أسمع كثيراً عن آهات الأمهات المُلتاعات في التعامل مع عيالهن كباراً وصغاراً، وكيف أن الحياة أصبحت شديدة التعقيد والكل مشغولٌ بأجهزته الإلكترونية ممن لا يتسع وقتهم للرد على سؤالٍ أو استفهام للأم المسكينة، ناهيك إذا ماَ طلَبت منهم عمل شيء، فهو من رابع المستحيلات، ويبدو أن الكثير من الآباء لم يحتملوا تلك الضغوط العصرية، فهربوا من المكان والزمان (واشتروا دماغهم) بانشغالهم بعيداً عن البيوت سواء كان صحيحاً أم بسبب ضعف الشخصية وعدم القدره على تحمل مسئولية الأعباء العائلية، وتركوا الأم وحيدة تنهكها المسئوليات والهموم والأوجاع، النفسية والجسدية مع تصرفات بعض الأبناء الجنونية (وحيث إن الجنة تحت أقدام الأمهات) فيبدو أن بعض العائلات قد أقرت بأنه لا بأس من أن تتألم الأم في الدنيا، إذا ما وراءها الجنة في الآخرة.
ودعوني آخذكم مع إحدى القصص الغريبة والتي يحاول بها أبناؤنا تقليد الغرب، وبكل رعونةٍ وغباء، ضاربين بعرض الحائط كل العادات والتقاليد بِرُمتها.
تحكي متحدثتي أنه بعد تخرُج ابنها وعودته من الغرب تغيرت طباع ذلك الحنون والهادئ، إلى إنسانٍ غريب، سريع الغضب عصبي المزاج، وبعد فترة وجيزة قرر الخروج من المنزل والعيش وحيداً، ولم يجعل للوالدين الخَيار سوى الموافقة لما يريد، على رغم أنه الولد الأكبر وهم في حاجة لمن يرعاهم وإخوته الصغار في الأيام الصعبة مع الكِبَر في السِن، المُهم بعد سنوات طويلة من العزوبية قرر الزواج، واختار عروسه من الإنترنت.
وطلب منا لقاء عائلتها في المطعم، وعلى رغم أنهم يعيشون في منزلٍ جميل، وبعد ساعة واحدة من جلوسهم لتناول العشاء قرر الابن بأنه يريد العودة لبيته لأن ربعه ينتظرونه لمشاهدة المباريات، واعترضت الأم وطلبت الجلوس مدة أطول، حيث لم يتسنَّ لهم التعارف لانشغالهم بالأكل، ولكنه لم يعبأ بما تريد، وشجعه الأب على ذلك بل وأضاف أنا أيضاً أتابع الكرويات، غادروا المطعم وفي قلب الأم غصة وانزعاج لَفرضه مثل ذلك اللقاء الغريب والمغادرة المُبكرة.
وتواصل محدثتي حينما طلبت والدته إعطاءها رقم والدة العروس لدعوتهم إلى البيت للمجاملة كعادة مجتمعاتنا، فوجئت برفضه بل وطلب منها عدم الاتصال بتاتاً،، كي لا تُحرجه وأن لا تشغل بالها بخصوصياته (أنا اللي باتزوج انتي شعليچ؟) وعبثاً حاولت أن تُفهمه أن الزواج في مجتمعاتنا هو زواج عائلتين وأنه مُخطئٌ فيما يراه ولكن لا حياةً لمن تُنادي، فلم تفهم قصده واعتقدت بأنه قد بالغ في رفضه السخيف، المهم أنها حصلت على الرقم واتصلت بأم العروس لدعوتها للعشاء، وحين علم بذلك استشاط غضباً وصُراخاً، وقام بإلغاء الدعوة، تلك الأم الحنون والتي أفنت حياتها في تربيته وإخوته وحمَلته وهناً على وهن وأرضعته واحتفلت معه بنجاحاته وأعياد ميلاده، ومعه في أدق تفاصيل حياته وأزماته، تتساءل كيف له أن يكون بتلك القسوة، كيف له أن ينسى ويتنكر لكل ما عملناه؟ وتتوالى المفاجآت، ويقرر أن الزواج بمفردهما، ومن دون أي احتفالٍ لإشراك العائلتين، وتم إرسال الدعوة لمعارف العروسين فقط وباسميهما الأولين، غرابة لم نعهدها.
وتأتي المُفاجأة الأخيرة، بأنه عاش مع زوجته لمدة ثلاثة أعوام فقط بعيداً تماماً عن الأهل وأنجبا طفلاً واحداً وكانت حياتهم مليئة بالخلافات والمشاحنات، انتهت بالطلاق ليعيش الطفل في حضانة الأم، وعاد هو ليعيش مع أهله، نادماً على كل أفعاله وتصرفاته مع عائلته.
وعلى رغم كل الآلام فتحت عائلته والأم بالذات ذراعيها واحتضنته كالطفل الصغير (قائلة ما علييه يا يُمه الحياة كُلها تجارب) وبذا كانت تجربته الصعبة والمَريرة وأمثاله الكثيرون ممن لم يُدركوا الحقائق الأساسية للحياة فضاعوا وأضاعوا عائلاتهم، ويبقى قلب الأم أبداً صامداً أبد الدهر لا يتغير.
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 4586 - السبت 28 مارس 2015م الموافق 07 جمادى الآخرة 1436هـ
صدگت دكتورة
مااصدگ مقالتك دكتورو واشلون تلمسين الواقع المرير وباسلوب رقيق وقصصي شيق الله يعطيچ الف عافيه
مقال في الصميم ورائع
اي والله صادقين هم رفقاء السؤ والله ولكن اعتقادهم ان الغرب اكثر تقدماً لانه فيها كل المراجع التكنولوجية والعلوم وتفكك عالمنا العربي يفكرون اذا غيروا جلدتهم وسايروا الحضارة الزائفه راح يصيرون احسن من عندنا لكن الدنيا بتعلمهم بعد اكل الصفعات واللي ماقدروا الاهل يغرسونه فيهم يأدبه الزمان وشكراً يادكتورة على كشف المستور وابراز الحقائق العائليه الموجعة والله
الله يعين الامهات
لهذا حذرنا الاسلام من رفقاء السوء
لو ربت الام و تعبت على افضل القيم تغرسها
لينحرف بمجرد اتباع الابن لصديق السوء
و الابن في القصة تغيير فقط لأنه مكث في الغرب لمدة فتغير تفكيره
دواه عندي
تمبون الصراحة لوختها ؟ فعلا الام والأب هم السبب وتدليعهم الزايد للولد هو الذي افسده والله لوهم اول شي ناصحينه واذا مافعله النصيحة طراقين واذا مافعلوا لطراقات هوز اسود على ظهره يأكل لحمة ويكسر عظامته شوف بعدها يتأدب لولا وفكونا من لهرار مال هالزمن عقلية الطفل تغيرت والتكنلوجيا. والانترنت والحچي الفاضي
تضرب رجال وش قده
رجال وش قده تضربه بتكون النتيجة عكسية...
التغير صار عقب ما رجع من دراسته وكان سابقا على غير تلك الحال
اتوقع دعاء امه خلاه يعود للصواب
لا ألومهم
لا ألوم الأم ولا ألوم الأب. من واقع تجربة ومعرفة، الكثير من الابناء تربوا أحسن تربية وكان التوازن حاضرا في الدلع والعقاب، ولكن بعد بلوغ الابن ذلك السن الحرج ومع انخراطه في المجتمع ومع كل تلك التغيرات التي يمر بها والافراد التي يتعرف عليها، لا ألوم إلا ذلك الابن الذي ضرب عرض الحائط كل تلك القيم التي تربى عليها، فلنكن منصفين فيمن نلوم.
ليش دايماً الام
انا اختلف معاج ان الام السبب ليش وين الابو ليش ماله كلمه ويوافق الابن دايماً انساب الرجال وترك كل العبء على الام هو المشكله
المجتمع، والأجهزة الألكترونية
شكراً للمقالة أستاذة، هذه هي مشكلة هذا الجيل، و لا دخل للأهل فيه، فإذا احسن الابوين التربية، ما ذنبهم بخيارات الأبن المحتمعية، والبيئية المحيطة به، و انا كأم و للتو عندي أبناء صغار، أحاول ان اوفر لهم كل ما استطيع كي لا يحسوا بالتقصير، من ناحية أخرى اصبحت الأجهزة الألكترونية في مجتمعنا بالمطالع، ولد خاله ولد عمه عنده اشتر اليه!! هو مو أحسن من هم؟؟ بهذه العقلية اسمع وارى، والحمد لله لدى اطفالي اجهزة و لا يستخدمونها بسبب اشغالهم و اشراكهم في الحياة المجتمعية، والحديث عن هذا يطول.
التربية
الخلل في التربية الاولى حيث نعلم ابناءنا على الدلع والتمرد ثم نبكي على سوءاتنا. اختي سهيلة هذه القصة مشكلتها كانت الام بالدرجة الاولى.