المتتبع إلى الحلول الناجعة عبر تاريخ البشرية منذ خلق الله الأرض ومن عليها، أنه عند نشوب خلافات بين البشر يرى أن جلوس الأطراف المختلفة معاً، وتحديد مواطن الاختلاف بدقة والبحث عن الحلول لمعالجتها، بحيث لا تكون فئة رابحة وأخرى خاسرة، وهو السبيل الأمثل للمّ الشمل ونزع فتيل الفتنة بين الأطراف المتنازعة، وخلق واقع تعايشي إنساني يحفظ لجميع الأطراف حقوقها، بشرط أن لا يكون هناك في المحصلة ووفق لمعايير إنسانية راقية، لا غالب ولا مغلوب؛ بل الجميع رابحٌ في هذه العملية التصالحية.
وتَتعاظم أهمية الحوار والخروج بحلول توافقية مبنية على أسس إنسانية إذا كان الفرقاء هم أبناء وطن واحد ويجمعهم مصير مشترك، حيث لا يمكن أن يستمر الواقع الأليم إلى ما لا نهاية إذا ما كانت إحدى كفتي الميزان مائلة لطرف على حساب الطرف الآخر. فهذا في حد ذاته مدعاة للاختلال في ميزان العدالة الاجتماعية التي تعد العمود الفقري لاستقرار الأوطان.
وقد شهد التاريخ بعض الإستثناءات والشذوذ عن هذه القاعدة، حيث أنه في الحروب الطاحنة بين الدول عادةً ما يفرض المنتصرون عسكرياً شروطهم المجحفة، لأنهم في موقع القوة من الناحية العسكرية. ولكن هذه الشروط المجحفة حتى ولو بدا بأنها صمدت لبعض الوقت بفعل عامل القهر وفرض العقوبات المختلفة المباشرة وغير المباشرة، والتي تؤسس لواقع اضطهادي لشريحة من البشر، إلا أنها في حقيقة الأمر تؤسّس إلى واقع مضطرب، وإلى حروب مبطنة وواقع مرير يدفع ثمنه الجميع، وإن بدت الأمور مستقرة ظاهرياً. ولكن هذا الواقع المزيّف تحته براكين خامدة قد تنفجر في أي وقت، وعليه لا يكون هناك ضمان للاستقرار أو التنمية الحقيقية، ومرد ذلك بكل بساطةٍ إلى أنها لم تبن على قواعد وأسس سلمية.
ووطننا الغالي يعاني ومنذ عقود من داء التهميش لشريحة كبيرة من أبنائه، ولو تم تغليف كل ذلك بمختلف مساحيق التجميل التي ينكشف زيفها عند أي اختبار بسيط، كما يعرفه القاصي قبل الداني. وعليه فلا سبيل للاستقرار الحقيقي وحصانة المجتمع، الذي هو مطلب كل غيور على هذا الوطن، من دون تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع، وإرساء قواعدها من خلال التطبيق الفعلي لمبادئها على أرض الواقع، وليس من خلال القوانين والنصوص الدستورية الجوفاء التي عادةً ما تُولد ميّتةً حتى قبل أن تطبع. فالمواطن يريد أن يرى تغييراً في اتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية لكل أفراد المجتمع، وفق نظام ديمقراطي حقيقي جوهره العدالة والشفافية والمحاسبة والمساواة، ليرتقي بالوطن إلى فضاء رحب يتسع لجميع فئات المجتمع دون استثناء.
كل الشواهد تدلّل على أن الحراك الشعبي لم يأت من فراغ، ولم يكن بأي شكل من الأشكال نوعاً من أنواع الترف، بل كان له مطالب وحقوق مشروعة وواضحة. وهو يعبّر في حقيقته عن كبت وغبن لحق بفئةٍ كبيرةٍ مهمّشة من أبناء هذا الوطن الحبيب. فالداء مشخّصٌ والدواء كذلك مفصّل ومجرّب في الكثير من بقاع المعمورة. وكل ذلك قد فُصّل في وثيقة المنامة، التي رسمت خارطة طريق تتسق تماماً مع المبادئ والأسس التي طرحها سمو ولي العهد في يوم الأحد (13 مارس/ آذار 2011) ونشرتها وسائل الإعلام المختلفة، ومن ضمنها صحيفة «الوسط» في العدد 3111 (الإثنين 14 مارس 2011)، وأقتبس كلام سموه: «إننا قد قمنا بما يمليه علينا الواجب وما زلنا في تواصل مع من يرغب في الحوار مع جميع القوى الفاعلة في المجتمع البحريني بحيث يفتح الباب لعرض كافة القضايا الدستورية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد بيّنا موافقتنا على ما تم طرحه للحوار من مبادئ. ومن ضمنها: مجلس نواب كامل الصلاحيات، حكومة تمثل إرادة الشعب، دوائر انتخابية عادلة، التجنيس، محاربة الفساد المالي والإداري، أملاك الدولة، معالجة الإحتقان الطائفي... وغير ذلك من مبادئ ومحاور للحوار الوطني».
فالرجوع إلى الأسس المشتركة لمبادئ الحوار الجدي والمثمر والتي ذكرها سمو ولي العهد وبنيت عليها وثيقة المنامة، لهو لعمري المخرج الحقيقي لانتشال الوطن من عثرته، حتى يسير في ركب التطور في مختلف أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية... إلخ. فوطننا الغالي، الذي هو أمانة في أعناق الجميع، ينزف ولا يمكن أن يوقف هذا النزيف إلا من خلال الحلول التوافقية والمبنية على أسس وقيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة، وهذا كله بيد من يملكون عقد الحل والربط.
فليربح الوطن، وهذا الربح، الذي ينشده كل مخلص ووفي لتراب هذه الأرض، من المؤكد إذا ما بُني على أسس وقواعد متينة تأخذ في جوهرها مصلحة الجميع، فسوف يشمل بخيره جميع الأطراف بدون استثناء.
إقرأ أيضا لـ "محمد عباس علي"العدد 4632 - الأربعاء 13 مايو 2015م الموافق 24 رجب 1436هـ
كلام صحيح
سلمت الأيدي يا دكتور ، مقال أصاب كبد الحقيقة و وضع يدة على الجرح ، مقال وطني بامتياز وفقك الله لكل خير
المصالحة الوطنية هي مبتغى الشعب كله
بس مع الأسف الغالبية مختطف من رموز هذه الجمعيات الدينية وهذه الرموز لا تستطيع أن تجتمع مع بعض والسلطة مرتاحة عال العال والديكور البرلمان موجود وهدر المال العام على حساب كل الشعب ليس مهم المسءلة ليس بهذه البساطة ياريت والغريب الكل عارف معوقات عدم المصالحة
العدالة الاجتماعية مطلب الجميع وجميع الأطياف هذا مبتغاها ولا أحد يشك
في نوايا أهل البحرين الطيبين بس عامل الخوف وتدخل الصراع الطائفي في المنطقة أصبح هو الضاغط على المكونات وتزعزع الثقة ومحرف البوصلة وهذا لم يأتي من فراغ منذ 79 وما أعقبها من حوادث فعلي الجميع غذر الآخر وابتداء المصالحة الوطنية وإبعاد المعتقد عن الساحة بالكامل وعند إذن تحل انشاء الله المشاكل ويتكاتف الشعب و المكونات
مقال شخص الداء ووصف الدواء
هذا المقال أصاب كبد الحقيقة حيث شخص الداء ووصف الدواء وهو وطني بامتياز
وضع جرح على الجرح وهو يقم الحل من أجل أن يربح الوطن باسره
ومن قال لك انهم يريدون للمواطن ان يربح شيئا في وطنه؟
لو كانوا يرون لهذا المواطن بنظرة احترام وتقدير وان له الكرامة وله الحق في المشاركة في صنع القرار في البلد لما وصل حالنا الى ما وصلنا اليه