العدد 463 - الجمعة 12 ديسمبر 2003م الموافق 17 شوال 1424هـ

الجدار أولا ثم شارون وموفاز وغيرهما

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

قبل الحرب على العراق، وبعد الحرب، بدأت الأجواء السياسية الدولية تدخل في هزات وتقلبات. وكانت حرب العراق هزيمة كبيرة لنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين وكذلك لهيئة الأمم المتحدة والمعاهدات والقوانين الدولية وكذلك حقوق الإنسان. ولكن العالم مازال بحاجة ماسة إلى الأمم المتحدة لأن التمسك بها وبشرعيتها هما الرد الحقيقي على خطط الصقور في إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الذين استغلوا هجوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام 2001 للبدء بتنفيذ سياسة أميركية للهيمنة على العالم. وليست عودة روسيا - وخصوصا في ظل الرئيس الحالي فلاديمير بوتين - لتصبح قوة عظمى منافسة لأميركا أو تحول الصين أو الهند أو باكستان إلى قوى عظمى، هو الرد الحقيقي على سياسة الهيمنة الأميركية التي تظهر بأوضح صورها من خلال احتلال بلد مثل العراق وانتهاك سيادته وحريته وحرمان شعبه من تقرير مصيره بنفسه.

وقعت حرب العراق لأن الأمم المتحدة كانت ضعيفة، ومازالت على ضعفها. ولكن وقوع حرب العراق أيقظت النائمين خصوصا في أوروبا، إذ راح المسئولون في عواصم الاتحاد الأوروبي ينادون بضرورة إصلاح الأمم المتحدة بكامل مؤسساتها وخصوصا مجلس الأمن الدولي. هذا المجلس الذي تجاهله الأميركيون وحلفاؤهم في حرب العراق ومضوا في تنفيذ مخططهم العسكري غير عابئين بالقوانين والمعاهدات الدولية التي داست عليها أحذية الجنود. كما قلت فقد صحا النائمون الذين وجدوا أن الحل الوحيد لمنع الولايات المتحدة وحلفاؤها في المستقبل من تكرار عملية العراق، هو إصلاح مؤسسات الأمم المتحدة وعلى عجل. غير أنه من المسلم به أن عملية الإصلاح معرض اختلاف في الرأي ولكن الحديث بشأنها عاد نظرا إلى حاجة العالم بصورة ماسة وملحة إلى هيئة دولية قوية، لمؤسساتها كلام مسموع. ويتفق أكثر من رأي على أن عملية إصلاح الهيئة الدولية هي آخر فرصة تساعد في ضبط الأمن والسلام العالميين ومنع حصول حال فلتان على وجه البسيطة. وطالب حديثا نائب ألماني سابق بأن تحصل البلدان الإسلامية على مقعد في مجلس الأمن الدولي لأنها تمثل أكثر من مليار إنسان يعيشون على وجه البسيطة ومشاركة المسلمين في وضع تصورات عن السياسات الدولية والكف عن تجاهل دينهم وثقافتهم وحضارتهم التي كانت منبعا لحضارة الغرب.

من أبرز ما تجري المطالبة به في سياق إصلاح مجلس الأمن الدولي، نادي الكبار ومطبخ السياسات الدولية، هو إعادة النظر في حق النقض (الفيتو) الذي تحتفظ به البلدان الخمس الدائمة العضوية في المجلس وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين، وأن يصبح في المستقبل، من حق الأعضاء الجدد، الحصول على هذا الحق، أو العمل بنظام التصويت بالغالبية. ولكن لا أحد يملك إجابة محددة عن موقف الولايات المتحدة من عملية الإصلاح بينما يشك ديبلوماسي غربي في أن تتنازل واشنطن وكذلك لندن وباريس وموسكو وبكين عن حق الفيتو.

ليس هناك أكثر من العرب والمسلمين حاجة الى قيام أمم متحدة قوية لها كلمة مسموعة ولا أحد يتجرأ على نقض قراراتها أو الامتناع عن تنفيذها. كما ينبغي على الأمم المتحدة التي قامت بدور بارز في تقسيم فلسطين وقيام الكيان الصهيوني على أرضها، أن تلعب دورا رئيسيا ونشطا في حل النزاع العربي الإسرائيلي كما ينبغي عليها القيام بدور رئيسي ومهم في تدبير أمور العراق ليستعيد مكانته السابقة. في ظل أمم متحدة قوية، لن يكون بوسع «إسرائيل» مواصلة رفض تنفيذ قرارات الهيئة الدولية والاستهزاء بها. كما أن إصلاح مجلس الأمن الدولي، وخصوصا في مسألة استخدام الفيتو وسيضع نهاية للظلم الذي يلحق بالشعب الفلسطيني كل مرة تقطع الولايات المتحدة الطريق على تمرير قرار يدين سياسة التعسف الإسرائيلية التي تقوم بها ضد الفلسطينيين.

بات أمرا معتادا في الأمم المتحدة، أن تسعى البلدان العربية إلى دعوة مجلس الأمن الدولي لتدارس مخالفات «إسرائيل» الدائمة للقوانين والمعاهدات الدولية. كما أصبح أمرا معتادا أن تتدخل الولايات المتحدة وتستخدم حق النقض لإفشال أي قرار من شأنه أن يدين «إسرائيل». ولكن الملاحظ دائما أن البلدان العربية تحظى دائما بتأييد واسع من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 191 عضوا، حين تعرض شكاواها ضد الدولة العبرية أمام الجمعية العامة. وتدير «إسرائيل» ظهرها دائما لقرارات الجمعية العامة بل تتهم الهيئة الدولية مثلما تتهم الاتحاد الأوروبي بالتحيز لصالح العرب.

يوم الاثنين الماضي وكما كان متوقعا، أيدت الجمعية العامة قرارا شارك الفلسطينيون في وضعه وهو قرار من شأنه أن ينقل نزاع «الشرق الأوسط» إلى حلبة جديدة داخل أوروبا وتحديدا أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. وهذه خطوة جديدة ترفع القضية الفلسطينية إلى مستوى ملفت للنظر لأن القرار يضع القضية لأول مرة بأيدي القضاء الدولي. ينص القرار على أن تنظر محكمة العدل الدولية في النزاع المحتدم بشأن جدار برلين الذي أقامته «إسرائيل» لفصل المناطق الفلسطينية عن الأراضي التي احتلتها وأقامت عليها مستوطنات لا أحد في العالم يعترف بها حتى الولايات المتحدة وتسميه بالجدار الأمني وما إذا كان بناء الجدار يشكل مساسا بالقوانين الدولية. تقريبا فإن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة كافة أدانت الجدار وبينها ألمانيا التي مرت بتجارب مريرة من جراء بناء جدار فصل بين شعب واحد وأرض واحدة وحوّل الطرفين إلى عدوين أحدهما ينتمي إلى المعسكر الشيوعي والآخر إلى المعسكر الغربي واستمر قيام الجدار 40 عاما. وطالب وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر «إسرائيل» بأن تعيد التفكير بهذا الجدار والسعي إلى إزالته. وهذا أقصى موقف لألمانيا المعروفة بتحيزها لـ «إسرائيل». ويجب ألا ننسى أن هولندا التي تستضيف محكمة العدل الدولية، هي أيضا مثل ألمانيا، تدافع عن مصالح «إسرائيل» في مؤتمرات الاتحاد الأوروبي.

لم يكن غريبا أن تسعى الحكومتان الأميركية والإسرائيلية حتى اللحظة الأخيرة إلى منع وصول القضية الفلسطينية إلى منبر القضاء الدولي. وكما هي العادة لم تخل هذه المحاولات من استخدام لغة التهديد بأن تتراجع واشنطن عن الدور الذي تقوم به في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وترك أعباء النزاع على كاهل محكمة العدل الدولية. وقال سفير الولايات المتحدة الدائم لدى الأمم المتحدة جيمس كاننغهام إن إشراك لاعب ثالث يؤدي إلى تعقيد عملية السلام في «الشرق الأوسط» وعبر عن رأيه بأن يجري تسييس محكمة العدل الدولية.

يرى الفلسطينيون في هذه الخطوة، فرصة أخيرة، لأن الولايات المتحدة تقطع الطريق عليهم دائما في مجلس الأمن الدولي وتعطل كل قرار يدين سياسة التعسف الإسرائيلية، كما أن قرارات الجمعية العامة لا تؤثر في «إسرائيل» ولا تتعدى أن تكون حبرا على ورق ينتهي غالبا في ارشيف الأمم المتحدة. وقال الدبلوماسي الفلسطيني بصفة مراقب في الأمم المتحدة ناصر القدوة: إذا لم يكن بوسع المجتمع الدولي التدخل لوقف بناء الجدار فعليه على الأقل أن يقول إن هذا الجدار مخالف للقانون الدولي.

ينظر المرء في لاهاي بقلق إلى عملية نقل النزاع بشأن الجدار إلى محكمة العدل الدولية ويتوقع المراقبون في العاصمة الهولندية مرافعات صاخبة. وقال نائب السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة آري ميكل إنه يتصور أن ترفع «إسرائيل» دعاوى ضد من تسميهم إرهابيين وأن تعرض على محكمة العدل الدولية من تسميه جرائم ياسر عرفات. ولا يستبعد المراقبون أن يتدخل القضاة المؤيدون لـ «إسرائيل» للتشكيك بالشكوى ضد «إسرائيل» والسعي الى إبعاد القضية عن المحكمة الدولية لكن هذه ستكون مهمة مستحيلة لأن غالبية حكومات العالم تجد في الجدار خرقا واضحا للقانون الدولي وخصوصا معاهدة جنيف الرابعة المتعلقة بعدم المساس بالأراضي الخاضعة للاحتلال.

إن هزيمة «إسرائيل» أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي ستكون لها نتائج مؤلمة للدولة العبرية. وعلى رغم أن قضاة هذه المحكمة ليس لهم نفوذ دولي فإن من شأن هزيمة «إسرائيل» أن تفسح المجال لتلقي دعاوى ضد أعضاء في الحكومة الإسرائيلية بسبب جرائمها ضد الشعب الفلسطيني وذلك أمام محكمة الجزاء الدولية التي يقع مقرها أيضا في لاهاي

العدد 463 - الجمعة 12 ديسمبر 2003م الموافق 17 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً