العدد 4616 - الإثنين 27 أبريل 2015م الموافق 08 رجب 1436هـ

خواطر في يوم الكتاب العالمي

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

في حياة كل منا كتبٌ عصيّةٌ على النسيان. كتبٌ أمتعتنا، وكتبٌ زلزلتنا، وكتبٌ أيقظتنا، وأخرى هزّت ثوابتنا. كتبٌ ضلّلتنا وكتبٌ أحدثت تغييراً رائعاً في مسار حياتنا. كتبٌ شكّلت وعينا وشخصياتنا وفكرنا، وحملتنا على إعادة النظر فيما كنا نعتقده مسلّماتٍ لا تقبل الجدل والنقاش، وكتب أخذتنا معها وسرنا في ركاب أفكارها، ثم تراجعنا عنها واختلفنا معها مع تقدّم أعمارنا وخوضنا تجاربنا الحياتية الخاصة. وقد ننسى الكثير مما قرأناه قديماً بفعل عوامل الزمن أو التكاسل عن العودة إلى كتبنا المغبرة المركونة على الأرفف، إلا أن حدثاً ما قد يعيد تذكيرنا بها.

وفي مناسبة يوم الكتاب العالمي الذي صادف الثالث والعشرين من شهر أبريل/ نيسان، عدت إلى كتبي التي علاها الغبار لالتقط منها تلك العبارات التي استرعت انتباهي يوماً ووضعت خطاً أسفلها، وهذه نماذج منها:

«أيها النورس أنت تملك الحرية في أن تكون نفسك الحقيقية الآن وهنا، ولا شيء يستطيع أن يعترض طريقك. إنه قانون النورس العظيم، القانون الحقيقي الوحيد الذي يقود إلى الحرية ولا يوجد قانون آخر»، «قصة النورس»، جوناثان ليفنستون، ريتشارد باخ (1972).

«دعوت للثورة وأنا دون السابعة، ذهبت ذات صباح إلى مدرستي الأولية محروساً بالخادمة، سرت كمن يُساق إلى سجن، بيدي كراسة وفي عيني كآبة، وفي قلبي حنين للفوضى. وجدنا المدرسة مغلقةً والفرّاش يقول: بسبب المظاهرات لا دراسة اليوم أيضاً. غمرتني موجةٌ من الفرح ومن صميم قلبي دعوت الله أن تدوم الثورة إلى الأبد»، نجيب محفوظ، «أصداء السيرة الذاتية» (1995).

«أخي صار ملاكاً... وأنا؟ سأكون شيطاناً، هذا لا ريب فيه. الصغار إذا ماتوا يصيرون ملائكة والكبار شياطين. لقد فاتني أن أكون ملاكاً»، «الخبز الحافي»، محمد شكري (1972).

«هذه هي الحرية، أن تهوى شيئاً ما وفجأةً تتغلب على هواك وتلقي بكنزك في الهواء. أن تتحرّر من هوى لتخضع لهوى آخر أكثر نبلاً منه»، رواية «زوربا»، نيكولاس كازانتزاكيس (1946).

«من منا لا تعرف امرأة واحدة غادرت حدسها وطبيعتها الغريزية الأصلية وغادرت فراستها في حسن الاختبار لنفسها وأرغمت على أن تعيش حياة هامشية أو حياة رديئة»، «نساء يركضن مع الذئاب»، كلاريسا بنكولا (1994).

«الولاء يعني انعدام الحاجة إلى التفكير. الولاء هو عدم الوعي»، رواية «1984»، جورج أوريل.

«الحياة ليست هكذا. حاول أن تتذكر أين ومتى فقدت حماستك»، «مكتوب»، باولو كويلو (2002).

«يستشهد السياسيون بالله لتبرير سياساتهم، ويستخدمه الإرهابيون لارتكاب بشاعاتهم باسمه. نتوسل إلى الله أن يدعم جانبنا في الانتخابات وفي الحرب على الرغم من أعداءنا هم أيضاً أطفال الله، وهم أيضاً جديرون بحبه ورعايته»، «الله والإنسان»، كارين ارمسترونج (1993).

في يوم الكتاب... جديرٌ بنا كعرب، أن نتعرف على حجمنا الحقيقي على خارطة إصدار الكتب وإنتاج المعرفة، كي نتدارك أوضاعنا ونصحّح مسارنا الثقافي والمعرفي. فلا نزال في عداد الأمم المستهلكة أو المتلقية لأفكار الآخرين وبضائعهم وصناعاتهم وكتبهم.

ولعلها مفارقةٌ أن يكون كتابان عربيان فقط مصنّفين ضمن أهم 100 كتاب عرفتهم البشرية: رواية «أولاد حارتنا» لصاحب نوبل نجيب محفوظ، وهي روايةٌ ممنوعةٌ من النشر وتسبّبت في استهداف الكاتب الراحل وتكفيره والاعتداء عليه وإعاقته عن الكتابة؛ ورواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح.

والمفارقة الأخرى هي أن الكتب الأكثر مبيعاً في كل معارض الكتب العربية، هي كتب الطبخ والفن والرياضة وتفسير الأحلام والأبراج والدين والأدب. وتقول الإحصاءات أن العرب لم يترجموا سوى 10 آلاف كتاب فقط منذ أيام الخليفة المأمون إلى يومنا هذا. وفي السنوات الأخيرة بلغ معدل الترجمة 330 كتاباً سنوياً في مقابل «إسرائيل» التي تترجم 15 ألف كتاب سنوياً. ونعلم بداهة أنه من النادر أن تجد كاتباً عربياً مهماً علا شأنه اغتنى من كتبه ومؤلفاته فقط أو استطاع أن يعتاش عليها وحدها... باستثناء كتّاب السلطة.

وحسب استطلاعات الرأي فقد تراجع الإقبال في السنوات الأخيرة على الكتب الفلسفية والعلمية لصالح الكتب الدينية والعقائدية التي تمر بلا رقابة ولا مساءلة، وتكرّس الانقسام الديني والمذهبي، في حين تُمنع وتُصادر الكتب التنويرية. كما لا يوجد كاتب عربي واحد تتصدر كتبه قائمة الكتب الأكثر مبيعاً (Best Seller) العالمية السنوية التي تتحوّل لاحقاً إلى أعمال سينمائية ومسرحية تدر الملايين على أصحابها وعلى دور النشر.

وحسناً فعلت صحيفة «الوسط» بالاحتفاء بالكتاب عبر تنظيم معرض الكتب المستخدمة كي تتيح اقتناء الكتب بأسعار زهيدة في زمنٍ تصاعدت فيه أسعار الورق وتكاليف الطباعة والشحن، وصار الكتاب سلعةً غير مقدور عليها لدى شرائح عديدة من الناس. وهي مبادرةٌ جديرةٌ بالتقدير والاحتذاء في زمنٍ يصارع فيه الكتاب للحفاظ على مكانته ووهجه.

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 4616 - الإثنين 27 أبريل 2015م الموافق 08 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً