ظل حزب البعث العربي الاشتراكي، بجناحيه العراقي والسوري، الحزب القومي العربي الأطول بقاءً في حكم هذين القطرين، وكلاهما استولى على السلطة في وقت متقارب، فالجناح العراقي انقض عليها في فبراير/ شباط 1963، والجناح السوري استولى عليها في الشهر التالي: مارس/ آذار من العام نفسه.
الأول حكم العراق ما يقرب من عشرة شهور ثم اُنتزعت السلطة منه لما يقرب من خمس سنوات فقط بانفراد حليفه عبدالسلام عارف بالسلطة، ثم آلت إلى شقيقه عبدالرحمن بعد مصرعه في حادث طائرة، ليدبّر البعث انقلاباً عليه ويستولي مجدداً على الحكم في يوليو/ تموز 1968.
وهكذا إذا ما استثنينا السنوات الخمس تلك، فإن الجناح العراقي لم يغادر الحكم إلا من خلال غزو عسكري خارجي لأكبر قوة عسكرية في العالم، الولايات المتحدة الأميركية، في أبريل/ نيسان 2003 ليكون بهذا قد تربّع على الحكم فترة تقرب من أربعة عقود (1963 - 2003).
وبذلك يكون العامل الخارجي الطارئ هو الذي سرّع بإسقاط حكم الجناح العراقي لحزب البعث، بينما جناحه السوري مازال صامداً ليحتفل خلال هذا الشهر، (مارس/ آذار 2015)، بمرور 52 عاماً على وجوده في السلطة.
ويمكننا القول، إلى حد كبير، بأنه لولا هذا العامل الموضوعي لكان كلا الجناحين مازالا في الحكم، ذلك أن الظروف الداخلية هي من التعقيد وعدم النضج بما لا يسمح بقيام ثورة شعبية عارمة تمثل كل مصالح وحقوق مكونات النسيج الوطني للبلدين. وحتى بافتراض أن الاحتلال الأميركي للعراق لم يحدث، فإن هذا البلد كان مُهيّأً لأن تتكرّر فيه سيناريو أحداث الربيع السوري، وربما على نحو أسوأ مما نشهده الآن من أحداث كارثية مهولة.
مهما يكن نستطيع القول أن أبرز العوامل التي حالت دون نجاح المراهنة على إسقاط النظام السوري، والتي هي ذاتها العوامل التي أدت إلى فشل الحراك أو الانتفاضة السورية، تتمثل فيما يلي...
أولاً: الخبرات المديدة التي اكتسبها النظام السوري على مدى نصف قرن من حكمه في مواجهة مختلف أشكال التمرد الشعبية والحركية المنظمة أو المحاولات الانقلابية العسكرية داخل الجيش ضده، وخصوصاً مع اعتماده على جهاز مخابرات عُرف بقوته.
ثانياً: افتقاد الحراك الجماهيري الشعبي إلى قيادة مركزية تملك شعارات وأهدافاً محددة تلتف حولها أوسع قطاعات وفئات الشعب السوري، وبحيث يكون لديها القدرة الكافية على تعبئة جماهير شعبها ورسم تحركاتها وفعالياتها المتنوعة التصعيدية تبعاً لحالات المواجهة مع النظام وبمعزل تام عن الوضعين الإقليمي والدولي سواء المساندين أو المعارضين لانتفاضتها.
ثالثاً: العنف والقمع الوحشي اللامحدودين اللذين مارسهما النظام لحماية وجوده، مسخّراً ومستنفراً بذلك كل قوة أجهزته الأمنية والعسكرية.
رابعاً: تورط القوى الإقليمية والعربية والدولية (واشنطن وأنقرة وعواصم أوروبية وخليجية) المعادية لتطلعات الشعب السوري في الصراع الداخلي السوري بتقديمها مختلف أشكال الدعم، مالياً وتدريبياً وعسكرياً ولوجستياً، للجماعات الاسلاموية الإرهابية التي استباحت لنفسها حق التدخل السافر في شئون الشعب السوري والوصاية على مطالبه ورفعها شعارات فوضوية متطرفة لا تتوافق ومصالحه، ما دفع كثرةً من أبناء الشعب السوري للانسحاب من حلبة الحراك - الصراع مع السلطة، وإيثار الصمت أو الهجرة إن أمكن ذلك. ولم تكن تلك القوى الإقليمية والدولية والعربية المشار إليها مبالية بأجندات هذه الجماعات الديماغوجية المتطرفة، بقدر ما يهمها التسريع بإسقاط النظام بأية وسيلة كانت وبأي ثمن، ولو تم ذلك على يد الشيطان.
خامساً: تمتع النظام بمساندة عسكرية قوية من قِبل حزب الله اللبناني الذي اكتسب خبرات وتجارب قتالية كبيرة خلال سنوات طويلة من مقاومته الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان، وحيث رأى في سقوط حليفه النظام السوري إضعافاً له وتعريضاً لمستقبل قدراته التسلحية في مهب الريح.
سادساً: نجاح النظام في دقّ الأسافين بين قوى المعارضة المعتدلة السلمية، فضلاً عن تمتعه بمساندة الأحزاب اليسارية والقومية القديمة التي ربطت مصيرها بمصيره (أحزاب الجبهة الوطنية المتحالفة مع الحزب الحاكم)، وامتلاك هذه الأخيرة خطاباً سياسياً متماسكاً لتحليل الوضع الناشئ لديه شئ من القدرة على إقناع قطاعات غير قليلة من النخبتين السياسية والمثقفة في الشعب السوري بخطورة إسقاط النظام وحلول تلك القوى الإرهابية محله.
ونستطيع أن ندرج في سياق هذا العامل أيضاً، نجاح السلطة في اللعب على الأوتار المناطقية والطائفية، وهو المحذور نفسه الذي وقعت فيه معظم قوى المعارضة، ولاسيما الإسلامية منها، بتصويرها الصراع كأنه صراعٌ بين الغالبية السنية والطائفة العلوية الحاكمة التي ينتمي إليها الرئيس بشار الأسد، والعديد من أركان حكمه في الأجهزة العسكرية والأمنية والمخابراتية والمدنية، ولم يكن هذا التصوير دقيقاً في توصيف خريطة مشهد الصراع القائم.
سابعاً: تمتّع النظام بتأييد ودعم قوى إقليمية ودولية مؤثرة في الساحة الدولية، وإن بدرجات متفاوتة، ممثلةً على وجه الخصوص في طهران وموسكو وبكين.
ثامناً: شبكة العلاقات والركائز والعلاقات المالية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة التي تمكن النظام من نسجها على امتداد نصف قرن داخل المجتمع السوري، بما في ذلك ارتهان موظفي الجهازين الإداريين في القطاعين العام والخاص لإرادته، لتخوّف قطاع كبير منهم من تعرّضهم للتسريح وهو أضعف العقوبات المحتملة.
وإذ باتت حتى واشنطن تدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى، فشل مراهنتها على السقوط الوشيك للنظام السوري وترسل إشارات خجولة أو متضاربة عن إمكانية التفاوض معه، فإن هذا الأخير سيخرج من معركة دفاعه المستميت عن نفسه بالغ الإنهاك على نحوٍ يصعب معه التنبؤ بمدى قدرته على البقاء في المستقبل المنظور، وهو لن يكون طويلاً بأي حالٍ من الأحوال، فلن تكون سورية في ظل بشار كسورية التي عرفناها على امتداد أكثر من نصف قرن من احتكاره الشمولي للسلطة بالقوة، أو سورية رجلها القوي الرئيس الراحل حافظ الأسد.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 4581 - الإثنين 23 مارس 2015م الموافق 02 جمادى الآخرة 1436هـ
الاجدر بنا
شكرا للاستاذ الكاتب على المقال، ونطلب ان يكتب مقال كيف نخلص الشعب السوري من القتل فالجيش العربي السوري يريد ان يثبت الحاكم مهما كلف الامر والدواعش يريدون تثبيت شرع الله بالبغدادي والبيعة واجبة وإلا القتل وجبهة النصرة تريد تحكيم شرع الله بالجولاني والجيش الحر يريد البعض منهم دولة اسلامية والبعض دولة ديمقراطية فما هو الحل لتخليص الشعب السوري من القتل
جواب لماذا لم يسقط نظام الاسد
لأن الاسد لديه شعبية كبيرة ومحبة في قلوب شعبه ولم يعتمد على ..........لحمايته .
قوى
ماهذه القوه يا سوريا الأسد التي لم تستطع دول العالم كلها مجتمعه عليك بأسقاطك كما كانو يحلمون !؟ أنها الأراده الشعبيه وليخسأ الدواعش ومواليهم
مهما مان الدعم
مهما كان الدعم و مهما انهالت المليشيات الطائفية من كل اصقاع الارض لمحاربة الشعب السوري الشريف و مهما طال الوقت سينتصر الشعب السوري على النظام الأسدي هذا شيء سيحدث لا محاله
نقطة نظام للتوضيح فقط
عبد السلام بعثي واخوه عبدالرحمن جاء وفق اتفاق حزب البعث كمرحلة انتقالية وفي كلتا الحالتين لم يغادر البعث السلطة حتى عام 2003.
ثورة فاسدة على نظام فاسد قامع لشعبه
النظام السوري نظام قمعي يرغب جل شعبه في تغييره ولكن جل شعبه لا يريد الفاسدين الذين يقودون العمل العمل العسكري و السياسي البديل لانهم ابشع من النظام واكثر قسوة و استئصاليين
ههههههههههههههههههههههه
لو. لا شعبيته لذهب منذ زمن ك مبارك و بن علي والقذافي اقول ان ثبات نظام الاسد هي شعبيته ولانه لم يعتمد على ................. لهذا هو ثابت. وسينتصر على الارهابيين التكفيرين.