يحكى أن بائع بالونات أراد جذب الأطفال الزائرين للحديقة العامة إلى شراء بالوناته، فعمد إلى نفخها بغاز الهليون فطيّر بالونة حمراء وأعقبها بصفراء وأخرى بيضاء ثم زرقاء، فكوّنت طيفاً جميلاً في الهواء، فانجذب الأطفال نحو البائع في دهشةٍ مما صنع. عندها اقترب منه طفل ذو بشرة سمراء فقال له يا عم، هل البالونة السوداء تطير؟ فقال له: يا بني إن اللون لا يطيّر البالون إنما يطيّرها ما بداخلها. فسكت الطفل برهةً وأخذ ينظر إلى ألوان البالونات لدى البائع، فقال له: إذاً يا عم إذا كان ما تقول صحيحاً فلم لا أرى بالونات سوداء بين البالونات المعروضة لديك؟ لم يعرف البائع بماذا يجيب الصبي فعمد إلى الإنشغال بالأطفال من حوله.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا شعر الطفل بدونية اللون الأسود؟ ومن الذي رسّخ في ذهنه أن كل شيء لونه أسود غير مرغوب ولا فائدة منه؟ ولم البائع نفسه لم يختر اللون الأسود بين عرضه على الرغم من إيمانه بأن اللون لا يعوق مسألة الطيران؟ ولمَ لم يصارح الصبي بأن هذا اللون غير مرغوب فيه أصلاً؟
يُعرّف التمييز على أنه معاملة تنطوي على تمييز أحدهم عن قصد عن معاملة شخص آخر بسبب خاصية ما، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون، أو الدين أو الجنس، أو الأصل الوطني أو الجنسي، أو السن. لقد جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) ليعلن أن البشر «يُولدون جميعاً أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل إنسانٍ حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المقررة فيه، دون أي تمييز لا سيما بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي، وأن جميع البشر متساوون أمام القانون ولهم حق متساوٍ في حمايته لهم من أي تمييز ومن أي تحريض علي التمييز».
ونظراً لانتشار التمييز في بقاع الأرض على الرغم من وجود مثل هذا الإعلان، دفع ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرار رقم 2106 ألف (د- 20) والمؤرخ في 21 ديسمبر/ كانون الأول 1965، والقاضي على الدول بالتوقيع والتصديق على الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري، التي بدأ تنفيذها مع مطلع العام 1969. والمتطلع إلى تعقيبات القراء عبر صحيفة «الوسط» عند الشكوى من بعض الخدمات الحكومية أو البطالة، تقرأ أكثر من تعليق يشير إلى جملة «لأنك من الطائفة المغضوب عليهم»، فهل هذا الشعور جاء صدفةً، وهل وُلد مع هؤلاء بالتغذية والإرضاع بأنك مظلوم منبوذ؟ أم له أسباب موضوعية تماماً؟
جميع قوانيننا المكتوبة تدعو إلى المساواة وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، ولا يوجد قانون من بينها ينطوي على تمييز ضد أي مواطن وفقاً للمعايير الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، لكن في الواقع الملموس والتطبيق هل وُجدت العدالة على جميع المستويات؟
إن عدم المساواة والتمييز عوامل أساسية لتغذية الكراهية والتمرّد والبحث عن بدائل، فإلى متى يتم مقايضة الطاعة بالحق، والتبعية بالعدالة؟
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 4621 - السبت 02 مايو 2015م الموافق 13 رجب 1436هـ
التميز شعور بداخل كل إنسان وسباق مشروع للابداع في مناحي الحياة
بس خلق كيانات في المجتمع قائمة على التميز وانتقاءية لأي لون معين لا غيره هذا يخلق الدنيوية للغير