شغل نزال القرن كما أطلق عليه بين بطلي العالم الملاكم الفلبيني ماني باكايو والملاكم الأميركي فلويد مايويذز الأنظار حول العالم، من خلال الدعاية الاستثنائية والتحضير الخرافي الذي امتد لخمس سنوات، والمبالغ القياسية التي حققها هذا النزال.

الأميركي مايويذز فاز بالنقاط على الفلبيني الذي تعشقه أمة بأسرها كمثال وكأسطورة حية، حتى أن الحياة تتوقف في العاصمة الفلبينية مانيلا عند كل نزال له.

الفلبيني باكايو ليس ملاكماً فقط، وإنما هو نائب في البرلمان ومغنٍ ومبشر للديانة، بل هو معشوق الجماهير الفلبينية.

مايويذز حصد ما يتجاوز 120 مليون دولار في حين كان نصيب باكايو أكثر من 80 مليون دولار على أقل تقدير بعد ما سمي «نزال القرن».

رياضة الملاكمة أو رياضة الفن النبيل كما تلقب؛ كونها تشابه مبارزة النبلاء التي لا تتم إلا في نفس الظروف وبنفس السلاح وفي ظل قوانين صارمة وعادلة، تبقى رياضة مثيرة وجماهيرية واستثنائية؛ لخطورتها وقدرتها على جذب جميع أصناف المشاهدين.

الملاكمة، وعلى مدار تاريخها الطويل الذي ترجعه بعض المخطوطات الأثرية لما قبل التاريخ، من خلال النحوت التي تشير إلى مثل هذه النزالات، أنتجت على مدار تاريخها أساطير عرفها العالم كله تجاوزت بنجوميتها أعظم الرياضيين.

من منا لا يعرف الأسطورة محمد علي كلاي وفريزر ونزالهما الشهير، وصولا إلى حقبة المثير للجدل تايسون، وغيرهم الكثير ممن شغلوا العالم في عصرهم؛ لسبب بسيط أن هذه رياضة لا يقدر على ممارستها إلا النادرون.

الولايات المتحدة الأميركية التي تمتلك من النجوم الرياضيين والأساطير ما لا يمتلكه أي بلد آخر حول العالم، اختارت محمد علي كلاي فقط ليشعل الشعلة الأولمبية إيذاناً بانطلاق أولمبياد أتلانتا 1996.

رياضة الملوك كما تلقب هي بالفعل رياضة للملوك، فكما يقول التاريخ إن ملوك روما القدامى أول من ابتكرها للاستمتاع بملاكمة رجلين حتى الموت، وهي رياضة مارسها المجرمون والسجناء لنيل حريتهم، وهي رياضة مهما طورت وأحيطت بالأضواء والكاميرات والمدرجات تبقى رياضة مختلفة عن كل الرياضات.

رياضة الملوك التي كان يتلذذ بها ملوك روما هي كذلك إلى الآن، فمنظمو هذه النزالات يعرفون تماما ماذا يفعلون، إذ بنظرة فاحصة على المبالغ الخرافية للنزال الأخير تتكون أمامنا صورة واضحة عن ماهية هذه الرياضة.

مليار دولار أو أكثر عوائد لنزال واحد، مبلغ يختصر تاريخ وحاضر هذه الرياضة، فإذا كان نصيب الفائز 120 مليون دولار والخاسر 80 مليون دولار فإن من لا يظهرون في الصورة تجاوزت عوائدهم 800 مليون دولار.

أسعار تذاكر خرافية واشتراكات نقل جنونية، وشعوب متيمة بنجمها الأول ومشاهدون حول العالم يترقبون وينتظرون ويدفعون أيضا بطريقتهم.

الملاكمة تبقى بلا شك رياضة الملوك؛ لأن ما تحققه وما تجذبه وتستقطبه لا يقاس ببقية الرياضات.

هي رياضة تبقى نزالاتها ماثلة في التاريخ كالمعارك التاريخية والفاصلة في حياة الأمم، ويؤيد ذلك ما قاله الملاكم الأميركي مايويذز بعد نهاية النزال، بأن ما سيدون في كتب التاريخ عن هذا اللقاء يستحق كل هذه الفترة من الانتظار لتنظيمه.

5 سنوات كاملة لتنظيم نزال واحد في قلب لاس فيغاس الأميركية، والاسم وحده يكفي للدلالة على مقدار الرهانات، نزال ترقبه العالم لتؤكد هذه الرياضة مجددا أن كل الاعتراضات الأخلاقية وغيرها تسقط عند النزال.