في جلسة ضمت مجموعة من المثقفين طرح أحدهم سؤالا غريبا لا يمر على البال إلا فيما ندر قال في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة وخصوصا بعد الاحتلال الأميركي للعراق والتهديدات الأميركية لدول «الشرق الأوسط» وتكرار الحديث عن رغبة الأميركان بالمشاركة مع الشعوب وحديث عدد من الحكومات الخليجية التي بدأت محاولات خجولة في الانفتاح والتصحيح على أرض الواقع والبعض منها يتحدث عن الرغبة في الإصلاحات خلال المرحلة المقبلة وظهور شواهد على إعطاء المجال أمام القوى الليبرالية للمناقشة والحوار. وسط هذه الأجواء ووسط تحرك عدد من شعوب الخليج ورفع الأصوات التي كانت مخنوقة في السابق. جاء السؤال مهما للغاية هو... ما هو الأخطر على الأنظمة الخليجية هل الرغبة الأميركية في التغيير أم التحرك الليبرالي فيها أو تجذر الحركات الدينية أو الخلاف الذي بدأ يظهر على السطح بين العناصر الإصلاحية والتقليدية في القوى الحاكمة؟
ما لفت نظري أن الغالبية ركزت على السؤال الأخير فقد رأت أن جدية الولايات المتحدة ربما يكون مشكوكا فيها والتحرك الليبرالي أيضا لا يصل إلى درجة الطموح في التغيير الجذري والحركات الإسلامية على رغم تجذرها بدأت تتقلص في أعقاب قيام بعض الأنظمة بمحاصرتها بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، لكن الأخطر أصبح في نظرهم على الحكومات الخليجية هو الخلاف الذي بدأ يظهر بين الإصلاحيين من جيل الشباب والتقليديين الذين هم أقرب إلى العقلية البدوية التي ترى أن شيخ القبيلة هو الحاكم الشامل على كل افرادها من دون مشاركة في القرار.
ولأن جيل الإصلاحيين أدركوا من خلال ثقافتهم الجديدة ووعيهم لما يجري حولهم دوليا وإقليميا أن استمرارية حكمهم وبقائهم تعتمد على الدخول في عملية الإصلاحات من دون تأجيل وإن إيقاف عملية حلب المال العام والتوقف عن مزيد من الإثراء هو الحل الأمثل، فهو يهدئ ويُفتّر الموقف الساخن ويضع حدا لحديث المشاركة الأميركية ويعيد الأمل لليبراليين في أنه يمكن تحسين أوضاع الناس من دون التوجه للتغيير الجذري. وعلى رغم أن البعض يرى أن الخلاف مجرد سيناريو يتبادل الأدوار فيه، لكن غالبية المشاركين في الحوار وجدت في الخلاف عناصر حقيقية وجدية... ترى من سينتصر في النهاية الإصلاحيون أم المتشبثون بنظرية شيخ القبيلة وحكمها الشمولي؟
العدد 466 - الإثنين 15 ديسمبر 2003م الموافق 20 شوال 1424هـ