوش العربية، قبل أن يشتد عودها وتكون قادرة على تحرير فلسطين.
ولم يكن التوجه الصهيوني، لضرب وتفكيك الجيوش العربية، وليد لحظة غضب، كما صوّره إعلام كيانه الغاصب، وتصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك ليفي أشكول، الذي هدّد باحتلال دمشق ما لم تتوقف عن دعم عمليات حركة فتح، وجناحها العسكري العاصفة. وتزامن التهديد بالفعل، حين جرى التحشيد العسكري الإسرائيلي على الجبهة السورية، فردت مصر على التهديد الصهيوني لسورية، بعقد معاهدة دفاع عربي مشترك مع دمشق، وإغلاق مضائق تيران، وتحشيد الجيش المصري على طول الجبهة المصرية مع العدو، والتمركز بكثافة في شرم الشيخ، قريباً من مضائق تيران.
لقد بدأت صياغة البرنامج الصهيوني، في ضرب وتفكيك الجيوش العربية، وفقاً لمذكرات رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق موسى شاريت، بعد هزيمة العدوان الثلاثي على مصر مباشرة، ووفقاً لهذه المذكرات، يشير شاريت إلى أن كبار القادة الصهاينة، اتفقوا على أن يشن الكيان الغاصب، حرباً على الجيوش العربية، مرةً في كل عشر سنوات، لعدم تمكين هذه الجيوش من بناء قدراتها الذاتية، والتزود بما تحتاج إليه من تدريب وخبرة وأسلحة ومعدات، وما إلى ذلك من مقتضيات الانتصار في المواجهة العسكرية مع العدو.
وكان ذلك بالدقة هو ما حدث في صراعنا مع العدو، من لحظة تأسيسه، فلم تمر عشر سنوات، من غير مواجهة عسكرية على هذه الجبهة أو تلك.
الغائب كان ولايزال، هو الوعي العربي بخطورة هذا المشروع. لقد كان استهداف المقاومة والوحدة استهدافاً للوجود العربي بأسره. فليس بالإمكان تصور أي مواجهة للمشروع الصهيوني، من غير تعضيد المقاومة، ووضع معاهدة الدفاع العربي المشترك موضع التنفيذ. وقد أكدت نكسة حزيران، استحالة مواجهة العدو الصهيوني، من غير وثبة وعزيمة تتحقق أولاً في النفس، ويكون من نتائجها تغيير شامل في منظومة أفكارنا ومناهج عملنا. ولم يكن تحقيق ذلك ممكناً في ظل الواقع العربي الراهن. فليس من تحول فكري إنساني، إلا وكان نتيجة لتحولات سياسية واجتماعية كبرى، تحدث إما بالتراكم، أو بالتحول النوعي، الذي يأخذ مكانه في معمعان الفواجع والحروب والحرائق. وأيضاً التحولات في منظومة البنيان الاجتماعي. فالأمم لا تعيد قراءة تاريخها وأفكارها على ضوء المتغيرات التي تجري من حولها فقط، ولكن أيضاً على ضوء ما يختمر في أعماق ذاتها من تحولات وتغير فكري واجتماعي.
لقد واصلت الأمة تصديها للمشروع الصهيوني، لكن بذات التقاليد والمناهج، التي زاوجت بين العدمية واستسهال التفريط بالحقوق العربية، فكان أن جرى تحوير متعمد لطبيعة الصراع، من بعده الوجودي والحضاري، إلى صراع على مناطق متنازع عليها.
ومادامت هذه النقلة الباهتة، قد غدت هي الهدف الأعز في المواجهة مع العدو الصهيوني، فإن من الطبيعي أن يلهث كل بلد من بلدان المواجهة العربية على حدة، من أجل التوصل إلى اتفاق يضمن عودة اكتسابه لأراضيه المحتلة. وكان الأمر الأكثر مرارة وقسوة، هو أن تتسلل الفكرة ذاتها لأصحاب الأرض الذين طُردوا من ديارهم، فيستبدلون المراهنة على الوهم بدلاً من رفع رايات تحرير فلسطين، وحق العودة عالياً. ومنذ ذلك التاريخ، صار من المعتاد أن تكون الحقوق العربية، سلعاً رخيصة في أسواق النخاسة.
في ذكرى نكسة حزيران الأليمة، تعيش الأمة هذه الأيام أوضاعاً خطرة لم تشهد لها مثيلاً في تاريخها المعاصر، حيث الهدف هو تفكيك الكيانات الوطنية، واستبدالها بكانتونات الطوائف والأقليات، وتسعير النزعات القبلية، بما يتسق مع الأهداف العدوانية والصهيونية. ورغم أن مشروع تفكيك أقطار الأمة، قد بدأ الإفصاح عنه، ورسمت خرائطه من قبل الدوائر الاستخباراتية الأميركية منذ عدة عقود، فإن الأنظمة العربية، بقيت في سبات طويل، ولم تهيئ للمواجهة المنتظرة مستلزماتها. وفي مقدمة هذه المستلزمات إعلاء شأن المواطنة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والسير قدماً في بناء القوة الذاتية، وبناء التنمية المستقلة، واعتماد سياسات مستقلة، والانتصار لقضية الشعب الفلسطيني المظلوم. والالتزام بالمعاهدات والاتفاقات، ذات العلاقة بالأمن القومي العربي الجماعي والدفاع العربي المشترك.
لقد بدأ تنفيذ مشروع التفكيك باحتلال العراق، واعتماد عملية سياسية، تستند إلى القسمة بين الطوائف والأقليات. وإغراق العراق فيما يقترب من الحرب الأهلية، مع تسعير طائفي مقيت، عمل على التسلل إلى مختلف الخنادق. ولتنتقل مشاريع التفتيت إلى السودان الشقيق.
وخلال الأربع سنوات التي انقضت، جرى العمل حثيثاً، من قبل ذات القوى التي تآمرت طويلاً على الأمة لتفكيك ليبيا وسورية واليمن، والقائمة لاتزال مفتوحة.
لقد خذل الشعب العربي مجدداً، في آماله وتطلعاته، وتغول إرهاب «داعش» في السنوات الأخيرة في عدد لا يستهان به من مراكز النهضة العربية، ليشمل العراق وسورية ولبنان ومصر وليبيا والجزائر واليمن، وليصل مؤخراً بجرائمه، إلى قلب الجزيرة العربية.
في خضم هذه الأحداث المتلاطمة، التي تهدّد وجود الأمة، يبقى التعويل على الوحدة العربية، والالتزام بثوابت الأمة طوق النجاة للخروج من النفق الراهن المظلم، وفتح بوابات الأمل في غد عربي أكثر أماناً وإشراقاً.
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "العدد 4663 - السبت 13 يونيو 2015م الموافق 26 شعبان 1436هـ
صباح الخير .
اصحبنا نعتاد النكسات وإن بكينا اليوم لنكسه مسحنا دُموعنا غداً ...
كفى
نكاست ونكبات تعاقبت على الوطن العربي. .. فلا نكاد نكابد نكبة الا تبعتها نكسه اخرى... فنكابات من خارج الامه العربية . وكثير هي النكبات التي من صنع ايدينا