الكلمة المنطوقة والمكتوبة وما يصاحبها من أفعال، تستدعي الحديث عن مدى ارتباطها بالأخلاق. والأخلاق منظومةٌ من مبادئ وقيم، أقرتها وحضت عليها جميع الديانات السماوية، وكذلك القوانين الوضعية، لما لها من تأثير مباشر أو غير مباشر على رقي المجتمعات وتحضرها، حيث المؤمل أن تكون نتيجة اتباع هذه المنظومة إسعاد البشرية.
ويتضح معنى الأخلاق من خلال عدة أسس ومعايير، أهمها قول الحق والابتعاد عن الكذب والخداع والتضليل. ومن معاييرها الثبات والوفاء بالوعود، والعدالة والحيادية، والابتعاد عن الأهواء والمشاعر الخاصة التي لا تكون مبنية على حقائق وبراهين. كذلك احترام الآخرين، حتى في حال الاختلاف معهم، بالإضافة إلى تحمل الفرد نتيجة ما يصدر عنه من أقوال أو أفعال.
ولو تتبعنا مصاديق الأخلاق ومعاييرها في ديننا الإسلامي الحنيف لطال بنا المقام، فالقرآن الكريم يقول: «إِنّما يفتري الكذِبَ الذينَ لا يؤمنون بآياتِ اللهِ وأولائكَ هُمُ الكاذبون» (سورة الزمر، 3)، وقال المصطفى (ص) في حديث متفق عليه بين المسلمين: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يَهدي إِلى البِرِّ، وإِنّ البرَّ يهدي إِلى الجنةِ، وما يزالُ الرجلُ يصْدُقُ ويتحرَّى الصِّدقَ حتى يُكتبَ عند اللهِ صِدِّيقاً، وإياكم واْلكذِبَ، فَِنَّ الكذِبَ يهدي إِلى الفجورِ، وإِنَّ الفجورَ يهدي إِلى النارِ، ومايزالُ الرجلُ يكذبُ، ويتحرّى الكذبَ حتى يُكتب عند اللهِ كذَّاباً».
فالكلمة المنطوقة والمكتوبة هي أمانة كبيرة لها أبعادها وتأثيرها الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتوقع مداها، فيما يخص ردود أفعال المتلقين من الجمهور وفي مدى انتشارها أفقياً وعمودياً (بمدى بقائها في ذاكرة الزمن). وعليه فالالتزام بتحري الحقيقة والتزام الصدق والبعد عن التضليل... يجب أن تكون من أبسط أبجديات من يشتغلون في عالم الإعلام المكتوب والمرئي بشكل خاص، لما لهم من تأثير كبير وخطير في تشكيل الرأي العام، وما يتبعها من ردود أفعال سواءً رسمية أو غير رسمية، كاستهداف أفراد وجماعات معينة، لأغراض غير قانونية ولا أخلاقية. وهذا الأمر ليس مقتصراً على من يعملون في مجال الإعلام، بل يجب أن يلتزم به جميع المسئولين على اختلاف درجاتهم ومواقعهم وذلك لما له من أهمية في تحقيق العدالة والإنصاف.
والمتتبع لما نعانيه في بلدنا الحبيب من الاستهانة بعدم الالتزام الأخلاقي بخصوص الكلمة المنطوقة والمكتوبة الذي وصل إليه الحال، لهو دليل على مدى الانحطاط في القيم الإنسانية. ومصداق ذلك التزوير الواضح والتشويه للحقائق، وكل ذلك لضرب المعارضة وجمهورها الواسع الذي يطالب بأبسط حقوقه التي تقرها جميع المواثيق والشرائع. وذلك بالتأكيد من أجل تحقيق غايات شخصية وفئوية ضيقة، وبالتأكيد ليست وطنية، وأقل ما يقال عنها بأنها مضللة وغير أخلاقية، وهي بالتأكيد تسهم في تعميق الأزمة وأخذ الوطن إلى منزلقات خطيرة تعمق الجراح ويدفع ثمنها المواطنون في جميع مناحي حياتهم، وبالتالي يتأثر بها سلباً الوطن بأسره في عرقلة مسيرته الحضارية.
إنه ومنذ انطلاق الحراك السياسي الشعبي، كانت بوصلته ومازالت تتمحور حول المطالبة بالتفعيل الحقيقي للديمقراطية ولأدواتها التي من خلالها يكون الشعب مصدر السلطات. والحديث هنا عن مختلف مكونات المجتمع وتلاوينه، وليس لفئة دون أخرى. وذلك تفعيلاً للمبدأ الدستوري السيادة فيه للشعب، الذي نص عليه دستور مملكة البحرين في المادة الأولى بند (د): «نظام الحكم في مملكة البحرين ديمقراطي السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعاً...»، وذلك من خلال تمكين الشعب من ممارسة حقه في نظام انتخابي عادل، وفق مبدأ دوائر انتخابية عادلة، وصوت لكل مواطن، وقيام سلطة قضائية مستقلة، وتحقيق الأمن للجميع من خلال إشراك جميع فئات المجتمع في المنظومة الأمنية، والمطالبة بوقف الفساد والتجنيس السياسي، الذي يستهدف تغيير التركيبة السكانية، ومكافحة التمييز، إلخ.
ولكن للأسف سعى المؤزّمون وأبواق الفتنة وذوو الضمائر الميتة بوصم الحراك بكل النعوت المسيئة، وتشويه المطالب، وتشطير المجتمع وإشاعة الكراهية والبغضاء... فهل هذه أمانة الكلمة؟
ما دعت له القيادات الوطنية ورؤساء وقيادات الجمعيات السياسية من المطالبة بتحكيم العقل وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية الضيقة، والعمل على لم الشمل من أجل تجنيب الوطن مآسي وويلات هو في غنى عنها، ولكن مكر المضللين وأخذوا يجتزئون بعض الخطب وينسجون القصص ويتفننون ما حلا لهم في تزييف الحقائق.
هذا وحتى بعد صدور «تقرير لجنة تقصي الحقائق» (بسيوني) في 23 نوفمبر 2011، والذي أوضح الكثير من المغالطات والتشويه الذي طال الحراك الشعبي، ولكن استمرت مكنة الإعلام الموجّه في ممارساتها التفتيتية للمجتمع. فأين أمانة الكلمة؟
قول الحق هو أمانةٌ ومبدأٌ يجب أن لا يحيد عنه من يتصدّى للشأن العام على وجه الخصوص. ولكن قد يتعذر على بعض الأفراد الإفصاح بالحقيقة الكاملة لأسباب مختلفة، مثل عدم وجود الطرق المتاحة لذلك، أو لمخافة التعرض للاستهداف، ولكن هذا لا يبرّر مطلقاً الكذب والمساهمة في التضليل وقلب الحقائق.
ورحم الله الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي قال: «إن لم تستطع قول الحق فلا تصفق للباطل».
إقرأ أيضا لـ "محمد عباس علي"العدد 4583 - الأربعاء 25 مارس 2015م الموافق 04 جمادى الآخرة 1436هـ
الكذب حرام حتى لو كان من باب المزاح
لقد شدد الشرع الكذب حتى لوكان بدافع الهزل والمزاح. والذي يحدث ما فصلت من امثله في بلدنا لهي أمور يندى لها الجبين. فهناك صحف وكتاب كل همم التزوير وقلب الحقائق. فهذه أمور لا تبني أوطاناً. فالصدق مع المواطنين الشرفاء يجب أن يكون الهم الاول، وليس العكس. كل كاذب سيكون في مزبلة التاريخ، سواءً عاجلا ام آجلا.. سلمت أناملك
الحق يعلوا ولا يعلى عليه
يا اخي لقد نطقت الحق. ان الكلمة هي مسئولية كبيرة، ويجب على القائل او الكاتب تحري الصدق، وان لا يكون بوقاً للباطل، ولكن هذا ما نراه في وطننا. ولكن مهما طال الزمن فزيفهم مفضوح..