الشاعر الإنجليزي الكبير بيرسي شيللي (1792– 1822) في قصيدته الشهيرة التي تحمل عنوان (Ozymandias)، وهي تصف فيما يُعتقد رمسيس الثاني حاكم مصر (حوالي 1303 ق.م)، قدّم وصفاً دقيقاً ورائعاً لما سمعه من أحد المسافرين القادمين من أرض مصر العريقة، حيث شاهد ذلك المسافر تمثالاً محطماً، ولكن الأجزاء المتبقية من التمثال هي شاهد على دقة وحرفية وإتقان الفنان الذي نحته، حيث تمكن من جعل مختلف تقاسيم الفرعون رمسيس الثاني تنطق. ومما استقاه من كلمات الفرعون التي كتب على منصة التمثال التي تقول: «أنا ملك الملوك انظر لما تركت من آثار عظيمة، فستصيبك الحسرة». ولكن الشاعر يوضح تلك المفارقة بين ما كُتب على المنصة، على لسان الملك، وبين خلو المنطقة من تلك الآثار العظيمة التي تحدّث عنها. إنما الأثر المتبقي هو ما قام به الفنان من عمل فني رائع. فقد قدّر عالياً اليد التي نحتته والقلب الذي أسبغ عليه من العطاء.
اخترت هذه المقدمة كمدخل للفكرة التي أريد طرحها: هل الكاتب يرفع من شأن الشخص الذي يكتب عنه، (في حال الكتابة عن أشخاص) أم أن الشخص الذي يُكتب عنه يرفع من شأن الكاتب؟
بالتأكيد لا يمكن أن يكون هناك جواب واحد، بالنفي أو الإيجاب، على هذا السؤال، لعدم وجود قاعدة ثابتة! ولكن بشكل عام المتتبع للتاريخ يجد أن معظم الكتاب والشعراء والفنانين يسهمون بنسب متفاوتة في الرفع من شأن الشخصيات التي يكتبون عنها. ولكن من المؤكد أن هذا الأمر مختلف مع من كتب عن شخصية الإمام علي (ع)، فهم بكتاباتهم عن الإمام رفعوا من شأنهم وعظّموا من قدرهم وذاع صيتهم. مع التأكيد بأن ذلك لا ينقص من مقدارهم ومن قدر من كتب عن الإمام. فأقلّ ما يمكن أن يقال عنهم بأنهم أحسنوا اختيار مواضيعهم، وهذا راجعٌ بعد توفيق من الله سبحانه وتعالى إلى رقي ذوقهم ومستوى صدقهم، وتأثرهم الكبير بهذه الشخصية العظيمة وسجاياها ذات الأبعاد الإنسانية الواسعة التي قلّ نظيرها، وبآثارها المتشعبة من علم وأدب وبلاغة وسعة صدر وحنان وشجاعة وعدالة... إلى آخر هذه السجايا الحميدة، التي انفرد بها أمير المؤمنين علي (ع)، والتي من النادر أن يجتمع بعضها في إنسان واحد، وبذلك استحقوا أن يُجلّهم الناس ويحفظوا قدرهم.
من تأثر وكتب وتحدّث بموضوعية عن الإمام (ع) كثيرون، ومن مختلف الأديان والبلدان والأزمان، ومن أشهرهم حديثاً الكاتب اللبناني المسيحي جورج جرداق (1931– 2014) في موسوعته «الإمام علي صوت العدالة الإنسانية»، المكوّنة من 6 أجزاء. وقد استشهد جرداق (المجلد الخامس: على والقومية العربية»، بما قاله الكاتب الكبير جبران خليل جبران (1883– 1931) في الإمام علي (ع): «مات علي بن أبي طالب شهيد عظمته. مات والصلاة بين شفتيه. مات وفي قلبه الشوق إلى ربه! ولم يعرف العرب حقيقة مقامه ومقداره حتى قام من جيرانهم من الفرس أناسٌ يُدركون الفارق بين الجواهر والحصى... مات شأن جميع الأنبياء الباصرين الذين يأتون إلى بلدٍ ليس ببلدهم، وإلى قوم ليس بقومهم، في زمن ليس بزمنهم، ولكن لربك شأناً في ذلك وهو أعلم!».
واستشهد جرداق أيضاً بما كتبه الأديب الكبير ميخائيل نعيمة (1889– 1988) عندما أخبره بعزمه كتابة كتاب عن الإمام على (ع)، فكتب له قائلاً: «نعما أقدمت عليه... حالفك التوفيق. تسألني رأيي في الإمام، كرّم الله وجهه، ورأيي أنه – من بعد النبي – سيد العرب على الإطلاق بلاغةً وحكمةً، وتفهماً للدين، وتحمساً للحق، وتسامياً عن الدنايا. فأنا ما عرفتُ في كل من قرأت لهم من العرب رجلاً دانت له اللغة مثلما دانت لإبن أبي طالب، سواء في عظاته الدينية، وخطبه التوجيهية... إن علياً لمن عمالقة الفكر والروح والبيان في كل زمان ومكان».
وللشاعر اللبناني الكبير بولس سلامة (1902– 1979) قصيدة عصماء في الإمام علي ونجله الإمام الحسين، ومن ضمنها هذه الأبيات:
لا تقل شيعةٌ هواة عليٍ
إنَّ في كل منصفٍ شيعياً
هو فخر التاريخ لا فخر شعبٍ
يصطفيه ويرتضيه ولياً
يا أمير البيان هذا وفائي
أحمد الله أن خُلقتُ وفيا
أنا من يعشق البطولة و
الإلهام والعدل والخلاق الرضيا
فإذا لم يكن عليٌّ نبياً
فلقد كان خُلقه نبوياً
جلجل الحق في المسيحي حتى
عُدَّ من فرط حبِّه علوياً
يا سماء اشهدي ويا أرض قري
واخشعي إنني ذكرت عليا
ورحم الله المربّي الفاضل الأستاذ أيوب عكاشة، معلم اللغة العربية بمدرسة الهداية الخليفية الذي كنت أحد طلبته في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، حيث لازلت أتذكّر ذلك الموقف بجلاء، عندما أنكر أحد الطلبة معرفته بكتاب «نهج البلاغة»، فقد تحدّث بحماسٍ منقطع النظير عن الإمام علي وبما يحتويه نهج البلاغة من درر وكنوز لابد لأي عربي، بل لكل إنسان، أن يقرأ وينهل من معينه، ففيه كل الخير من حِكَمٍ ومواعظ وبلاغة وقيمٍ رفيعة ومبادئ الإسلام الحنيف السامية والراقية والصالحة لكل زمان ومكان، تجدها بين دفتي نهج البلاغة. وكما لا يمكن لدارس الأدب الإنجليزي مثلاً أن يقول لا أعرف عن الكاتب والشاعر الإنجليزي وليم شكسبير، كذلك بالنسبة للعربي سواءً متخصصاً في اللغة أم في أي مجال آخر، عليه أن يقرأ ويتمعن في كتاب نهج البلاغة. فكل ما فيه يتطابق ويتناغم ويترجم ما جاء في كتاب الله المجيد ومعجزة الرسول الأعظم الخالدة القرآن الكريم.
إقرأ أيضا لـ "محمد عباس علي"العدد 4622 - الأحد 03 مايو 2015م الموافق 14 رجب 1436هـ
من كتب عن الإمام علي من غير المسلمين فله جزيل الشكر و العرفان
من كتب عن الإمام علي منا، فلا شكر له على واجب. أما من كتب عنه من غيرنا فله جزيل الشكر و العرفان. و لو كانت الجنة بأيدينا لأدخلانهم.
لكن ينبغي النظر إلى عظمائنا أنهم بشر . فهذ الشخصية الفذة " الإمام علي " له ما للبشر . فهو يصيب و يخطئ؛ و يقول القول ثم يتراجع عنه ؛ قد يحدث ما لم يكن في حسبانه، و قد يحتاج إلى من ينبهه لأمر ما لا يعرفه! بل قال الله لنبيه :"لم أذنت لهم؟".
سلام الله عليك يا ابا الحسن
احسنت
كل ما قيل و ما خط في شأن الامام علي ع لم يوفيه حقه
علي وماأدراك ماعلي
اللهم عرفني وليك فإن لم أعرف وليك لم أعرف نبيك وان لم أعرف نبيك لم أعرفك
الفرق بين الحصى والجواهر
لم تلد بعده مثله اي رحم سلام الله عليه يوم ولد ويوم عاش حرا ابيا ويوم استشهد وعرج روحه للسماء امام علي مدرسه يغنينا عن دروس الشجاع والايثار
أحسنت دكتور
مقال رائع .. علي عليه السلام خلدته إنسانيته أولاً فهنيئاً لمن اقترب منه و تعلم عنه شيئا ..
شهدي
موضوع اكثر من رائع من دكتور ذو ثقافه عاليه سلمت يداك يا دكتور وننتظر منك المزيد
سلام الله عليك يا ابا الحسن
"ما عرفك يا علي الا الله وأنا وما عرفني الا الله وانت وما عرف الله الا انا وانت " الرسول الأكرم (ص)
احسنت أخي العزيز
سلام الله عليك ياسيدي يامولاي وأمامي ياعلي ياأمير المؤمنين وسيد الوصيين والحق الناطق بعد رسول رب العالمين
احسنت
رائع
صدقت يا دكتور
لقد أبدعت في طرحك للموضوع وصدقت يادكتور عندما قلت أن يكتب عن أمير المؤمنين عليه السلام يرتفع قدره ،فرفع الله قدرك في الدنيا والآخرة
احسنت
رحم الله والديك ونتمني ان نركز اكثر عن هؤلاء العظماء حتي يستفيد الشباب ويكون قدوه لهم
رفعك الله يادكتور
لقد أبدعت يا دكتور في طرح الموضوع بارك الله فيك وفي قلمك