العدد 4560 - الإثنين 02 مارس 2015م الموافق 11 جمادى الأولى 1436هـ

هذا هو المستقبل

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

في العام 1999 حضر مجموعة من مدراء البنوك في شتى أنحاء العالم، ومن ضمنهم مدراء بنوك عربية، حضروا ورشة عمل أقامها (school bank business) في جامعة كمبردج، وسأل المحاضر: أتعرفون ما هو المستقبل؟ ورفع هاتفه الجوال وأجاب: هذا هو المستقبل. نعم، فعبر هذا الجهاز سوف تتواصلون وتتبادلون الرأي والمعرفة بكل حرية وبلا رقيب، وسوف تقومون بكل العمليات البنكية من نقل حساب أو الحصول على قرض. وسوف تشترون سياراتكم واحتياجاتكم وغذاءكم، وسوف تحجزون عبره مقاعدكم للسفر بالطائرات أو غيرها من الوسائل. وسوف تشاهدون الأفلام وتقرأون الصحف وتلعبون وتتسلون وتتزوجون وتسجّلون هوياتكم وتتابعون مسار رحلاتكم الجوية والبحرية والبرية. وستتعرفون على جغرافية الأماكن التي تزورونها ومناخها وطقسها وشوارعها وثقافتها، وسيتحول الجهاز إلى مفكرة تدوّن مصاريفكم وتواريخكم وأنظمة حميتكم وأمراضكم. وستكون قدرة هذا الجهاز بقدر البرامج التي يتضمنها من علمية وطبية واقتصادية، وهي كثيرة ومتنوعة وبلا حدود.

صحيح... من كان يتصوّر أن كل تلك الأنشطة الحياتية ستتم عبر هذا الجهاز الصغير؟ وإذا كان اقتناء هذه الأجهزة الذكية وما شابهها في ذلك الوقت مكلفاً ومقتصراً على الميسورين والاختصاصيين، فقد استيقظنا على زمن تحقّقت فيه بصيرة ذلك المحاضر وصار «المستقبل» في أيدي أغلب الناس.

ولأنها نتاج مجتمعات متطورة تتدفق فيها المعلومة والرأي والتواصل بيسر، فقد ألفت المجتمعات الأخرى النامية أو الأقل تقدماً، نفسها بين أجهزة ذكية ولامتناهية الإمكانيات، وبين بشر محدودي القدرة بسبب ضيق السياسات والقوانين والبيئات التي تحكمهم في الخارج، فهذه الأجهزة الذكية أثبتت المثل القائل «العين بصيرة واليد قصيرة».

في منتدى التواصل الحكومي الذي اختتم أعماله الأسبوع الماضي في الشارقة، ثمة إدراك عميق لهذه الإشكالية ومحاولة - نأمل أن تكون جادةً - لتدارك ما فات والتوجه نحو المستقبل وإزالة العوائق التي تحول دونه. يقول رئيس مركز الشارقة الإعلامي الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي في كلمته الافتتاحية: «لقد أصبحت معرفة المواطنين وقدراتهم الاتصالية لا تقل أهمية عن أقوى العناصر التقليدية التي تقاس بها قوة المجتمعات، ونجتمع اليوم تحت ظروف اقتصادية وجيوسياسية تضع على الحكومات العالمية والإقليمية مسئولية أكبر من أجل شرح مواقفها وإقناع شعوبها بسياساتها الداخلية والخارجية بصراحة وشفافية».

ورأى القاسمي «أن الوقت الذي كانت فيه الحكومات تسيطر على نوع ومصادر المعلومات قد ولى، وحلّ مكانه عصر التفاعل والحوار الذي أصبح فيه للمواطنين في أقطار العالم كافة، قدرة على التعبير عن آرائهم في الأحداث الداخلية والخارجية لبلدانهم والبلدان الأخرى». وأضاف: «اليوم كل واحد في هذه الغرفة أصبح صحافياً متجولاً، ينقل ما يجري في هذه الغرفة لحظة بلحظة»، معتبراً أن «هذه السرعة في نقل المعلومات والتأثير على رأي الشعوب تشكل تحدياً لبعض الحكومات، لأن الحكومة بصفة عامة أبطأ في الحركة نظراً لطبيعتها الإدارية. واستدرك بقوله: «إن هذا التحدي يمثل لنا فرصة لتطوير هذا الجانب من العمل الحكومي... فتقارير ودراسات البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة التي تؤكد أن الاتصال الحكومي المبني على الشفافية والموضوعية أحد أهم العوامل الرئيسة التي تتسم بها الحوكمة الفعالة».

القاسمي تطرق إلى القصة الخبرية والمعلومات المتداولة ومحاولة كل طرف السيطرة عليها، مستشهداً بالرواية الرسمية لأحداث فرنسا ومحاولة كل طرف استخدام جميع الأدوات الاستراتيجية للاتصال من أجل إعطاء قصته الأولوية في ميدان الرأي المحلي والعالمي، والذي بدوره سيضغط على الحكومات من أجل إقرار سياسات خارجية أو داخلية مساندة لهذا الرأي أو ذاك. وقال «إن قوة الجيش والأمن صلبة وتستطيع حجب القصة وفرض الرأي ووجهات النظر لبعض الوقت، ولكنها لا تستطيع تقييد الانطباعات والأفكار كل الوقت».

وقد عرف حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي التواصل الحكومي بأنه «الدور الذي يقوم به مهنيون يعملون في مؤسسات ويساهمون في تحسين أداء الخدمة العمومية، وهو يتم من خلال تشجيع الحوار بين المسئول والمجتمع المدني، فالتواصل الحكومي يبدأ من السلطة إلى عامة الناس، أما البرامج الجماهيرية فتبدأ من عامة الناس إلى السلطة، وهي برامج من شأنها إشراك المواطنين بالنقاش وتنشيط الحياة الديمقراطية».

وجاءت كلمة رئيس وزراء البرتغال الأسبق خوسيه مانويل باروسو في السياق ذاته، إذ قال: «لكي لا تخسر الحكومات ثقة الشعوب يجب أن تكون صاحبة مبادرة وألا تنتظر تسريب خبر من قبل أطراف قد تكون ذات دوافع سلبية، بل نرى ضرورة أن تكون القيادات الحكومية متفاعلةً مع أفراد الشعب بدلاً من جعل المواطن متلقياً سلبياً للمعلومات من مصادر غير ذات صدقية».

من جانبه، وضع الرئيس اللبناني الأسبق ميشال سليمان اللوم على «المركزية التي ترهق الحكومات والقادة وتبعدهم عن الشعب». ونادى بضرورة هدم الأبراج العاجية التي تحيط بالمسئولين واعتماد الشفافية وإزالة الرقابة الصارمة على الإعلام، وعدم تكبيلها بعقائد ديكتاتورية.

المنتدى حدثٌ مهم، وقد تطرّق إلى مواضيع عديدة مهمة، وتضمن نقاشات جميلة جديرة بالطرح. واختتم بالقول بأن تكنولوجيا الاتصال المتطورة هي أدوات في يد الجميع، وهي تهز أرض الجمود وتزلزل بيئات الثبات وتطرح ثقافة جديدة ومغايرة للسائد والمألوف، وتدفع لإحداث التغيير طوعاً أو كرهاً. والحصيف هو من استطاع توظيفها بمهارة وذكاء بأسرع وقت لتطوير المجتمعات والحكومات، وتمتين التواصل بين الطرفين، وتمكين الدولة العصرية قبل فوات الأوان كي لا يلقى نفسه خارج المستقبل.

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 4560 - الإثنين 02 مارس 2015م الموافق 11 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 6:14 ص

      صقر الخليج

      لقد إفتقدناك كثيرا وافتقدنا مثل هذه الكتابات!!
      تسلم أناملك يا ملكة؟؟

    • زائر 5 | 1:14 ص

      الدرس هو

      ان الشعوب شبت على الطوق ولم يعد ممكناً أغعادتها إلى الحظيرة.

    • زائر 6 زائر 5 | 1:46 ص

      مقال ممتع

      الآن عصر تكنلوجيا الهواتف الذكية وعصر سرعة تناقل المعلومه والتواصل بين ااناس والعالم عبرها ولا استطيع ان اتخيل العالم بدون هذه الهواتف

    • زائر 3 | 11:23 م

      ننتظر المزيد

      لنفس الفكرة

    • زائر 2 | 11:19 م

      ستبقى العين بصيرة بسبب وسائل التواصل الحديثة ولكن

      هل سبقى اليد قصيرة او عاجزة!!! ما اجده ان اليد تبدو محطمة ومجروحة وبصيص امل لمستقبل مجهول

    • زائر 1 | 11:09 م

      تسلم ايدش

      الله لا يحرمنا من الابداعات الفكرية البحرينية

اقرأ ايضاً