انتشر قبل أسابيع شريط فيديو بصورة واسعة داخل البحرين وخارجها، وكان الحديث الأبرز الذي يتداوله الناس في الأسواق والمجالس الاجتماعية والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، وكان أغلبهم يتحدثون بامتعاض واستغراب شديدين عن خطيب جمعة كان يخطب في مسجد يحمل اسم عائلة مقدرة ومحترمة عند جميع مكونات المجتمع البحريني، فكفّر طائفةً عريقةً في إسلامها وعروبتها ووطنيتها وأخلاقياتها في البلاد التي تمتد جذورها العربية والإسلامية إلى أعماق تاريخ وإسلام وعروبة هذا البلد الطيب.

وكان الخطيب المذكور يحرّض عليها ويتحدث عنها على المنبر الديني ببغض وكراهية فاقت كل التصورات، من دون حياء من الله الذي قال في محكم كتابه المجيد: «يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون» (آل عمران، الآية 102)، وقال تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون» (آل عمران، الآية 103)، «ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً» (الإسراء، 36)، ولا حياءً من رسوله المصطفى (ص)، ولم يراقب الله تعالى في نعته لهذه الطائفة الإسلامية بنعوت ما أنزل الله بها من سلطان، وتغافل عن قول الله تعالى «يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور» (غافر، الآية19)، وقد نعتهم بالكفار تارةً، وبالمنافقين تارة ثانية، وبالطابور الخامس تارةً ثالثة، وبالمجوس تارةً رابعة، واليهود تارةً خامسة، على مسمع ومرأى وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، التي لم تحرك ساكناً ولم تتخذ أي إجراءات قانونية تجاه هذا النهج الغريب على البلاد وتقاليدها وأخلاقها.

قد تقول إن السبب الذي جعلها لم تتخذ أية إجراءات ضد خطيب السب والشتائم والحقد والكراهية، لأنها لم تتلق الجهات المعنية بهذا الشأن من أي أحد من المواطنين شكوى ضد الخطيب المعني، فهي لا تستطيع محاسبته أو مساءلته من دون أن تتلقى شكوى ضده، أليست دعواته المخالفة للقانون وللإسلام الحنيف ولنهج رسول الله (ص) خطيرة على البلد؟ ألم يكن كلامه يمس عقيدة وأمن وسلامة نسبة كبيرة من المواطنين؟ وكيف يسمح له أن يستخدم مصطلحات مذهبية خطيرة بهذه البساطة على طائفة كبيرة على المنبر الديني من دون مساءلة؟ هل يعلم الخطيب معنى الطابور الخامس؟ أم أنه استخدمه من دون أن يفقه معنى هذا المصطلح السياسي؟

من لديه ثقافة بسيطة يعلم أن تعبير الطابور الخامس أول ما نشأ أثناء الحرب الأهلية الإسبانية التي نشبت العام 1936 واستمرت ثلاث سنوات، وأول من أطلق هذا التعبير هو الجنرال الإسباني كويبو ديللانو، وبعد هذا الوصف الذي أطلقه الجنرال الإسباني أصبح استعمال كلمة الطابور الخامس شائعاً، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية اتسع معنى كلمة الطابور الخامس ليشمل أيضاً مروجي الإشاعات ومنظمي الحروب النفسية التي انتشرت في الحرب الباردة التي نشأت بين المعسكرين الشرقي والغربي. فهل كان يقصد هذا المعنى الخطير، أم أنه سمع هذا المصطلح وردده على أسماع الناس من دون أن يعلم أصله وفصله؟

نقول علم أم لم يعلم بأصل وفصل هذا المصطلح، فإن ذلك لا ينفي عنه أنه ينشر إشاعات خطيرة، ويروّج لنهج طائفي بغيض في البلد، لا يمكن لأي بلد في العالم يحترم معتقدات مواطنيها، ويحرص على أمنهم وسلامتهم القبول بمثل خزعبلات وتدليس وإسقاطات الخطيب النفسية الخطيرة، لأن السكوت عن هذه المسألة يجعل غيره يتطاول أكثر منه على طائفة كبرى في البلد. ويأمل الناس أن لا تتعامل وزارة العدل مع مثل هذه القضايا التي تثير الفتن المذهبية بين المواطنين، وكأنها قضية خلاف بين شخصين من الناس، وأن أثرها لا يتعداهما.

لابد أن تنظر الجهات القانوينة للمسألة بجد، وأنها قضية تضر بمصلحة البلاد، فالناس لا يريدون غير تحكيم القانون وليس غير القانون، ووزارة العدل والشئون الإسلامية تعلم أكثر من كل جهة أخرى، خطورة الافتراءات التي أطلقها الخطيب على منبر الجمعة، وتعلم أن ترهاته وأباطيله وأراجيفه تخالف أبسط الأسس الإسلامية. أفلا تعلم أن خطابه قد يهدّد أمن وسلامة طائفة كبيرة في البلاد؟

نسأل الله أن يبعد عن البحرين شر الفتن وطوارق الليل والنهار، وأن يحفظها وأهلها بعينه التي لا تنام من كل سوء وكيد.