يتطرق برنامج عمل الحكومة لسنوات 2015 ـ 2018 إلى استدامة الخدمات الصحية من خلال «العمل على تنفيذ مشروع للضمان الصحي، يضمن تحسين خيارات المواطنين والمقيمين بين المؤسسات العلاجية الحكومية والأهلية». فما هو مضمون قرار وزارة الصحة؟ وما هو موقف أصحاب العمل والعمال من مشروع الرعاية الصحية؟ وما هي تجارب الدول الأخرى في هذا المجال؟
مضمون قرار وزارة الصحة
أصدر وزير الصحة القرار رقم (29) لسنة 2014 بشأن تحديد وتنظيم الرعاية الصحية في الكشف الطبي على العمال، وإجراء التحاليل المخبرية وصور الأشعة، وتقديم الأدوية اللازمة للعلاج خارج المركز الصحي، والرعاية الأولية للأمومة للعاملات أثناء الحمل وبعد الولادة، وتحصين العمال ضد الأمراض السارية، والعمليات الجراحية البسيطة التي تجري في المراكز الصحية بالرعاية الأولية، وعلاجات الأسنان البسيطة وتشمل حالات الخلع والحشوات.
ويلزم القرار صاحب العمل بالاشتراك في نظام الرعاية الصحية الأساسية إما عن طريق التعاقد مع إحدى شركات التأمين الصحي المرخص لها بالعمل، أو إنشاء وحدة طبية متكاملة بالمنشأة مرخص لها بممارسة النشاط الطبي من قبل الهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية، وعند التعاقد مع شركات التأمين الصحي الخاصة يلتزم صاحب العمل أن تشمل المظلة الصحية التأمينية علاج الأمراض الحادة والمزمنة، والمعاينة والتشخيص والفحص الإكلينيكي والمخبري والأشعة والأدوية والعلاج الطبيعي، وفي حال توجه صاحب العمل لخدمات الحكومة يلتزم صاحب العمل دفع مبلغ 72 ديناراً سنوياً عن كل عامل غير بحريني، و22.5 ديناراً سنوياً عن كل عامل بحريني، وذلك عن طريق الدفع لهيئة تنظيم سوق العمل للعمال غير البحرينيين، وللهيئة العامة للتأمين الاجتماعي بالنسبة للعمال البحرينيين.
ويتضح من قرار وزير الصحة جملة من الملاحظات أرى ضرورة تسجيلها:
أولاً: إن الصورة التي خرج بها قرار وزير الصحة، يؤشر إلى أنه قرار متسرع لم يخضع للدراسة الكافية حتى على مستوى الحكومة نفسها، ومرد ذلك التوجيهات التي أصدرها رئاسة الوزارة لاجتماع بين وزارة الصحة وغرفة تجارة وصناعة البحرين.
ثانياً: يتضح من القرار عدم شموله للعمال والموظفين العاملين في القطاع الحكومي وكذلك المتقاعدين، باعتبار أن وزارة الصحة تقدم الرعاية الصحية الأولية مجاناً للبحرينيين، ومع ذلك تم تمييز البحرينيين العاملين في القطاع الخاص بدفع صاحب العمل تكاليف علاجهم، وبشكل عام فإن هذا القرار لن يرتقي إلى مستوى التأمين الصحي المطلوب أسوةً ببعض الدول الأخرى التي سنقدم تجاربها في هذا المقال.
ثالثاً: لم تتضح الصورة بالنسبة لشمول الزوار للبحرين على الرعاية الصحية المطلوبة رغم الاجتماعات التي عقدت بين وزارة الصحة وإدارة الهجرة والجوازات.
رابعاً: ماذا عن العمالة المنزلية، وهي من الفئات المشمولة ببعض أحكام قانون العمل، هل سيطبق عليها هذا النظام مستقبلاً؟
موقف أصحاب العمل والعمال من المشروع
بالنسبة لأصحاب العمل، فقد أصدرت غرفة تجارة وصناعة البحرين بياناً في 7 يناير/ كانون الثاني 2015، طالبت فيه بإعادة النظر في تطبيق قرار وزارة الصحة المتقدم ذكره، بسبب عدم التشاور مع الغرفة، وضرورة التنسيق معها في تعديل بعض مواد هذا القرار بما يحفظ حقوق جميع أطراف الإنتاج، حيث أن القرار لا ينصف القطاع الخاص بل سيشكّل زيادةً في الأعباء المالية على أصحاب العمل، وسيكون له تأثير سلبي على قطاع الأعمال. وأكدت الغرفة بأن تكاليف رسوم الاشتراك في الرعاية الصحية لم تراعي الاعتبارات الاقتصادية التي تحكم العملية الإنتاجية برمتها، وأن هذه الأعباء المالية سوف تكبد المنشآت الصغيرة والمتوسطة خسائر كبيرة، وأوضحت بأن معظم الشركات الكبرى تقدّم تأميناً صحياً لموظفيها ووجود عيادات طبية فيها.
وواضح إن بعض مبررات أصحاب العمل صحيحة، منها التمييز بين البحرينيين العاملين في القطاع الخاص والذي فرض القرار دفع رسوم لعلاجهم، والعاملين البحرينيين في القطاع الحكومي الذي لم تدفع الحكومة الرسوم نفسها عليهم، وإن هذا التمييز يتعارض مع نص الدستور الذي يلزم بمجانية العلاج للمواطنين وعلى نفقة الدولة. وصحيحٌ مبرّرهم بالنسبة للعمال الأجانب حيث يدفعون رسوم الخدمات الصحية مقابل عدم حصول العامل الأجنبي على العلاج المناسب في المركز الصحي الوحيد (مركز الرازي)، والضغط الكبير عليه، ما يعطّل إنهاء العلاج لساعات طويلة من وقت العمل.
أما بالنسبة لموقف العمال، وحسب تصريح الأمين العام المساعد للحماية الاجتماعية بالاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، فإنه يطالب بحصول العمال على التأمين الصحي، مع أهمية التشاور بين أطراف الإنتاج الثلاثة عند صدور قرارات تمس سوق العمل.
التجارب العالمية
نستعرض هنا بعض التجارب في عدد من دول العالم في هذا المجال، من واقع الموقع الإلكتروني www.kau.edu.sa
الولايات المتحدة الأميركية
يعد نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأميركية أضخم الأنظمة الصحية على مستوى العالم، ويضم نحو 8000 مستشفى معظمها عامة، ويعتمد النظام أساساً على التأمين الصحي الخاص إلى جانب تأمين حكومي لفئات معينة. وبالنسبة للتأمين الحكومي للمسنين والمعوقين فإنه يموّل عن طريق الضرائب ويمثل الإنفاق عليه 19 % من الإنفاق الحكومي، إضافةً إلى توفير الرعاية الصحية للفقراء والعاطلين عن العمل ويموّل من الحكومة الأميركية.
ويعتمد النظام الصحي الأميركي على سوق التأمين الصحي الحر، ولا يوجد فيها التأمين الصحي الوطني الإلزامي كما هو سائد في أوروبا وذلك بالنسبة للتأمين الصحي الأهلي، حيث يوجد عدد كبير من شركات التأمين التي توفر الرعاية الصحية بأنواعها الأولية كالمستوصفات والعيادات الطبية، والثانوية كالمستشفيات العامة، والمتقدمة كالمستشفيات التخصصية.
وعن طريقة تمويل هذا التأمين الصحي الأهلي يقوم المواطن بالادخار الفردي الشخصي، حيث يتم استقطاع نسبة مئوية من راتبه الشهري لجميع العاملين لمن هم أقل من 35 سنة بنسبة 6 % من رواتبهم، ومن هم فوق 45 سنة يتم استقطاع 8 %.
وواضحٌ من نظام التأمين الصحي الأميركي بأنه تنعدم النظرة إلى الرعاية الصحية كأحد الحقوق المدنية للمواطنين، حيث يعتمد أساساً على التأمين الصحي الخاص مع مساعدة حكومية فيدرالية لغير القادرين (Medicaid) وكبار السن فوق 65 سنة وذوي العجز الخطير (Medicare) والمتقاعدين من المحاربين القدامى (VA) والذي يتولى أمر الإنفاق الصحي عليهم من القوات المسلحة.
ونظراً للارتفاع الحاد في تكاليف الخدمات الصحية ظهرت عدة مشاريع للرعاية الصحية المدارة اقتصادياً لتحلّ محل التأمين الصحي التقليدي، مثل منظمات الحفاظ على الصحة، حيث توفر من خلالها خدمات شاملة للمشتركين بأسعار محدودة مسبقاً. وحسب التقارير فإنها أثبت فعاليتها في ضبط التزايد المطرد في أسعار الخدمات الصحية مقارنةً بالطرق التقليدية. وهناك نوع آخر من المنظمات التي تسمى منظمات الرعاية المفضلة، حيث تمنح المشتركين الفرصة للاختيار بين عدد من مقدّمي الخدمة ويكون الدفع في مقابل الخدمة، وتكون أسعارها أقل في حالة مراجعة المرضى لأطباء ومستشفيات معينة.
ورغم كل هذه المشاريع إلا أن الذين لا تتم تغطيتهم بإحدى الطرق أو بالتأمين الخاص، يتعرضون لمخاطر صحية شديدة، حيث يوجد أكثر من 35 مليون أميركي دون أية تغطية تأمينية صحية.
وقد برزت خلافات واضحة بين الأميركيين ـ وبالأخص أصحاب العمل ـ حول بعض الأنظمة التأمينية التي حاولت الحكومة فرضها مثل نظام تأمين خاص إلزامي يوفّره أرباب العمل لموظفيهم، أو دفع ضريبة على الدخل للأفراد، إضافةً إلى التأمين الحكومي الذي سبق ذكره.
دولة قطر
يكشف الموقع الالكتروني للحملة الترويجية لنظام التأمين الصحي في قطر، والذي يأتي ضمن الاستراتيجية الوطنية للصحة في دولة قطر، عن مشروع التأمين الصحي بأنه نظام يوفر تغطية للتأمين الصحي الأساسي الإلزامي من خلال شبكة من مزوّدي الرعاية الصحية من القطاعين العام والخاص. ويدار هذا النظام من قبل الشركة الوطنية للنظام الصحي (صحة)، وهي شركة مملوكة للحكومة القطرية، وتتيح «صحة» الحرية في اختيار مزود الخدمة من بين مختلف مزوّدي الرعاية الصحية من القطاعين العام والخاص، وذلك حسب احتياجات الناس ورغباتهم، حيث توجد ثلاث مستشفيات حكومية، والمستشفيات التابعة لمؤسسة حمد الطبية وعددها ثمان مستشفيات، والعيادات والمجمعات الطبية الخاصة وعددها حوالي 45 عيادة ومجمعاً، إضافةً إلى مزوّدي خدمات الأسنان وعددها 93 عيادة ومجمعاً، ومزوّدي خدمات البصريات وعددها 26 عيادة ومجمعاً، فضلاً عن مركزين لإعادة التأهيل والعلاج الطبيعي.
وقد تم إطلاق المرحلة الأولى من النظام في يوليو/ تموز 2013، حيث يغطّي الإناث القطريات من سن 12 عاماً وما فوق، ويحصلن على تغطية شاملة لخدمات الأمومة والتوليد وطب النساء والخدمات الأخرى المتعلقة بصحة المرأة. وشهدت المرحلة الثانية تغطية الاحتياجات الصحية الأساسية لكافة المواطنين والمواطنات بدءاً من 30 أبريل/ نيسان 2014.
وتغطي الحكومة القطرية تكاليف التأمين الصحي للمواطنين، ويتم تمويل النظام بالنسبة للأجانب من خلال الكفيل أو صاحب العمل، حيث يتم دفع أقساط المؤمن عليهم من العاملين، ويتم إشراك المقيمين عند إصدار أو تجديد تصاريح الإقامة بحيث يقوم الكفيل أو جهة العمل بدفع القسط المترتب على التأمين. أما زوار قطر فيشملهم التأمين عند إصدار التأشيرة، ويترتب على ذلك دفع رسوم محددة تتناسب مع طول فترة زيارتهم أو إقامتهم في قطر.
ويعمل نظام التأمين الصحي الاجتماعي بالتعاون مع مؤسسات التأمين الصحي في القطاع الخاص إلى حين اكتمال مرحلته الثالثة في نهاية العام 2015، وحتى يعلن المجلس الأعلى للصحة، بصفته الجهة التشريعية المسئولة، عن عدم السماح بازدواجية التأمين الصحي عند إطلاق كل مرحلة. وقد أعلن المجلس الأعلى للصحة في نشرة له مؤخراً بعدم السماح بازدواجية التأمين الصحي للخدمات الصحية للمواطنات المشمولات في المرحلة الأولى من نظام التأمين الصحي الاجتماعي.
ولنا وقفة أخرى نستكمل من خلالها تجارب دول أخرى للوصول إلى أفضل أنواع التأمين الصحي التي تتناسب والبنية الاقتصادية والاجتماعية في البحرين.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"العدد 4589 - الثلثاء 31 مارس 2015م الموافق 10 جمادى الآخرة 1436هـ
غرفة سي، رعاية صحية ولا في الجنة
غرفة سي في طوارئ السلمانية زورها الساعة 4 الى6 العصر وشوف الرعاية على مستوى حتى في أفقر بلدان أفريقيا مافي مثل هذي الفوضى والإهمال والعذاب، إذا المريض حصل على سرير فهو محظوظ جدا. فما بالك باقي الأمر!
احسنت أ . عبدالله
بحث رائع يسلط الضوء على أنظمة التأمين الصحي ، الشكر موصول لك سيدي على هذا الجهد البشري المتميز
شكرا لكم الاخ العزيز عبدالله موضوع جدا مهم للثقافة الرعاية الصحية
بصراحة اكثر المواطنين غير مطلعين على حقوقهم وواجباتهم الصحية ونستثنيي المختصين والحقوقين امثالكم ، شكرا جزيلا لكم والرجاء الإستمرار و طرح موضوعات اخرى ، والشكر كذلك موصول لاسرة الوسط .