إن العمل الجاد لترسيخ العلاقات الإنسانية والاجتماعية بين أبناء البلد من الضروريات الوطنية، وترسيخها له انعكاسات إيجابية على كل مناحي الحياة المعيشية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية.
والمجتمعات التي تعاني من تفكّك في أواصرها الاجتماعية واضطراب في علاقاتها الإنسانية، فذلك بسبب انغماس أفرادها في البحث عن مصالحهم المادية، وعدم اعتبارهم العلاقات الاجتماعية من المرتكزات الوطنية الأساسية لبناء مجتمع مستقر متآلف، وأنها العامل الأبرز في تنمية المجتمع وتطويره في كل المجالات.
وقد ابتلي المجتمع بأصحاب الإيديولوجيات الطائفية الإقصائية، الذين يعملون بكل إمكانياتهم وقدراتهم، للإساءة إلى العلاقات الاجتماعية والإنسانية في مجتمعاتهم، من أجل الهيمنة بصورة واسعة على المواقع المتقدمة في الدوائر الرسمية المختلفة، وإزاحة أو تهميش أو إقصاء كل من يختلف معهم في منهجهم الإيديولوجي أو الانتماء الفكري أو المذهبي، لكي يتمكنوا من تحقيق مصالحهم الشخصية أو الفئوية على حساب المصالح الوطنية العليا، على رغم إدراكهم أن ممارساتهم العنصرية أو الطائفية، تسبب أزمات سياسية واقتصادية وأمنية خطيرة في البلاد، بدل أن يذهبوا بوطنهم إلى التنمية المستدامة والنهوض به في مختلف المجالات الخدمية والاقتصادية والسياسية، وفي ميادين العلم والتعليم والصحة والفن والرياضة والإعلام، والعمل على ترقية العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين مختلف مكونات المجتمع سبيلاً للانطلاق نحو تحقيق أهداف الوطن وطموحاته، ومحفزاً لزيادة الإنتاجية في كل المجالات.
في مثل حال العلاقات الاجتماعية في بلادنا التي أصيبت بالتصدع الكبير، يكون لزاماً على عقلاء الوطن أن يتحركوا في المجتمع الذي أصيبت علاقاته الإنسانية والاجتماعية بالتصدع، من أجل إصلاح ما تم تخريبه من العلاقات على أيدي أناس لا يضعون مصلحة الوطن من أولوياتهم الأساسية. ويجب على عقلاء البلد الاهتمام بصورة جدية برصد حال العلاقات الإنسانية في المجتمع عبر إجراء الدراسات والبحوث، وليس عبر الملاحظات العابرة أو التقديرات الشخصية المتسرعة وردود الأفعال النفسية غير المتزنة، التي عادةً ما تتأثر بالجوانب النفسية السلبية والأجواء المحيطة. كما أن عليهم إشاعة ثقافة التسامح والاختلاف المحمود في المجتمع، الذي إذا ما تم توظيفه جدّاً، فإنه يساعد على تحقيق نجاحات كبيرة للوطن في كل الميادين. وليس من الصالح العام ولا من مصلحة الوطن أن تبقى العلاقات الإنسانية والاجتماعية في المجتمع مضطربة وغير مستقرة نفسيّاً ومعنويّاً بين مكوناته الأساسية، فالأصوات التي تصر على إبقاء العلاقات متوترةً دائماً، بسبب انتمائها إلى جماعات ذات إيديولوجيات طائفية بغيضة، تقوم بإشاعة أوهام وهواجس ومبررات طائفية في أوساط الناس، ليس لها وجود في الواقع الاجتماعي وليست لها علاقة بالحقيقة. وكل ممارساتها السلبية تجاه المجتمع ناتجة عن تصوّرها بأن أي تلاحم وطني بين مكوّنات الوطن قد يؤثر على مواقعها السياسية والاقتصادية التي تشعر بأنها اكتسبتها بعيداً عن المعايير القانونية والحقوقية، فتجدهم يشنون هجمات إعلامية شرسة، ويعملون بكل الوسائل والطرق لعدم الأخذ بمبدأي تكافؤ الفرص والمواطنة المتساوية عند الحديث عن الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والوظيفية والبعثات والمنح الدراسية والترقيات والمكافآت والحوافز.
هؤلاء الانعزاليون المتمصلحون لا يريدون تشريع قانون يجرّم آفة «التمييز»؛ ولا يريدون محاسبة ومساءلة من يمارس التمييز بأي شكل؛ ولا يريدون العمل بمفهوم التمايز في التعيينات والتوظيف والترقيات، الذي يعطي لكل مجتهد حقه، ويجعل الأفضل في التأهيل والكفاءة والخبرة مقدّماً على كل من هو أقل منه تأهيلاً وكفاءةً وخبرةً.
إن المصيبة في الذين يرون أن معيار الانتماء العرقي أو الطائفي أو المذهبي مقدّمٌ على معايير المواطنة الحقيقية التي تحترم كفاءات وطاقات وخبرات الوطن، ومنهجيتهم في الحياة هي توتير العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين أبناء البلد الواحد، وينتقدون ويهاجمون عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمقالات والتصريحات والخطب، كل من ينادي بترسيخ العلاقات الإنسانية الإيجابية بين جميع فئات وأطياف المجتمع على أساس الاحترام المتبادل، ويتحسّسون كثيراً من كلّ الذين يطالبون بتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين، ويعارضون بشراسة تطبيق المبدأين الشرعيين المعمول بهما في كل الدول المتحضرة: المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص، ويرون في حال تطبيقهما أنهم سيصابون بالخسران المبين.
إن هؤلاء المتمصلحين كأنهم لا يفقهون أن ثقافة الانتقام ورفض الآخر لا يؤديان إلا إلى مزيدٍ من التراجعات في مختلف نواحي الحياة، وأنهما لا يصلحان الأمور ولا يطوّران البلاد، ولا يحقّقان للوطن التنمية المستدامة.
إن ما يحقّق الأمن الأهلي والرفاهية الاقتصادية والتنمية السياسية في البلاد هو الإخلاص للوطن والعمل في هذا السبيل على بنية وطنية صادقة، تراعي الشرع والقانون والعدل والإنصاف، وألا تتقدم المصالح الشخصية والفئوية على مصالح الوطن في الشدة والرخاء.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 4608 - الأحد 19 أبريل 2015م الموافق 29 جمادى الآخرة 1436هـ
مقال رائع
أصبح التمييز والاقصاء ع أساس المذهب يمارس بشكل واضح ف البلد بدون رادع حيث لا يوجد اعتماد المواطنة المتساوية والكفاءة ف كل جوانب الحياة العملية ف السياسة ، التوظيف، الترقيات ، تقلد المناصب العليا وغيرها.
مقال جميل وفي الصميم لما يعانيه الوطن من تفكك اجتماعي 0740
إذا كانت العلاقات الاجتماعية من المرتكزات الأساسية لبناء مجتمع مستقر ومتالف اذا ماذا سيكون حالنا مع من يتصدر المشهد السياسي وهم جميعاً لا يمكن ومن المستحيل أن تربطهم أي علاقة اجتماعية لا أعضاء وبالأخص رموزهم هذا الواقع المر الذي تعيشه البلد وبسببهم لاغيرهم هذا التفكك