الانشغال بمساحة الوطن وحدوده لا تأخذك بعيداً عنه. لحظتها أنت في امتداده وتحوُّلاته ومزاج مناخاته. أنتَ في تفاصيله التي ترى، وتلك التي تستعصي على الرؤية، سيدَّخرها لك.
والانشغال بتعريف الوطن، لا يحدُّ من قدرتك على الاحتفاظ بتعريفك الخاص به، وإن كان ساذجاً أو عفوياً؛ لكنه سيكون جميلاً أيضاً بقدرتك على الإمساك بتعريفك الخاص؛ بالنظر إليه ليس باعتباره مأوى عابراً؛ بل باعتباره بيتك المليء بالألفة، والوحشة أحياناً!
وأجمل الأوطان تلك التي تستعصي على التعريف بها، بقدرتها على التنوع والتغيُّر، بمعنى أن تكون عصيَّة على القبض على المُحدَّد فيها، بحركتها الدائمة، وقدرتها على مفاجأتك بالجميل والمبهر كلما صحوت من النوم... كلما ذهب إلى النوم؛ دون أن يعني أنك ستكون مُحصَّناً من الخيبة فيه.
وبالإصرار على إيجاد تعريف لوطن كل منا، علينا أن نكتشف تعريفاً حقيقياً ومن دون مناورة لـ «أنا» كل منا. فإن لم تشبه وطنك في الأساس من ملامحه وامتداده وتحوُّلاته؛ وحتى مزاجه، فستكون ضيف العبث، وابناً للمؤقت.
وضيوف العبث يبعثون على السأم، ويصيبون من وما حولهم بضجر مُقيم.
وليس اكتشافاً أن أحد التعريفات للوطن: ألاَّ تنسى؛ وأن تكون أنتَ، في الوقت الذي يجب فيه أن يكون الوطن أنتَ أيضاً. وعلينا أن نتيقن في البسيط والضروري من الأداة التي تبقينا نتنفس حركتنا وقيمتنا والمعنى الذي نستلُّه من المعاناة والمكابدات والذهاب العميق في المحاولة. محاولة فهم هذا الارتباط الذي لا يشبه أي حبل سري أو مكشوف، على رغم وجبات الإهانات والتحقير في أوطان هي رهن السطوة، والغل والاستعداد المفتوح لتعمير مواطن النعي والجنازات. على رغم كل ذلك؛ ولو بلغ الأمر الوصولَ إلى قناعة في الذهن والحسِّ والتجربة، أن مثل تلك الأوطان اختفتْ ... قست... تنكَّرتْ؛ سنجد في الحب وطناً.
الوطن ليس متكئاً. إنك قامته، وهو قامتك. ليس الفراغ. إنه الانشغال به. ليس الوهم إنه مرآتك للحقيقة. ليس نسياناً. إنه ذاكرتك. ليس سجنك الانفرادي. إنه نديمك وسميرك، وتفاصيل طفولتك الأولى وصولاً إلى وقارك الذي يحب، وهو كل ذلك أحياناً.
الوطن أن يكون ذاكرتك في الذهول؛ وبفقدانه لا ذاكرة لك، ذلك ما علمتنا إياه الحروب، وما تنتجه من تشطير وتشظٍ وارتهان إلى المجهول، و «المجهول» لا ذاكرة له؛ ولأن الوطن «معلوم».
ليس الوطن محطة انتظار وهو النبض، وليس فكرة وهو الشاهد في صلابته، وليس عبوراً وهو بيتك، وليس مزاجاً وهو الأمومة في السهر والليل الطويل، وليس وهْماً وهو أنتَ في سعيك لكي تكون منتبهاً؛ لتكتشف أن انتباهك مُستمدٌّ منه. والذين يشترون أوطاناً هم أكثر استعداداً لبيع كل شيء. أن تشتري وطناً؛ ذلك يعني فك ارتباطك بالروح، وفك الارتباط بالروح أشد بشاعة من الموت بمراحل!
والذين يتاجرون في أوطانهم بيعاً هم في ما بعد الموت بمراحل؛ بل هم في بيت العدم وموطنه.
والوطن أن تظل في مساحة الافتراض بأنه يتألم ولو ناور بالضدِّ؛ عليك أن تكون مُهيَّئاً لألم حقيقي وواقعي ينأى عن الافتراض؛ كي تفحمه لمرة واحدة؛ ولن تتاح لك فرصة أخرى للانهماك بذلك الحقيقي والواقعي، فدائماً ما يتولى الوطن ذلك الدور، وتلك هي مهمته!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4599 - الجمعة 10 أبريل 2015م الموافق 20 جمادى الآخرة 1436هـ
من
من اشياء المضحكه فى هاده البلد انه اى واحد يطالب بحقوقه يعتبر خاين وانه باع الوطن ... المشتكى لله
بيع و شراء !!!
الحكمة تُساق ببداهة يفقهها من يُرَوءا غافلين قبل النابهين ، قطعاً " الذين يشترون أوطاناً هم أكثر استعداداً لبيع كل شيء." هم غدا بائعو ما اشتروه بثمن أبخس مما اشتروا به ، لأنّ من يبيع وطنه فقد خان روحه التي هي ماهيَتَه ، و خان معنى كيانه ، ألم يقل بدر شاكر السياب "
أيخون انسان بلاده ؟
إن خان معني ان يكون فكيف يمكن أن يكون ؟! "