تمر بعد يوم غدٍ الخميس، الذكرى العشرون على قرار منظمة التربية والثقافة والعلوم العالمية «اليونسكو»، والصادر عام 1995، بجعل الثالث والعشرين من أبريل/ نيسان، يوماً عالمياً للكتاب.
وكانت الغاية الأساسية التي توخّت منها «اليونسكو» من إرساء هذا الاحتفال العالمي، ليس احتفالاً موسمياً بهرجياً لتبادل التهاني وإلقاء الكلمات أو التذكير به في الصحافة ووسائل الإعلام، هذا إذا حظيت أصلاً هذه المناسبة في بلداننا العربية حتى بمثل هذا المستوى الشكلي للاحتفال؛ بل من أجل أن تعبّر «اليونسكو» عن تقديرها وتقدير العالم أجمع للكتّاب والمؤلفين من خلال خلق آليات وبرامج عملية جادة، لتشجيع القراءة بين مختلف فئات المجتمع، وخصوصاً الشباب، ودفعهم إلى تذوق متعة استكشاف ماضي العالم، بما يمثله من قيمة حضارية قصوى في خلق شخصية الفرد ونهوض الأمم، لا سيما أن تاريخ الكلمة المكتوبة هو ذاته تاريخها، وليس هناك ما يضاهي الكتب في خلق شخصية الفرد، على حد تعبير المديرة العامة لليونسكو ايرينا بوكوفا.
وعلى الرغم من مرور 20 عاماً على إرساء هذه الاحتفالية السنوية، إلا أن صداها الملموس في عالمنا العربي مازال مغيّباً أو شبه معدوم، هذا مع أن «اليونسكو» وبهدف دفع الاحتفالات العالمية لتأخذ زخمها المأمول، حدّدت ثمانية من النصائح المحورية الإرشادية لإكساب الاحتفالية السنوية قيمتها المتوخاة منها آنياً، ناهيك عن الأهداف البعيدة. ومن هذه المحاور الثمانية: تفعيل ما يُسمّى بخدمة «كيندل» لتنزيل كُتب قيّمة نُشرت منذ ما قبل أكثر من مئة سنة، وكذلك خلق عادة تبادل إهداءات الكتب المفضلة بين أفراد الأسرة والأصدقاء، وتنشيط حيوية الذاكرة لاكتشاف أصناف جديدة من الكتب غير التي تعوّدنا على شرائها وقراءتها، وإهداء الكتب القديمة إلى المدارس والمكتبات، وخصوصاً في البلدان الفقيرة والمنكوبة، وترك كتاب على مقعد في منتزه عام، أو محطات قطارات الأنفاق أو الباصات العمومية مع إيداع في باطنه مسبقاً بها الإهداء التالي: «استمتعوا باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف».
ويمكننا أن نضيف إلى ذلك، إنشاء أكشاك للكتب والمجلات والصحف لقراءتها وإعادتها إلى نفس محلها في محطات شتى أنواع المواصلات، كمحطات النقل العام والمترو والمطارات، والوزارات والمؤسسات الحكومية الخدمية التي يراجعها جمهورٌ واسعٌ لإنجاز معاملاتهم، وكذلك المستشفيات والبنوك والمجمعات التجارية الكبرى.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: أين العرب من كل تلك النصائح الإرشادية التي حدّدتها «اليونسكو» للاحتفال باليوم العالمي للكتاب على مدى العقدين الماضيين تقريباً؟
باختصار شديد، إن تجاوب الدول العربية إعلامياً وتعليمياً، لترجمة تلك النصائح والإرشادات وتوعية الجمهور والمثقفين والطلبة، إما معدومٌ أو محدودٌ للغاية، يحدث ذلك في حين بات معروفاً الحال الكارثية التي تمرّ بها هذه الدول في الثقافة والقراءة وإنتاج مجتمع المعرفة.
وإذا ما استشهدنا بلغة الأرقام، فيكفي أن نعرف أنه في حين يقرأ العرب بمعدل وسطي لا يتجاوز 6 دقائق في السنة (حسب تقارير اليونسكو والتنمية الثقافية العربية) فإن الأوروبي يقرأ بمعدل 20 ساعة سنوياً. وأما عدد النسخ المطبوعة من كل عنوان فلا تتجاوز 2000 نسخة في عالم عربي يصل تعداده ما يقارب 360 مليوناً. أما على صعيد إصدار الكتب فإن مجموع ما تنشره الدول العربية مجتمعةً لا يتجاوز 5 آلاف عنوان، في حين مقارنتها بالولايات المتحدة فقط، فإن هذه تصدر 30 ألف عنوان في مختلف مناحي الثقافة.
كما يُلاحظ أن أغلب الكتب التي تجذب العرب هي كتب الأبراج والطبخ والخزعبلات والسحر والفكر الديني المتطرف سياسياً والمتزمت المغلق في فهم أفق الإسلام الرحب المستنير.
أما إذا أتينا إلى حقوق المؤلف ولا حرج لما يجرى من انتهاك حقوقه في إعادة طبع كتبه، وخصوصاً بعد رحيله، سواءً من دار النشر المتعاقد معه أو دور نشر أو جهات غير معلومة. كما أن ظواهر السرقات الأدبية والعلمية في إصدار الكتب والرسائل الجامعية تفشت في الدول العربية إلى درجة أصبحت شبه عادية ومن المسلمات. دع عنك السرقات في مجال الكتابات والدراسات الصحافية.
وبالإجمال يمكن القول إن ما مرت به الدول العربية من تدهور في الأوضاع السياسية الداخلية والإقليمية، واحتدام أزماتها الاقتصادية والبنيوية الاجتماعية، ناهيك عن انكباب شريحة واسعة من الشباب العربي على اقتناء وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، كل ذلك أفضى عملياً إلى تراجع رغبات وميول الجمهور للقراءة، ما دفع الناشرين إلى تقليص إصداراتهم الجديدة، وتقليل النسخ الصادرة منها ورفع أسعارها، تمشياً مع قانون العرض والطلب وارتفاع سعر الورق والشحن... إلخ.
وعلى الصعيد المحلي، فإن الآمال مازالت معقودةً على الدولة، ممثّلةً في وزارتي التربية والتعليم والإعلام وهيئة الثقافة، بأن تضطلع بمسئوليتها في ترجمة النصائح الإرشادية التي حدّدتها منظمة «اليونسكو» إلى آليات عملية، بما يليق بسمعة البحرين الثقافية والحضارية، عربياً وعالمياً، وخصوصاً فيما يتعلق بتشجيع ودعم الإصدارات المحلية للكتاب والمؤلفين، وتسهيل كل التدابير الممكنة بالتنسيق بين الجهات الرسمية المذكورة من جهة والمجتمعات المحلية وسائر مؤسسات المجتمع المدني لتحقيق هذه الغاية المنشودة من الاحتفالية العالمية بيوم الكتاب التي لازالت شبه مغيّبة في بلادنا، كسائر الدول العربية.
ولعل البادرة التي اتخذتها صحيفة «الوسط» بجعل فعاليات معرضها السنوي للكتب المستخدمة تحت شعار «الكتاب حقٌ للجميع»، بأن تتزامن فعالياته مع الاحتفالية العالمية السنوية ليوم الكتاب العالمي، هي بادرة موفقة وذات مغزى، تصبّ أيضاً في سياق الغايات المرجوة لطرق وأشكال الاحتفال باليوم العالمي للكتاب، ولاسيما بالنظر لما يمتاز به المعرض من تحقيق هدف مزدوج: أسعار كتبه الرمزية المنخفضة للغاية من جهة، وتخصيص ريعه لصالح الأعمال الخيرية للمجتمعات المحلية، بما يسهم في النهوض بأحوال أفرادها، ومن ضمنها أحوال الثقافة والعمل على مساعدة العائلات الفقيرة والمحدودة الدخل لشراء اللوازم المدرسية لأبنائها الطلبة.
ونرى أن تعاون المثقفين والمؤسسات الثقافية في المجتمع والدولة مع مثل هذه المبادرات، من خلال التبرع بالكتب الفائضة عن الحاجة، يُسهم في إنجاح مثل هذه المبادرات التي تتوافق مع مرامي وأهداف الاحتفالية العالمية ليوم الكتاب، وصولاً إلى استشراف وتطوير المزيد من مثل هذه المبادرات المتصلة بتعميم الكتاب كحقٍّ للجميع، وخلق كل الوسائل المناسبة لتوعية فئات المجتمع العمرية وخصوصاً الشباب... بأهمية القراءة والثقافة في حياة الإنسان.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 4609 - الإثنين 20 أبريل 2015م الموافق 01 رجب 1436هـ
فلنرتقي في اليوم العالمي للكتاب بمثلنا و اخلاقياتنا كعرب و مسلمين
ليت الامر توقف عند السرقات الفكرية الادبية
بات أمر الانسان في مجتمعنا غريبا ومخيفا لدرجة سرقة مقترحات زملائهم في العمل والتصرف بنرجسية و انانية متناهية غير مبالين لمشاعر زملائهم و غير مراعين لتعاليم الدين الاسلامي و سنة نبيه عليه أفضل الصلاة و ازكى السلام.
رسالتي لبلدي : شجعوا الكتاب والمؤلفين على الكتابة واصدار كتبهم في شتى المجالات ..فالطاقات البحرينية مهمشة جدا ...أطلقوا نتاج الفكر البحريني وحثوهم على اصدار وتاليف الكتب ودشنوها لهم بيوم الكتاب العالمي.
عبد علي البصري
كتب وكتب ومن يقرأ الكتب ؟؟؟؟