خلصنا في الحلقة الثالثة من سلسلة المقالات التي تتناول كتاب الباحث والمفكِّر العراقي، هادي العلوي «من تاريخ التعذيب في الإسلام»، إلى ما تناولناه من إشكالات لا ترتبط بالعنوان فقط، بل بالخلط الذي ظل يكرّره في كثيرٍ من فصول كتابه، وانتقاء الشواهد من مصادر تخدم المسار الذي اختطه لكتابه. وبسرد طرق وأساليب الإعدام والتعذيب، علينا أن نعرف أن العذاب أو التعذيب لا يتوقف عند الذي يُمارس أو يُنفذ عليه؛ بل يطول الذين من حوله، ممن يرتبط بهم ولو بعلاقة عاطفة؛ عدا الرحم والقرابة والنسب.
ومن أساليب التعذيب التي وإن لم تكن شائعة مع بداية تبلور الدولة والكيان الإسلامي، وصولاً به إلى الملْك العضوض، الإعدام حرقاً، وفي ذلك تفصيل يُورده كل من الطبري في تاريخه، الجزء الثاني، الصفحات: 488، 490، 491، وكذلك ابن النديم في «الفهرست». ويشير العلوي إلى ما فعله أبوجعفر المنصور، بإعدام عبدالله بن المقفَّع «حرقاً بأمر سفيان بن معاوية أحد ولاة المنصور». ولنا من الشواهد في عصرنا وقبل شهور شاهداً له امتداده الذي تم تأصيله وتثبيته وجعله أداةً من أدوات الإسكات والصراع والمواجهة.
انتهج العباسيون سياسة تحديث للتعذيب - إذا صح التعبير - بتتبُّع آخر صوره وأساليبه، فبعد الحرق دفعة واحدة الذي اتبعه السابقون لهم، وجدوا في الشيِّ فاعليةً وأثراً في نفوس وقلوب معارضيهم؛ وحتى معارضيهم الافتراضيين!
ويرتكز العلوي على رواية الطبري التي ذكرها في الجزء الثامن من تاريخه الصفحة 165، وما فعله المعتضد «بحق محمد بن الحسن المعروف بشيلمة، أحد قادة الزنج في البصرة. وكان المعتضد قد أعطاه الأمان ثم اكتشف أنه يواصل نشاطه المعادي سراً فأمر بنار فأوقدت ثم شُدَّ على خشبة من خشب الخِيَم، وأدير على النار كما يُدار الشواء حتى تقطَّع جلده، ثم ضربت عنقه». ويتبعها برواية حرق نصراني في سوق الخيل بأمرٍ من نائب دمشق للمنصور بن قلاوون والتي يذكرها ابن كثير في «البداية والنهاية»، وُجد يشرب الخمر مع مسلمة في نهار رمضان؛ فيما حكم بجلْد المرأة.
في تعدُّد أساليب التعذيب، إظهار للسيطرة على أداة من أدوات الصراع والترهيب، وفي تعدُّده ذهاب حتى نهاية الشوط في ضرب المُثُل والقيم عرض أكثر من حائط، وفيه محاولة لإخضاع البشر لمجموعات كل إمكاناتها الفارقة تتحدد في المال والسطوة والغلبة بحد السيف.
إلا أن لتعدُّد أساليب التعذيب معنى وشكلاً آخر يتحدَّدان في اجتماع أكثر من طريقة تمارس على المُعذَّب. وأغلب شواهد العلوي في هذا الصدد القرامطة الذين لم تُترَك طريقة تم الاهتداء إليها لم تجرَّب على المنتسبين لهم وخصوصاً من القادة، ومن ذلك ما تعرَّض له ابن أبي الفوارس بأمر المعتضد بحسب ما أورده الطبري في الجزء الثامن، الصفحة 207 «... ثم قلعت أضراسه أولاً، ثم خلعت إحدى يديه بشدِّها إلى بكَرَة متحركة. قطعت يداه ورجلاه في الصباح وقطع رأسه وصلب في الجانب الشرقي من بغداد، وحُملت جثته بعد أيام إلى محلَّة تدعى الياسرية كانت تعلَّق فيها جثث القرامطة ليصلب معهم».
ثمة من مستشاري السوء والبطانة من ابتكر من أساليب وطرق التعذيب الكثير، ولا يمكن لمن له أدنى إحاطة ودراية بالتاريخ أن يغفل الدور الذي لعبه وزيرُ الواثق، محمد بن عبدالملك الزيّات، بابتكاره التنُّور المصنوع من خشب تخرج منه مسامير حادة وفي وسطه خشبة معترضة يجلس عليها المُعذَّب، لتدور الأيام ويكون أحد المُعذَّبين بها، بعد عزله في زمن المتوكل، والرواية مستفيضة كما يذكرها تاريخ الطبري في الجزء السابع.
ويسرد العلوي أشكالاً للتعذيب ، مما لا تلتزم «نسقاً واحداً أو تصميماً متبعاً»، ومنه القتل بالطشت المحميِّ، وكان من نصيب عبدالحميد الكاتب زمن السفاح العباسي، وقبض عليه زمن آخر خلفاء الأمويين مروان بن محمد الملقب بـ «الحمار»، إذ تم إحماء الطشت ووضعه على رأسه إلى أن مات. وقتل مروان بن محمد بالنُّورة بوضع رأسه في جراب مليء به وشدِّه بإحكام، إلى أن مات مختنقاً.
ومن الأساليب تلك «النفخ بالنمل»، وحدث ذلك حين استخفَّ والي خراسان، سعيد بن عمر الحرشي، بأوامر حاكم العراق، عمر بن هبيرة، فعمد إلى نفخ النمل في بطنه، ومرجع ذلك الطبري في الجزء الخامس من تاريخه.
ومن ذلك التعطيش، وهو ما ذكره ابن كثير، في ما حدث لخفاجة التي هجمت على الحُجَّاج، وحين ظفر الوزير البويهي فخر الملك بقائدهم وأركانه أمر بصلبهم على مسيل ماء بحيث يرونه ولا يصلون إليه حتى ماتوا عطشاً.
وتصعب الإحاطة بذلك الخيال الذي لا حدود له. الخيال في حدود العبث بالحياة والأنفس. الأمثلة والشواهد يصعب حصرها والوقوف على نهايات لها، لكن من ضمن ذلك التعدد ما ذكره أبوحامد الغزَّالي في «إحياء علوم الدِّين»، ومما يستشهد به العلوي في كتابه، أن «عبدالملك بن مروان خطب ابنة التابعي سعيد بن المسيَّب، وكانت مشهورة بجمالها، لابنه الوليد، فرفض سعيد لورعه ومعارضته لسياسة الأمويين، فأمر عبدالملك بتأديبه فضرب مئة سوط في يوم بارد، وأُلبس جبَّة صوف ثم صُبَّتْ عليه جرَّة ماء بارد».
ومن أشكاله، التكسير بالعيدان الغليظة، وقرْض اللحم بالمقاريض حتى الموت، وإخراج الروح من طريق الدُبُر بدفن الرأس، وقلع الأظافر، كما حدث لعمارة الكلبي بأمر من هشام بن عبدالملك، والتعذيب بالقصب، والتعذيب الجنسي، ولذلك تناول نأتي عليه. وللحديث تتمَّة.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4594 - الأحد 05 أبريل 2015م الموافق 15 جمادى الآخرة 1436هـ
العجب من تقديس الماضي!
أتعجب من البرمجة التي تمت للمجتمع الإسلامي بحيث صار يرى الماضي كأنه نور خالص و سيرة مثلى لا تشوبها شائبة! المجتمع كله يحتاج لعلاج نفساني لحل هذه العقدة.
........
القوم أبناء القوم ما تغير شي نفس الاشباه ونفس السياسة
عبدالله
ياليتك تتطرق لمن يعبث بامن الوطن ويعتدى على رجال الامن
بو فهد
ممكن تشرح ماذا تقصد بكلمة "عبث" بإمن الوطن... لان اذا انت شايف ان حرق إطار في الشارع أو كتابة كلمات سياسية على الجدران عبث بالأمن، فماذا تسمي من يلبس لبس رجل الامن وهو يعبث بالمواطن نفسه سواء بالضرب او السرقة او الاعتداء او الدخول من دون تصريح في بيوت الناس من دون تصاريح؟؟؟؟؟
سيأتي اليوم الذي تكون فيه محل هؤلاء، وسنرى كيف سيكون شعورك لو كان لديك طفل قتيل واخت في السجن وأخ غريب واب مسحوبه جنسيته