اثنان لا ينتهيان ولهما امتداد يبعث على التأمل: البحر والأسماء. كأن الأسماء بحر. كأن البحر أسماء للسفر والمجهول والتعدد والتنوع فيه.
في الأسماء سعود ونحوس. فيها مفاتيح ومصادر جذب للعلاقات. ثمة أسماء تفتح طاقات وأخرى تغلقها. أسماء فرضت علينا منذ أن وعينا على العالم، تماماً كالمصائر التي لا خيار لنا فيها، تظل أسماؤنا شكلاً من أشكال المصائر تلك، لا خيار لنا في حملها ونحن تحت الوصاية. نأتي إلى العالم بضعفنا ونحن رهن للوصاية بالطبيعة. كأن بعض أسمائنا الحضور. كأن بعضها الغياب، أو بعضه. كأنها الدليل علينا، وكأنها النفي في أوقات.
تعيسٌ هو من يتبرّم من اسمه. كأنه غريب في اسمه. كأن اسمه غريب. وكأنه في أمكنة وأزمنة غريبة أيضاً.
لغربة الأسماء حكاية الانسجام. الأهم بعدها وقبلها. تفقد انسجامك مع اسمك، تفقد معه انسجامك مع المحيط. أو على الأقل، تعيش إرباكاً وصلفاً في التعامل معك. لأن اسمك أنت. وليس بالضرورة أن تكون أنت اسمك.
وكثيراً ما تستوطن اسمك. كأنه وطنك المتحرك الذي تسعى به بين الناس، وهو كذلك. كأنك في القليل من الائتلاف معه تحيا غربتك وضد رغبتك.
أيتها الأسماء، ماذا جنينا في الحياة كي نتحمّل هذا البؤس الذي يحاصرنا بسببك؟ أيتها الأسماء ما الذي أنجزناه كي نحقق فتح الأبواب المغلقة على الرغم من أننا لم نحقق المعجزات ولم نأت بما لم تأت به الأوائل؟
عرضة للصدمات هم أولئك الذين جنى عليهم آباؤهم بسوء اختيار أسمائهم. اسمك وجهك الآخر. بطاقة تعريف بك. إذا ناقضته سئمت وسئم من حولك، وإذا طابقته أرحت واسترحت.
لكل زمن أسماؤه. لكل مكان أسماؤه، ولكل جماعة أسماؤها. الغفلة أو عدم إدراك تلك العلاقة بين الزمن والمكان، غياب سينتج أذى وضغوطاً. في اختيار العرب قديماً. في جاهليتهم لأسماء مواليدهم مغزى وتطابق مع واقعهم حيث الحروب والغزوات، في محاولة للتهويل على أعدائهم، فكانوا يميلون إلى أسماء الوحوش. ولا ضير في ذلك حتى اليوم، تبعاً للبيئة التي ارتضت ما يعبر عنها في تحفز وقلق واضطراب. تمدّن الإنسان ومالت أسماء بشره إلى ما يعبّر عن التمدن نفسه، مع احتفاظ بعض بأسماء لها ذاكرتها وفعلها والنموذج الذي تمثله.
ولكل زمن ظروفه في التعامل مع الأسماء. لكل مكان ظروفه أيضاً. الأمكنة تحدّد انفتاحها وارتياحها للأسماء أو تبرمها وانزعاجها ورفضها لها. الوقت هو الآخر له أجهزة تحسّسه من الأسماء. لسنا في أمكنة وأزمنة مطلقة في التعامل مع البشر كبشر قبل التعامل مع أسمائهم. هناك أمكنة تحدّد درجات ومؤشرات ارتياحها من خلال الأسماء لا البشر الذين يحملونها، وهناك أزمنة على المسار والإجراء نفسه.
نحن في أزمنة وأمكنة تراعي الأسماء أكثر من مراعاتها - ربما - لنبل حامليها. وتلك مأساة. والمأساة الأكبر ربما يتحمل مسئوليتها والوزر من لم يراعوا ويتأنوا في الاختيار، تاركين أبناءهم ربما ضحايا تمييز أو ضيق أفق أو فرصة لتهكم وسخرية، ولن ينقطع تساؤل مر من جراء ذلك: أيتها الأسماء ماذا جنينا؟
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4634 - الجمعة 15 مايو 2015م الموافق 26 رجب 1436هـ