لا تزال الشخصيات العربية والإسلامية المُحبّة للسلام في وطننا العربي والداعية إلى التسامح والتعايش بين مختلف المذاهب والأديان والأقليات الإثنية... تراود ذاكرتي، وتسعى إلى أن تحتلّ مكانها في سلسلة مقالاتي «أعلام في التسامح والسلام». غير أنّ بعض الأحداث تفرض تقديم شخصية على أخرى، وتقديم هذا على ذاك. إلاّ أنّ المقدَّم في هذا المقال ليس شخصية مُفردَة، وإنّما هي شخصية جَمعيَّة أو جماعية؛ إنهم مسلمو النرويج، فما الذي استجلبهم إلى هذه المساحة؟ وكيف أثْرَوْا الساحة الإسلامية بصورٍ حيةٍ عن التسامح والمواطنة والتعايش مع غيرهم من أبناء الديانات الأخرى وهم في المهجر؟
لا ينكر أحدٌ أنّ هناك خلطاً فظيعاً بين معاداة اليهودية والصهيونية، فالحركة الصهيونية كانت ولاتزال العدوّ الأكبر والأخطر على الأمة العربية الإسلامية، ولاتزال تحت براثن استعمارها تنوء الدولة الوحيدة المستعمَرَة في العالم في القرن الحادي والعشرين، وفي زمن حقوق الإنسان. غير أنّ ذلك لا يجب أن يحجب العلاقة التاريخية المديدة بين اليهود والمسلمين، وما ران عليها من فترات ضغينةٍ وتصارعٍ حيناً، وما ساد أجواءها من حقبات تعايشٍ وسلامٍ أحياناً كثيرة. وعليه فإنّ الأصل في العلاقة بين أبناء الديانتين السماويتين هو التعايش بحسب موازين القوى الحافة بكل فترة تاريخية.
ومن حينٍ إلى آخر، يشنّ بعض اليهود، كما بعض العرب المسلمين، عمليات إرهابية انتقامية فردية معزولة على بعض الأبرياء من أبناء الديانتين، لم تكن لتعبّر يوماً عن مشاعر التعادي بين المسلمين واليهود. من ذلك ما جدّ مؤخراً في الدنمارك حين أقدم مسلّحٌ يُدعى عمر عبد الحميد الحسين، وهو دنمركي من أصل عربي، على قتل شخصين في معبد يهودي خلال ندوة عن حرية التعبير في كوبنهاجن.
لكنّ هذه الحادثة لم تمرّ مرور الكرام في تلك الدول الآمنة، وإنما تفاعل معها كلٌّ بطريقته. غير أنّ الجالية المسلمة المقيمة في النرويج قدّمت صورةً ستبقى راسخةً في الأذهان؛ صورة تؤكد وتجسد روح السلام التي جاءت بها الأديان السماوية وأكّدتها الشرعات الدولية؛ فلقد شكّل أكثر من ألف مسلم في النرويج سلسلةً بشريةً حول معبد يهودي في العاصمة أوسلو أواخر شهر فبراير/ شباط الماضي، في مشهدٍ رمزي لحماية الكنيس اليهوديّ تضامناً مع الجالية اليهودية في المدينة، وتنديداً بالهجوم السافر على المعبد اليهودي في الدنمرك المجاورة للنرويج.
وقد تميّزت هذه الحركة المعبّرة عن التعايش والسلام، بحسن التنظيم وقوة المضمون، حيث ردّد المشاركون في السلسلة البشرية التي أطلقوا عليها «سلسلة السلام»، هتافات «لا لمعاداة السامية» و»لا للإسلاموفوبيا». وقد غصّ الشارع الصغير حول المعبد الوحيد العامل في أوسلو بحشدٍ من المهاجرين المسلمين والنرويجيين، وتنادوا بصوتٍ واحد: معاً من أجل إنسانية واحدة. وأكّدوا من خلال هذا الحشد على ضرورة التعايش بين مختلف أبناء الأديان تحت مظلة المواطنة الإنسانية.
وقد وقف المنظمون من أبناء الجالية المسلمة وقادة الجالية اليهودية جنباً إلى جنب، مؤكّدين أنّ دعاة السلام أكثر من دعاة الحرب، وقدّموا جميعاً رسالةً على غاية من الأهمية، مفادها أنّ أملاً لايزال قائماً للإنسانية والسلام والحب مهما كانت الاختلافات الدينية والعرقية.
وعلى الرغم من أنّ الجالية اليهودية في النرويج تعتبر إحدى أصغر الجاليات اليهودية في أوروبا؛ حيث لا يتعدى عددها ألف شخص، على خلاف الجالية المسلمة هناك (بين 150 ألفا و200 ألف)، فإن قوة شخصية الجالية المسلمة وإيمانها بالتسامح والتعايش والسلام، النابع من ديننا الحنيف، جعلها لا تغترّ بعددها، وإنّما تعتبر بما يحصل هنا وهناك في عواصم العالم حيث تغلغل غول الإرهاب فأتى على الأخضر واليابس، ولم يعد من حلٍّ بيد القوى المدنية غير التعبير الشديد بمختلف أشكاله عن التسامح والتعايش والسلام الإنساني.
إنّ شخصية الجالية المسلمة في النرويج مثّلت إحدى أبرز الشخصيات العربية والإسلامية الداعية للسلام، والجديرة بالإبراز والتنويه، لعلّ مثيلاتها من الجاليات العربية والمسلمة تنحو منحاها وتنسج على منوالها، وتنظّم الفعاليات تلو الأخرى في البلاد الغربية من أجل نزع فتيل التقاتل بين الأديان، وتكريس ثقافة التسامح والسلام والحبّ، لعلّهم بذلك يخففون من وطأة الإسلاموفوبيا التي انتشرت بين البلاد الغربية وربما حتى العربية أيضاً.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4616 - الإثنين 27 أبريل 2015م الموافق 08 رجب 1436هـ
صورة الإسلام
صورة الإسلام في الميزان فحسنوها
جميل هذا التذكير
لا ينكر أحدٌ أنّ هناك خلطاً فظيعاً بين معاداة اليهودية والصهيونية، فالحركة الصهيونية كانت ولاتزال العدوّ الأكبر والأخطر على الأمة العربية الإسلامية، ولاتزال تحت براثن استعمارها تنوء الدولة الوحيدة المستعمَرَة في العالم في القرن الحادي والعشرين، وفي زمن حقوق الإنسان
نرجو ذلك
إنّ شخصية الجالية المسلمة في النرويج مثّلت إحدى أبرز الشخصيات العربية والإسلامية الداعية للسلام، والجديرة بالإبراز والتنويه، لعلّ مثيلاتها من الجاليات العربية والمسلمة تنحو منحاها وتنسج على منوالها،
أعلام في التسامح والسلام... مسلمو النرويج نموذجاً
مجهود رائع لنشر ثقافة التسامح
123
كلام جميل.. سأبحث في الموضوع خلال زيارتي للنرويج و الدنمرك بعد شهرين