العدد 4656 - السبت 06 يونيو 2015م الموافق 19 شعبان 1436هـ

متى سنقبل بثقافة الاختلاف؟

مريم الشروقي maryam.alsherooqi [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

أرسل لي أحد الأخوة مقالاً للكاتب محمّد الحسين، بعنوان «الصفّ المقسوم»، وبدأت قراءته باهتمام شديد عن الصفّ المقسوم، وكانت القصّة مغايرةً تماماً لما كنتُ أتوقّعه، وبالطبع قصّة تاريخية حدثت في الستّينيات من القرن الماضي، ووقعت أحداثها بالضّبط بعد اغتيال مارتن لوثركنغ في العام 1968، وهو رمز مكافحة العنصرية في الولايات المتّحدة الأميركية، وبعد اغتياله نال شهرةً دوليةً في مكافحة العنصرية.

المقال تناول هذه القصّة المؤثّرة: خشيت معلمة الصف الثالث جين إليوت أن يكبر طلابها فيصابوا بداء العنصرية بعد اغتيال لوثركنغ، خصوصاً أن جميع سكان البلدة كانوا من البِيض، وأن الطلاب الصغار لم يروا في حياتهم أناساً من أعراق أخرى ليعيشوا معهم التعددية العرقية. ولكي تنجح في مهمتها، قامت المعلمة بعمل خطير وغريب، عمل لم يلقن طلابها الدرس المطلوب فحسب، بل جعل منها رمزاً في تاريخ مكافحة العنصرية في أميركا. لقد قررت إليوت أن تمارس العنصرية بنفسها!

قسّمت إليوت طلابها إلى قسمين بحسب لون أعينهم: ذوي العيون الزرقاء، وذوي العيون البنية. لنسمّهم مجازاً «الزرق» و«البنّيون». ثم حاولت أن تقنع الطلاب بأن «الزرق» أفضل من «البنّيين»، فهم أذكى ولا يسببون المشاكل! وراحت تثبت نظريتها مستشهدة بأمثلة مستفزة من قبيل «انظروا إلى بروس البنّي كيف نسي واجبه، وسوزان الزرقاء لم تنسَ واجبها. ذوو العيون الزرقاء أفضل».

ثم زادت بأن قالت لهم إن الزرق سيحصلون على فسحة أطول، ومن حقهم أن يلعبوا بألعاب ساحة المدرسة. أما البنّيون، فليس لهم أي من ذلك. ثم طلبت من ذوي العيون البنّية أن يلبسوا طوقاً قماشياً حول رقابهم كدلالة على دناءة شأنهم وضعف ذكائهم. وقالت لطلابها أن التفرقة بين البنيّين والزرق ستستمر طوال ذلك اليوم. وخلال ذلك اليوم الدراسي، حصلت أمور في غاية الغرابة! فبينما شعر الزرق بالغبطة والمعاملة المميزة وأنهم أفضل وأذكى، انهارت معنويات البنيّين وشعروا بظلم وغبن كبيرين. فالزرق مثلاً، أتموا نشاطاً دراسياً جماعياً في مدة أقصر بكثير مما احتاجه البنّيون المقهورون.

وخلال الفسحة، تشاجر طالب بنّي مع آخر أزرق لأنه سخر منه ونعته بالـ «بنّي». تقول إليوت «رأيت كيف تحول طلابٌ رائعون متعاونون أذكياء إلى متعصبين بذيئين أشرار في ظرف 15 دقيقة». وهكذا، عاش الطلاب جميعاً يوماً غريباً جداً، كان فيه الزرق ملوكاً، والبنيون عبيداً مستضعفين.

في اليوم التالي قالت إليوت لطلابها أنها كانت على خطأ، وأن البنيين هم في الحقيقة الأفضل والأذكى، وأن الزرق هم أقل شأناً وذكاءً وعليهم أن يرتدوا اليوم أطواق المهانة والذل. وحصل العكس تماماً، إذ شعر البنيون بالعلو وكانوا أسرع بكثير في إتمام النشاط الدراسي ذاته الذي أنجزوه ببطء بالأمس! أما الزرق فشعروا بمرارة التفرقة وأثّر ذلك كثيراً على حماسهم للدراسة وأدائهم في الفصل. في ختام اليوم الثاني، شرحت إليوت لطلابها المغزى مما عملته وأن غرضها كان أن يعرفوا ما يشعر به مَن تُمارَس ضده التفرقة ويتعرض للنظرة الدونية طوال حياته. كان الدرس بليغاً وناجحاً.

في الواقع تجاوز نجاح هذه التجربة غرفة الصف الثالث، وانتشر صيت إليوت التي كررت تجربتها لاحقاً في مئات المدارس، وتحوّلت مع الوقت إلى ناشطة في مجال التعايش ومكافحة التفرقة، وصُوِّرت تجربتها في برنامج وثائقي بعنوان «الصف المقسوم»، وفاز بجائزة «إيمي» الشهيرة، واستضيفت في برنامج «أوبرا» المعروف خمس مرات.

وبعد هذه القصة، نتساءل: متى سنقبل بثقافة الاختلاف؟ وما هي ثقافة الاختلاف التي نتكلّم عنها؟ وهل سنعاني الأمرّين في المستقبل من جرّاء عدم فهم هذه الثقافة؟ ثقافة الاختلاف هو القبول بالآخر أيّاً كان شكله أو لونه أو عرقه أو مذهبه، وعدم المفاضلة والمحاصصة لهذه الأسباب، فالأبيض والأسود والسنّي والشيعي جميعهم في بوتقة واحدة اسمها الدولة، فالمواطن الشيعي هو ابن البحرين كما هو المواطن السنّي. لا اختلاف ولا عنصرية في المعاملة والعمل والحقوق والواجبات، فجميعنا أبناء البحرين مهما اختلفت ثقافاتنا.

إنّنا سنعاني الكثير مستقبلاً إن لم نقبل بثقافة الاختلاف والتعايش مع الآخر، وإن لم نُبعد الاختلاف جانباً، ونركّز على الهويّة البحرينية، فنحن في النهاية نحمل الجواز ذاته والعادات والتقاليد نفسها، ولا نختلف في الشكل أو اللون، وما يجعلنا نختلف هي مذاهبنا التي لم نخترها بل ورثناها بعد الولادة والتنشئة الاجتماعية، ولا نقبل أن يكون هذا مدعاةً للتفرقة والبعد والتقسيم، بل إنّ الاختلاف هو ما ميّز البحرين سنين طويلة، ولا نريد هدم ما صنعه الأجداد والآباء من وحدة ولحمة وطنية.

وصدّقونا لن نكون بخير إن لم نقبل بثقافة الاختلاف، فالتاريخ علّمنا بأنّ أوروبا أزالت الحدود بينها، والولايات المتّحدة أبعدت الاختلاف وركّزت على نظام التعاقد، أي لا أحد أفضل من أحد إلاّ بما يقوم به من أجل وطنه، وغيرها من الأوطان التي عزّزت ثقافة الاختلاف ونشرتها بين المواطنين. فهل نستطيع تقبّل الجميع في هذا الوطن كما كنّا سابقاً، إذ يكفينا 4 سنوات من المطاحنة والطأفنة والتقسيم، وآن لنا رؤية مشهد جديد يحوي ثقافة الاختلاف.

إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"

العدد 4656 - السبت 06 يونيو 2015م الموافق 19 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 25 | 10:18 ص

      كلام في الصميم

      صح الله لسانك اخت مريم وكلامش في محله والله يبارك فيش وفي امثالش

    • زائر 24 | 11:27 ص

      لو كانت عندنا

      لو كانت هذه المعلمة في مدارسنا لتم تحويلها في نهاية دوام اليوم الاول إلى النيابة وسجنها مدى الحياة لتعارض المقررات الدراسية مع ما قامت به

    • زائر 22 | 8:00 ص

      سمعتين بهذا المثل

      الين حجت البقر على قرونها هشكل صاير الوضع الاويه مو لأنه حجي مكي مو عاجبنه جوهر و لا لانه مدوون مو عاجبتنها موزة لا لأن في عندنه اوادم يعتاشون من ورا الأختلاف يهمهم انه يشغلون الناس ببعضهم البعض علشان يستفيدون من ورا الفتن وعلى قولتهم فخار يكسر بعضه و اهم شي يطلعون بها بالغنايم هذا مسؤول و هذا استباح و هذا حصل و هذا استولى و يطلعون لج تالي النهار نشجب ونستنكر و ندين و بالليل يبتدي مسلسل التكفير والتضليل

    • زائر 23 زائر 22 | 8:57 ص

      الفرقة

      أنا .....واعتقد ان..............همها علفها و.......... هم المتفوقون في الدراسة وحتى في الكورة علي الرغم من ان المنتخب ماحقق شي لحد اليوم لكن الفترة اللي طفر فيها المستوى الفني كانت فترة مابعد الميثاق وهي الفترة التي سمح للمدربين باختيار اللاعبين على أساس فني على حسب الكفاءة وليس مذهبي لذلك كان اكثر من نصف الفريق .......... وكان يلعب بروح عالية تحسده عليها الفرق الاخرى

    • زائر 20 | 5:43 ص

      وقفة

      من يقول ان المذهب حالة اجتماعية وراثية يجب ان يراجع عقيدته لأنها ناقصة ايا كان مذهبه.
      وبخصوص اوروبا
      لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ غڑ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ غڑ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىظ° غڑ ذَظ°لِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ
      الحشر 14

    • زائر 19 | 5:18 ص

      ثقافة الاختلاف بين الامس واليوم

      ثقافة الاختلاف كانت موجوده الي حدٍما ايام الاستعمار واواخر الستينات الي ان جاءت اموال النفط وعملت عمايلها وذلك بإحآء من الدول المستعمره التي سحبت جيوشها ووفرت التكاليف العسكريه واخدت تشعل الفتن بين الكل اما بتداخل الحدود او العرقيات والاديان والمذاهب,الان مصر وليبيا وتونس و الجزائر وسوريا واليمن وكلهم من مذهم واحد وربما تاتى هذه المشاكل لدول الخليج بصوره او اخرى المراد هو التقسيم حتى المسيحيين لم يحميهم الغرب لان اهدافهم التقسيم هذا معروف لكن لاحياة لمن تنادي

    • زائر 18 | 4:47 ص

      عيسى

      عيسى بدينه وموسى بدينه وعشنا سنين على هذا النمط من العيش الكريم وبصراحه البحارنه والشيعه عامه لايتعدون على اخوانهم السنه اما.............

    • زائر 17 | 4:25 ص

      أكسروا الأقلام السوداء اولا

      نحن كشعب بحريني نسمع السباب والشتم فينا في صحف رسمية واعلام رسمي فإن استطعتم ان تكسروا هذه الاقلام البغيضة سوف نستطيع التعايش والا فالحال من هذا الى اردى

    • زائر 16 | 3:58 ص

      بيض الله وجهش

      هاده الموضوع واجد مهم يعن لازم يعرف الناس يتعايشون كل واحد بدينه ومذهبه مو اجى واحد اقوول وهدد لازم تدخل دينى ومذهبى لو اسفك دمك فهمتون يا .............كل واحد فى دينه واتركوا عنكم تكفير الناس واقرؤا هاده الموضوع لكى الله يهديكم ويبعد عنكم الاحقاد على اخوانكم الشيعة والله يحفض الجميع ويهديهم على السراط المستقيم ويتركون عنهم الشيطان

    • زائر 15 | 3:39 ص

      يا مريم

      مشكلتنا عنصريه دينيه
      الاول تصله من ايران انه في الجنه
      و الاخر يصله من السعودية في الجنة
      الاول يسمع في الحسينيات انه افضل لانه شيعي فقط
      و الثاني يسمع في المساجد انه افضل لانه سني فقط
      بدون الدخول في تفاصيل التكفير.. ما ذكرته سابقا كافي لزرع الفرقه و لن نشفى منه طالما هكذا فكر بيننا

    • زائر 14 | 3:03 ص

      زرع بذرة التفرقة والفتنة لا يقتصر شرّها على جيل واحد فهي شجرة كلما اثمرت جاء الحصاد

      هي شجرة ومن يقوم بزراعتها وتنشئتها لن يكون وزره وإثمه مقتصرا على وقت انشائها بل كل ما آتت ثمرها الحنظل سيكون من نصيب من أنشأها نصيبا من هذه الشرور. وسيقدم يوم الحساب وفي جعبته آثام وجرائم كبيرة هو لا يعرفها فمن اقترفها غيره ولكنها تنسب له.
      هذا الكلام ربما يسخر منه البعض ولكنه هو الواقع ويوم نقف على السراط سنجد هذه الاعمال حاضرة صوت وصورة( ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا)

    • زائر 13 | 2:14 ص

      كلامك صحيح ولكن

      استاذة مريم انت انسانة نقية من الداخل لذلك دعواتك دائما للوحدة والتضامن والألفة والخير ولا تنتظرين اي مكاسب ولكن هناك كاتبات وكتاب عبر اقلامهم السوداء يدعون الى عكس ذلك من اجل نشر ثقافة فرق تسد وهم معروفات ومعروفين وذلك من اجل المكسب فشتان بينك وبينهم

    • زائر 12 | 2:11 ص

      ماذا فعل بنا التجنيس غير القانوني

      الله يرحم ايام زمان ايام الطيبين كنا على قلب واحد لين ما دشو بينا السوس و نشروا سمومهم الطائفية بينا ابتداءا من مواقع التواصل الاجتماعي الى منابر المساجد و للاسف اخوانا سنة كانو اكثر تاثر فيهم

    • زائر 11 | 2:07 ص

      متى سنقبل بثقافة الاختلاف هل بالكلام أو الممارسة

      إذا لم نقبل الآخر ولم نثق فيه ونؤسس جمعيات علانية لا تقبل بالآخر فهل يصدق بعد ذالك كلامنا أي عذر يستقيم بعد هذا الفعل والغريب نتهم الآخرين بما نمارسه وباصرار ولا نقبل حتى من يقول لنا بمراجعة استراجيتنا

    • زائر 10 | 1:55 ص

      هذا الشعب يؤمن بثقافة الاختلاف

      شعب البحرين امن ويؤمن بثقافة الاختلاف وما يحصل الان هو ان الدولة لم تقف بمسافة واحدة من ابناء الوطن .وهى من يعمل على خلق ثقافة التفرقة والطافنه لغاية فى نفس يعقوب وانت خير من بعرف .واذا تغيرت سياسة الدولة ستختفى الطائفية وتحل مكانها المواطنة.

    • زائر 9 | 1:30 ص

      عمان سلطانها طيب

      عرفتون السبب.

    • زائر 8 | 1:15 ص

      عمان دولة قريبة منا وخليجية

      عرفتون السبب ولاإعلام ينعق صفويون مشركون روافض أبناء متعة ولاخطيب في سوق المقاصيص يدعوا على طائفة بالهلاك وإنغول وروافض

    • زائر 4 | 11:44 م

      متى سنقبل بثقافة الاختلاف؟

      سنقبل بثقافة الاختلاف عندما نقبل أنشاء ملاعب كريكت فى البحرين بعشرة ملايين دولار!! .. :)

    • زائر 5 زائر 4 | 12:35 ص

      يشقى بنوها و النعيم لغيرهم

      الاهداف وزاء إنشاء الملاعب ابعد بكثير من هذه العناوين و هي مشاريع سياسية و اثمان لادوار غير نظيفة

    • زائر 3 | 11:12 م

      اذان

      يا اختي العزيزه تأذينين في خرابه مع هؤلاء الصم البكم العمي ومن 1400سنه والقرآن الكريم في سوره المباركه يدعوا الناس للمحبه والتقارب وهم مشغولون في مشروعهم الهدام والذي يطابق مع مشروع اعداء الاسلام والا القتل والدمار والنهب والاغتصاب اليس هذا ما جاء به الاستعمار

    • زائر 2 | 10:39 م

      زائر

      نعم المقال شكرًا لك ولكن مازالت هناك نفوس لا يروق لها ان نعيش نأكل ونشرب ونتنفس جميعا من خيرات هذه الارض الطيبه التى احتظنت الجميع استطاعت وللأسف الشديد ان تمزق وحدتنا وان تجعل كل منا يخاف ويحذر من الاخر
      نسئل الله ان بعيد اللحمه الى سابق عهدها وان يعم الأمن والامان بحريننا الغاليه

    • زائر 1 | 10:32 م

      لا فرق بين عربي او أعجمي إلا بالتقوى

      مشكلتنا اننا ابتعدنا عن الصراط المستقيم بسبب جهل من نصبوا أنفسهم اسياد على العباد.
      الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام هو سيد الخلق وأكرمهم، ولم يفرق يوما بين سلمان الفارسي وبلال الحبشي وبين باقي القرشيين؛ وكان يقول ان سيد القوم خادمهم.
      الاستاذة مريم: التعايش مبتغى بنو البشر عامة، وحصره في ألوان او مذاهب او حملة جواز معين يعتبر تفرقة في حد ذاته. الانسان مكرم عن باقي المخلوقات بالعقل، ولكن لا تكريم لبنى البشر على بعضهم البعض الا بالتقوى.

    • زائر 21 زائر 1 | 6:53 ص

      تقولين.. متى؟!

      حتى يبيض ريش الغراب....

اقرأ ايضاً