قدمنا في المقال السابق قراءة عامة لبرنامج عمل الحكومة للأعوام 2015 ـ 2018، ونقوم بمقارنته ببعض برامج عمل الحكومات العربية... وتحديداً المغرب والأردن.
برنامج عمل حكومة المغرب
المفارقة الكبرى في برنامج المغرب بأنه شبيه في لغته وعمومياته ببرنامج البحرين، رغم أن المفترض أن يكون أكثر تفصيلاً ووضوحاً خصوصاً لوجود حكومة قادمة من صناديق الاقتراع بعد استفتاء على دستور جديد قام بموجبه الملك المغربي بتعيين رئيس الحكومة، الذي قام بتشكيل حكومته من الأغلبية المنتخبة على أساس برامج تعاقدية انتخابية لأحزاب التحالف الحكومي. غير أن مضمون البرنامج جاء أيضاً في العموميات، وأكّد على أنه يهدف إلى تحقيق الأولويات التالية:
تعزيز الهوية الوطنية الموحدة وصيانة تلاحم وتنوع مكوناتها والانفتاح على الثقافات والحضارات من خلال التشبث بالمرجعية الدينية وتعزيز مواطنة متساوية، وإطلاق سياسة لغوية لتقوية النسيج اللغوي الوطني والانفتاح على اللغات الأجنبية، واعتماد سياسات ثقافية وإعلامية وفنية تعزّز الحرية والمسئولية والإبداع. أما الأولوية الثانية فتركّز على ترسيخ دولة القانون والحكامة الرشيدة الضامنة للكرامة والحقوق والحريات والأمن عبر الاستناد على المواطنة الحقة، وربط المسئولية بالمحاسبة والحقوق والواجبات، وذلك من خلال تعزيز التشاركية الديمقراطية، وإقامة علاقات مبنية على الاحترام المتبادل مع المعارضة وتمكينها للقيام بمهامها على الوجه الأكمل، وإصلاح المنظومة الانتخابية بهدف تطوير آليات المنافسة السياسية الحرة والنزيهة والتي تعبّر عن إرادة الناخبين وتؤسس للتمثيل الديمقراطي، والإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة بهدف تعزيز المكانة الدستورية للقضاء ووصوله إلى سلطة مستقلة، وغيرها من الإجراءات التي سردت بعموميات ودون توضيح للطرق والوسائل ونوعية وماهية هذه الإصلاحات.
وفي السياق ذاته، قدّمت الأولويات الأخرى، كمواصلة بناء اقتصاد وطني قوي متنوع الروافد القطاعية وتنافسي ومنتج للثروة وللشغل اللائق، وسياسة اقتصادية ضامنة للتوزيع العادل لثمار النمو، وتطوير وتفعيل البرامج الاجتماعية بما يضمن الولوج العادل إلى الخدمات الأساسية خصوصاً التعليم والصحة والسكن، وبما يضمن تكافؤ الفرص للمواطنين والفئات.
وفي هذا المجال أشار البرنامج المغربي لبعض الأرقام البسيطة مثل توقع زيادة عدد الطلبة في الجامعات بنحو 60 % للعامين المقبلين 2015 ـ 2016 مقارنةً مع عدد الطلبة المسجلين سنة 2011 ـ 2012، وإن الحكومة «ستعمل» على تقليص العجز في توفير السكن من 840 ألف وحدة إلى 400 ألف وحدة سكنية، والعمل على تخفيض معدل البطالة إلى 8 % في 2016، والعمل على إنشاء صندوق للضمان الاجتماعي للمعوزين، وتوسيع التأمين الصحي الإجباري ليشمل العاملين بالقطاع الخاص والمهن الحرة والتجار والصناع التقليديين والطلبة والمشتغلين الذاتيين، وتخفيض قسط التكاليف التي تتحملها الأسر في تمويل الصحة.
والأولوية الخامسة والأخيرة تتمثل في تعزيز التفاعل الإيجابي مع المحيط الجهوي والعالمي وتقوية الأداء العمومي لخدمة المغاربة المقيمين في الخارج، والوصول إلى حل سياسي نهائي في قضية الصحراء المغربية.
برنامج عمل الحكومة الأردنية
وهو البرنامج الذي عرضه رئيس الحكومة على مجلس النواب للأعوام 2013 ـ 2016، ويتميز - عكس البرنامجين البحريني والمغربي- بالتفاصيل الدقيقة والإحصاءات الشاملة من مقدمته وحتى خاتمته. فعلى صعيد التحديات التي تواجه الأردن تراجع وتيرة النمو الاقتصادي ليصل إلى 3.3 %، مع عجزٍ في الموازنة العامة بسبب تزايد الإنفاق العام بشكل أكبر من زيادة الإيرادات العامة، حيث نما عجز الموازنة بعد المساعدات بنسبة 30.7 % في العام 2012 مقارنةً مع العام 2011، وليشكّل ما نسبته 8.2 % من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع المديونية وعجز الحساب الجاري، وارتفاع معدلات البطالة ومعدلات الفقر. وقد كشف البرنامج كل هذه العجوزات بالأرقام المقارنة من عام إلى عام.
وعند الدخول في تفاصيل البرنامج يسرد الإجراءات التنفيذية التي ستقوم بها الحكومة وبشكل واضح وبالتفصيل، ومن خلال مؤشرات إحصائية وتوقعات مستقبلية يبدأ بأرقام العام 2012 الفعلية، ثم أرقام كل سنة من سنوات البرنامج، من 2013 ولغاية 2016، وفي كل القطاعات والحسابات الحكومية سواء الناتج المحلي الإجمالي، معدل التضخم، عدد السكان، معدل البطالة، نسبة الفقر، الإيرادات، الضرائب، النفقات العامة والجارية، العجز، عرض النقد وصافي الأصول الأجنبية والمحلية، الحساب الجاري، الميزان التجاري، الصادرات والواردات، التحويلات ومساهمة القطاعات الاقتصادية المتوقعة لهذه الأعوام.
إن قوة البرنامج الأردني تتوضح في وجود منهجية اقتصادية قياسية لكل مفاصل الحياة في الأردن، مطعّمةً بأهداف وتوجهات وسياسات وإجراءات مقترحة، إضافةً لمؤشرات قياس الأداء في كل هذه المفاصل للأعوام المرتبطة بعمل الحكومة في هذا البرنامج.
ونظراً لضخامة هذا البرنامج فسوف يتطرق هذا المقال لنموذجين فقط من عشرات النماذج الموجودة بنفس المنهجية، فعلى صعيد قطاع السياحة والآثار مثلاً يبدأ البرنامج في شرح أنواع السياحة في الأردن كالسياحة الدينية والبيئية وسياحة المغامرات والأنشطة والمؤتمرات والتراث الثقافي والسياحة الاستشفائية والرحلات البحرية والسياحة العلمية والأكاديمية والتعليمية والمهرجانات الفنية والثقافية والرياضة والاستجمام والإجازات، ثم يشرح التوجهات المستقبلية فالسياسات والإجراءات المقترحة. وأخيراً مؤشرات قياس الأداء سواءً في حجم الاستثمارات في السياحة للسنوات القادمة والدخل السياحي وأعداد السواح وحجم العمالة المباشرة في كل سنة من سنوات البرنامج.
والنموذج الثاني في قطاع التشغيل والتدريب المهني والتقني حيث يبدأ البرنامج بنفس منهجية باقي القطاعات، وأن التوجهات المستقبلية هي خفض نسب البطالة لتصل إلى 11 % العام 2011 ومتطلبات نجاح ذلك من خلال إيجاد فرص عمل صافية للأردنيين بمعدل 60 ألف فرصة عمل سنوياً، والإحلال التدريجي للعمالة الوافدة بعمالة أردنية. ويقدّم البرنامج في هذا المجال مؤشرات قياس الأداء من نسبة البطالة المتوقعة في كل سنة من سنوات البرنامج ونسبة العمالة الوافدة وفرص العمل المستحدثة للأردنيين سنوياً، والمشاركة الاقتصادية للمرأة ونسبة العاملين إلى السكان في سن العمل، ونسبة العاملين المشمولين في الضمان الاجتماعي. ثم ينتقل إلى المزيد من التفاصيل القياسية حسب كل محافظة من المحافظات الأردنية الـ 12، وهكذا يتوسع البرنامج بذات المنهجية في جميع القطاعات، إضافةً إلى شرح تفصيلي للملفات الاقتصادية والسياسية والأمنية الجديدة مثل كيفية التعامل مع ملف اللاجئين السوريين والملف الأمني.
ويختتم البرنامج بملاحق إحصائية شاملة للواقع والتوقعات المستقبلية، كملحق للبرامج والمشاريع الممولة، وملحق آخر للبرامج والمشاريع التي بحاجة إلى تمويل، وملحق ثالث عن تفاصيل برنامج تنمية المحافظات للعام 2013. ومن شمولية هذه التفاصيل دخولها حتى في أدق الأمور المطلوبة، مثل مكافحة الذباب المنزلي في الأغوار ومصدر التمويل والإنفاق المتوقع لكل عام والنتائج المتوقعة، والموقع الجغرافي المتوقع البدء في تنفيذ هذا المشروع.
وأعتقد بأن المطلوب إعداد برامج عمل الحكومة على نفس منهجية البرنامج الحكومي الأردني، ليس فقط ليكون المقياس المستقبلي لأداء عمل الحكومة واضحاً وجلياً، بل ليصبح البرنامج خارطة طريق لإعداد الموازنة العامة، وللمقارنة فيما بعد عند إصدار الحساب الختامي، وليصبح بالتالي حقائق من الممكن في ضوئها التقييم والمحاسبة بعد انتهاء سنوات عمل الخطة في العام 2018.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"العدد 4563 - الخميس 05 مارس 2015م الموافق 14 جمادى الأولى 1436هـ
نطالب من الحكومة الاستدراك قبل فوات الاوان
للأسف رؤية الحكومة غير واضحة و لا دقيقة، في الوقت الذي حذر فيه البنك الدولي دول الخليج من الاعتماد على النفط بسبب الاخطار المتعلقة بمستقبل سوق الطاقة ، في أي لحظة قد نصحوا و الصين قد اكتشفت طريقة التعامل مع النفط الصخري أو اتفقت مع امريكا لإستخراجه من الصين (و هو موجود بكثرة عندهم) عندها من سيطلب نفط الخليج؟ كيف سيحصل الخليجي على غذائه؟
ميزانية واضحة و حكيمة = الحفاظ على مستقبل الجيل القادم.
لك كل التقدير استاذ عبد الله
مقال ممتاز ومقارنة رائعة
المقال أكثر من رائع والشرح والمقارنة جدا واضحة. الحكومة في البحرين لا تملك توجهات شاملة في التنمية وتركيزها على حفظ مكتسبات العائلة الحاكمة والتجنيس ، ولذا فإن الحديث عن مطالبتهم بالعمل بهذه الدرجة من الحرفية صعب جدا.
هل المشكلة في النواب ام المجلس
ولكن هل المستوى العلمي والأكاديمي ومستوى خبرات أعضاء البرلمان البحريني يوازي نظيره الأردني ؟ وكيف لنواب ليس بالضرورة هم الأكفأ ولا يمتلكون الخبرة التخصصية في الاقتصاد ان يساهموا في وضع برنامج عمل مناسب لوضعنا الداخلي ويقدموه للحكومة؟