عرضت الحكومة برنامج عملها وتم اعتماده، والمطلوب الآن تحويل هذا البرنامج العام والنظري إلى أفعال وتنفيذه على أرض الواقع، ومن المفيد في هذا المقام أن نقارن هذا البرنامج ببعض البرامج للحكومات العربية، وذلك لعدة أسباب منها منهجية إعداد البرامج الحكومية المعروضة على المجالس النيابية، واستيعاب الفروقات الجوهرية فيما بينها، ومعرفة الأدق والأفضل منها.
وفي هذا المقال سنقارن برنامج عمل حكومة البحرين بكل من برنامجي العمل في المغرب والأردن نظراً لتشابه الكثير من أنظمتها السياسية، وبعض التوجهات الاقتصادية والاجتماعية، رغم وجود تمايزات كثيرة بسبب نوعية الاقتصاد فيهما والمساحات الجغرافية الشاسعة والمتنوعة للمغرب والأردن قياساً للبحرين.
يتوضح من المقارنة العامة بين برنامج العمل البحريني والمغربي بأنهما غارقان في العموميات والعناوين الكبرى و«الينبغيات»، بدلاً من التفاصيل الدقيقة الموجودة في برنامج العمل الأردني.
يبدأ البرنامج البحريني في مقدمته عرض فقرات تفاؤلية حول التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة من الزيادة السنوية للناتج القومي بمعدلات بين 4 إلى 5 % ويعتبرها من المعدلات الجيدة على المستوى العالمي، وأن برامج إصلاح قطاعات العمل والتعليم والاقتصاد والاستثمار أدت إلى نمو الاقتصاد في العقد السابق حوالي 70 %، وانخفاض البطالة إلى حوالي 4 %. كما رأى هذا البرنامج أن الصادرات غير النفطية قد تضاعفت وزادت مساهمتها في الناتج الإجمالي المحلي، رغم أن الاستراتيجية الاقتصادية الوطنية وبعض إحصاءات منظمة العمل الدولية والمنظمات الدولية الأخرى تشير إلى عكس ذلك.
ومن الأرقام التفاؤلية في هذا البرنامج بأن دخل المواطن البحريني من الناتج المحلي قد شهد ارتفاعاً حيث بلغ في العام 2009 نحو 18.7 ألف دولار سنوياً، حتى وصل في العام 2013 إلى 24.154 ألف دولار، ما يعني أن البحرين أصبحت في فئة البلدان عالية الدخل وفقاً للمعايير الدولية، ويجعلها تتفوق بمعدل يقارب الضعف على المعدل العالمي البالغ 13 ألف دولار لدخل الفرد.
وأكّد البرنامج جودة الخدمات الحكومية المقدمة في مجال التعليم والصحة والإسكان والبنية التحتية وتشجيع القطاع الخاص للمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكلها في تحسن مستمر، رغم المؤشرات والانتقادات التي ترى بأن الدخول الفردية وجودة الخدمات في جمود إن لم نقل في تراجع وليس في تقدم.
وبعد هذه المقدمة التفاؤلية، يعرض البرنامج أبرز التحديات السياسية والاقتصادية والمتمثلة في الوضع الإقليمي المتوتر وتزايد خطر الإرهاب والأحداث الداخلية منذ العام 2011، والتي أثرت سلباً على جهود جذب الاستثمار، ومحدودية الموارد الطبيعية من الأراضي والمشتقات النفطية والمياه والأراضي الزراعية، مع زيادة في الاستهلاك للمواد الغذائية، أو النضوب المتوقع لحقول النفط والغاز الطبيعي، وتزايد الطلب على الموارد المائية في ظل استنزاف المياه الجوفية.
أما التحدي الثالث فيتمثل في ارتفاع الدين العام والعجز المالي في ميزانية الدولة نتيجة تخصيص اعتمادات مالية كبيرة في دعم السلع الغذائية والطاقة والمحروقات ومواجهة التحديات الأمنية، إضافة إلى الاعتماد الأساسي على الإيرادات النفطية حيث تمثل حوالي 86 % من الإيرادات العامة مع التأثيرات السلبية المتوقعة نتيجة انخفاض أسعار النفط.
والتحدي الرابع يتمثل في العجز الاكتواري لنظام التأمين الاجتماعي وزيادته بسبب الزيادة الكبيرة في المستحقات التقاعدية مقابل ما يدفعه المساهمون في هذا النظام. والتحدي الأخير هو التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية العام 2008، وبالأخص في المشروعات العقارية، وبعض الصناعات الرئيسية مثل الألمنيوم وتراجع الاستثمار في الكثير من المشروعات التي يقوم بها القطاع الخاص.
وتتوضح من كل هذه التحديات مدى تأكيدها على نقيض اللغة التفاؤلية المطروحة في مقدمة البرنامج، وإن معظمها ـ إن لم نقل كلها ـ تشير إلى انخفاض الصادرات غير النفطية، وعدم قدرة القطاع الخاص على المساهمة في التنمية بسبب الأحداث الأمنية وعدم جذب الاستثمارات وتراجعها بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية، المحلية والإقليمية والعالمية. وهذا ما يعني زيادة في البطالة وانخفاضاً في الدخل الفردي.
وبعد سرد هذه التحديات يتوسع البرنامج في تفاصيل نظرية وبلغة تستخدم (سنعمل، سنطور، سنعزز، سنتابع، سننفذ، سنحقق، سنسعى... إلخ) ويقدم ضمن هذا السياق اللغوي العام أهم الأولويات الاستراتيجية لبرنامج الحكومة والمتمثلة في تعزيز الأمن والاستقرار والنظام الديمقراطي والعلاقات الخارجية، وترسيخ اقتصاد قوي ومتنوع ونظام مالي ونقدي مستقر، وتمكين البحرينيين لرفع مساهمتهم في عملية التنمية، وتأمين بنية تحتية داعمة للنمو الاقتصادي المستدام، والإدارة للموارد المستدامة الاستراتيجية مع تأمين التنمية الحضرية المستدامة، وأخيراً تعزيز فعالية وكفاءه الأداء الحكومي. هذه هي إلمامةٌ عامةٌ ببرنامج عمل الحكومة للأعوام 2015 ـ 2018 الذي تم اعتماده، ويحتاج هذا البرنامج النظري إلى تحويل إلى أفعال وتنفيذه على أرض الواقع، ومقارنته ببعض البرامج للحكومات العربية، وهو ما سنطرحه في المقال المقبل.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"العدد 4562 - الأربعاء 04 مارس 2015م الموافق 13 جمادى الأولى 1436هـ
الحاجة لهذه المقالات
هناك حاجة ملحة في المجتمع البحريني لمثل هذه المقالات التي تعرف ما لا يُعرف
خطة البحرين عبارة عن مقال ادبي
الدول الناجحة في ادارة اقتصادها مثل سنغافورا أو اليابان وصلت للقمة و هي لا تملك موارد طبيعية تذكر بالمقارنة معنا إذا حسبنا عدد السكان و حجم الموارد، و نحن رغم كل ما لدينا ما زلنا في اسفل السلم .. كل ما لدينا على مستوى الخطة مجرد عبارات ادبية جميلة و لا توجد خطة تفصيلية تنطلق من قراءة الواقع بكل مشاكله و تحدياته.
تحياتي للمقال و الكاتب الرائع