الجمال منتشر في كل ذرة من ذرات الوجود، لكن المجتمعات التي فقدت معنى الحياة، لا ترى هذا الجمال ولا تشعر بروعة الوجود والسعادة الكامنة في أعماق القلوب.
المجتمعات التي فقدت معنى الوجود أصبحت عوراء ترى القبح ولا ترى الجمال، وحتى تتمكن من رؤية الجمال والعيش في كنف السعادة الأبدية فهي بحاجةٍ إلى ثورة جمالية لبناء عالم المعنى الذي دمّره الفهم غير الصحيح. وأول خطوة للثورة الجمالية هي إعادة بناء المعنى الوجودي للمرأة وتحريرها من السجون العقلية للمجتمع، وإعادة الاعتبار الوجودي لها.
وإعادة المعنى الوجودي للمرأة يبدأ بقصة خلق حواء والمعاني القدسية لهذا الخلق. فعندما خلق الله آدم، شعر آدم بسعادة في جنة الفردوس ورفاهيتها التي تفوق الخيال، لكن بعد فترة شعر بغربة، وتحوّلت السعادة إلى ألم، من شدة الوحدة ووحشتها، فجنة الفردوس رغم جمالها لم تحقق له سعادة دائمة. فدعا الله أن يعطيه سعادة دائمة وحياة يتجلى فيها حب الله المطلق، فخلق الله حواء.
وعندما رأى آدم حواء شعر بسعادة غامرة ونبض قلبه بشدة من شدة الغبطة، واهتز من قوة المشاعر المتدفقة إلى قلبه. فحواء رمزٌ لاكتمال الحب السرمدي في قلب الإنسان، وهي رمزٌ للحب والسعادة والحياة. وأعظم تجلٍّ لحب الله للإنسان كان في خلق حواء، وليس في جنة الفردوس. فالجنة لم تعطِ آدم سعادة دائمة، ولم تدفع عنه الوحشة... أما حواء فأعطته الحب، والحياة، والسعادة.
عندما خلق الله حواء، أحب آدم الحياة، فأينما تدفق حب المرأة ازدهرت الحياة وتدفقت ينابيع السعادة في قلب الإنسان. وصدق الحكماء حينما قالوا: المرأة هي شعاع النور الإلهي.
كما أن ما يروى عن أن «حواء خلقت من ضلع آدم»، فيه إشارة إلى المعنى الوجودي، فكلمة ضلع هي تشبيه لتقريب الفهم للمعنى الوجودي في العالم الروحي، فالضلع هو رمز لأعظم أسرار الحياة، والذي به يكون للحياة معنى. فالضلع هو القفص الصدري الذي يحمي القلب، والقلب هو نبض الحياة ورمز الحب، أي أن حواء هي قلعة الحب التي تنبض فيها الحياة، وهي المكان الذي يسكنه الحب، وهي القوة التي تحمي الحب وبها تنبض الحياة.
وفي الحديث المشهور، أن رجلاً سأل الرسول (ص): من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أبوك». فالرسول (ص) كرّر الأم ثلاث مرات متتالية، لأن الأم هي شرارة الحب الأولى، وهي بذرة الحب، فعندما يولد الإنسان تزرع الأم فيه بذرة الحب الأولى، هي الروح التي خصّها الله بنشأة الحب.
وديننا الإسلامي مليء بالمعاني الوجودية، لكن المشكلة في فهم الناس لها، فبدل أن يدركوا المعاني الجميلة، يعطونها معانٍ سيئة، فتراهم يتهمون حواء بأنها هي التي أخرجت آدم من الجنة، وبدل أن يدركوا المعنى الجمالي لكلمة «ضلع»، أعطوه معنى بأنه أعوج، وأن المرأة عوجاء، وما تركوا شيئاً سيئاً إلا وألصقوه بالمرأة.
هناك مجتمعات عوراء تغمض أعينها عن المعاني الجميلة، وتعطي الأشياء معانٍ سيئة، هذه مجتمعات ميتة والحياة فيها شقاء، لأنها فقدت المعنى الحقيقي للحياة. وإعادة بناء المعنى الوجودي للمرأة يتطلب تصحيح انحراف فهم المجتمع لمعنى الحب، فأكبر مصيبة ابتليت بها المجتمعات هو الفهم الخاطئ للحب، واعتبار الحب هو العلاقة الجنسية، فيصفون ممارسة الجنس بممارسة الحب.
لابد من التفريق بين أن يكون الجنس تجلياً من تجليات الغريزة، وبين أن يكون الجنس تجلياً من تجليات الحب. والمجتمعات التي ترى أن الحب هو الجنس، ستكون إباحيةً إذا كانت متساهلة مع الجنس، وإذا كانت متشددة تجاه الجنس ستمنع الحب وتحاربه، وستتحوّل فيها صورة المرأة من كائن لطيف يفيض بالحب، إلى كائن خُلق للجنس وإشباع غريزة الرجل والحمل والولادة.
أحد الرجال يقول «في الواقع، ما نراه من المرأة هو المشاكل ووجع الرأس»، ويلعن اليوم الذي فيه تزوج. وهو لا يدرك حقيقة المشكلة، فمثلاً عندما تأخذ طفلاً عمره ثلاث سنوات، وتقوم يومياً بضربه وتخلق العقد النفسية فيه... فهل هذا الطفل عندما يكبر سيكون وديعاً؟ بل سيخلق لك مشاكل بقدر ما قمت بتعذيبه واضطهاده وإذلاله.
كذلك بالنسبة للمرأة، المجتمع قام بتدمير المعنى الوجودي للمرأة، ونسف الجماليات الأنثوية، في العقول من الصغر، وحشو هذه العقول بالمعاول الهادمة للجمال، وبالتالي قد تتسبب المرأة في خلق مشاكل بقدر ما قام المجتمع بتدمير المعنى الوجودي لها، كما تكون المرأة قلعة الحب ونبض الحياة وسعادتها بقدر ما يقوم المجتمع ببناء المعنى الوجودي لها.
إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"العدد 4628 - السبت 09 مايو 2015م الموافق 20 رجب 1436هـ