الله أكبر، الله أكبر، إنّه النصر... لقد دكّت آخر حصون المشركين عبدة الأوثان... لقد تمّ تطهير بيت الموصل! أقصد متحف الموصل، وتمّ بحمد الله وفضل «الدواعش» تحطيم آخر صنم من هذه الأصنام! الله أكبر ها هو «فلان» يلقي بآخر الأصنام من على سطح المتحف، وها هو «فلتان» يمسك بالمثقاب الآلي ويفقأ عين هذا الصنم ويشفي غليله منه، وها هو «علاّن» يفتّ بمطرقته الصخرية هذا الصنم فتّاً فيتركه تراباً ليس له أصل... عفواً ليس هذا مقطعاً من فيلم «الرسالة» المشهور ولا النسخة المحدّثة منه، وليس الفتح فتح مكة، ولكن شرّ البليّة ما يضحك.
استيقظ العالم، إن كان أصلاً قد نام، على فاجعةٍ أخرى، على شريطٍ وثائقيّ جديد؛ فيديو من إعداد وإخراج قطاع الإنتاج بمؤسسة داعش الإعلامية، فيديو مدته 5 دقائق، يظهر فيه عناصر ملتحية في متحف الموصل وهي تهدم تماثيل ضخمة باستخدام المطارق وأدوات الحفر، من بينها تماثيل لآلهة تعود إلى حضارات بلاد الرافدين وتمثال للثور الآشوري المجنح داخل المتحف يعود تاريخه إلى القرن التاسع قبل الميلاد. كما يوضح الفيديو تدمير ثور مجنّح آخر موجود في «بوابة نركال» الأثرية في مدينة الموصل، علماً أن الثور المجنّح يعد رمز الحضارة الآشورية التي ازدهرت في العراق وامتدت سيطرتها حتى وادي النيل. مجموعة من الآثار والتماثيل التي لا تقدر بثمن، ويعود تاريخها إلى آلاف السنين، تُحطّم في متحف الموصل في العراق.
ولهول ما رأى العالم بكى العقل قبل القلب والعين، حتى أنّ الفؤوس وهي تقع على هذه القطع الأثرية لكأنّها تقع على رؤوس العراقيين جميعاً بل والإنسانية جمعاء، الأمر الذي حرّك همّة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) فطالبت مجلس الأمن بعقد اجتماع طارئ عقب نشر تنظيم «داعش» هذا الفيديو. وقد أعربت مديرة اليونيسكو إيرينا بوكوفا عن «صدمتها العميقة» تجاه الشريط المصور، مؤكدة «إدانتها لهذا الاعتداء المتعمّد على تاريخ العراق وتراثه الذي يعود إلى آلاف السنين». وشدّدت على أنّ هذا الاعتداء هو أكبر بكثير من أن يكون مجرد مأساة ثقافيّة، إنّه أيضاً شأن أمنيّ يغذّي الطائفيّة والتطرف العنيف والنزاع في العراق.
وقد أظهر هذا الفيديو رجلاً يؤكد على ضرورة هدم التماثيل، موضّحاً أنَّ «النبي (ص) أمرنا بالتخلص من التماثيل، وقد فعل الصحابة الشيء ذاته أثناء الغزوات». وكما لا يخفى على أحد فالمقارنة بين ما قام به التنظيم وما قام به الرسول محمد (ص)، أمر غير صحيح على الإطلاق، وقياس سخيف ومخطئ؛ فالأصنام في عهد النبي كانت تماثيل لآلهة موجودة حول الكعبة، بينما الآثار والتماثيل الموجودة في متحف الموصل والمواقع الأثرية الأخرى ليست تماثيل لآلهة، بل تماثيل لأباطرة ولحيوانات وطيور.
وقد أكدت دار الإفتاء المصرية أنّ الآراء الشاذة التي اعتمدت عليها «داعش» في هدم الآثار واهية ومضللة، ولا تستند إلى أسانيد شرعية، وأشارت إلى أن هذه الآثار كانت موجودة في جميع البلدان التي فتحها المسلمون، ولم يأمر الصحابة الكرام بهدمها أو حتى سمحوا بالاقتراب منها. وقد فتح الصحابة مصر والعراق وتونس وغيرها، ووجدوا الأهرامات وأبو الهول وآثار الآشوريين والقرطاجنيين وغيرها، ولم يصدروا فتوى أو رأياً شرعياً يمسّ هذه الآثار، بل مرّوا عليها سلاماً سلاماً.
إنّ تهافت الحجة الدينية في قضية الحال يرجّح دوافع أكثر خطورةً لو صحّت؛ إذْ يرى البعض أنّ تنظيم «داعش»، بتدميره هذه الآثار التاريخية يخدم، بقصد أو دون قصد، أجندات صهيونية تسعى إلى طمس تاريخ الأمة العربية، وبالمقابل تعمل حثيثاً من خلال حفريّاتها المزعومة على تجذير يهودية القدس في التاريخ.
إنّ ما حدث في الموصل وصمة عار؛ إذْ أنّ توظيف الإسلام لضرب وتدمير بنية الإنسان والمكان والتاريخ بشقّيه المادي والمعنوي لهذه الأمة، إنّما يخدم المشروع الصهيوني فحسب. وقد بات من المؤكد أن الإنسان العربي ليس هو وحده المستهدف في هذه الحرب، بل كلّ أثر ماديّ يؤكد الجذر التاريخي لهذه الحضارة العريقة.
إنّ تحطيم تنظيم «داعش» لآثار مدينة الموصل العراقية يثبت أن هذا التنظيم ضد كل الحضارات العربية، وأنه ينفذ، بقصد أو دون قصد، مخططاً أميركيّاً وصهيونيّاً لمحو التاريخ العربي الإسلامي.
إنّ الخوف كبير على المستقبل؛ إذ تثير عملية تدمير الآثار هذه مخاوف على ما تبقى من مواقع أثرية في محافظة نينوى، كما يشاع أنّ عناصر التنظيم أبلغوا حراس بوابة نركال، أنّ هدفهم المقبل سيكون مدينة نمرود الأثرية في جنوب الموصل، ونمرود واحدة من أهم العواصم الآشورية، وفيها نقوش وثيران مجنحة… ولو نفّذوا تهديدهم فإنها ستكون كارثة حقيقية.
وإنّ لهذا التخوف على الثقافة والحضارة العراقية والعربية والإنسانية أكثر من سبب؛ فقد فجّر التنظيم جزءًا من «سور نينوى» التاريخي منذ أكثر من شهر، وهو واحد من الآثار المميزة في الشرق الأوسط عموماً والعراق خصوصاً، وشاهد على عظمة الحضارة الآشورية وقوتها منذ آلاف السنين، وفجّر المبنى المركزي لمكتبة الموصل في منطقة الفيصيلة وسط المدينة، وحرق محتوياتها من الكتب والوثائق والمخطوطات التي بينها مؤلفات نادرة، حيث أشعل النيران في أكثر من 10 آلاف كتاب و700 مخطوطة نادرة، علماً أنّ المكتبة المركزية تحتوي على صحف عراقية يرجع تاريخها إلى أوائل القرن العشرين، إلى جانب خرائط وكتب من عصر الإمبراطورية العثمانية.
إنّ تدمير الآثار تدميرٌ لذاكرة الإنسان ومحوٌ متعمدٌ لتاريخه، فإلى متى ستظل الأمة العربية في موقع المتفرج على هذه الجرائم المتعمّدة ضدّ الذاكرة الثقافية للأمّة؟
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4560 - الإثنين 02 مارس 2015م الموافق 11 جمادى الأولى 1436هـ
وهو كذلك
شرّ البليّة ما يضحك
ألم
وإن لبي ألما قديما قدم الإطاحة ببغداد وجديدا جدّة الإطاحة بقسط من تاريخ الأمة عند ما نشاهد ما حلّ بسوريا - المشآت التاريخية والحضارية بها . لذلك لا أعتبر فعل " داعش" سوى حلقة من سلسلة قُدّت من لهيب العداء للإسلام وللمسلمين وللعروبة بذاتها وبهويتها . فهؤلاء أكدوا عبر هذا المشهد عداءهم للإسلام من حيث أرادوا إبلاغ رسالة " الولاء للرسول محمد ولسيرته ولأعماله حيث اقتدَوأ به في تحطيم الأصنام "
لا حول ولاا قوّة إلّا بالله العلي العظيم
ولو أدرك هؤلاء الشرذمة معنى " العليّ العظيم " فعلا لتمنى كلّ جرذ منهم أن يحلّ محل صنم من الأصنام التي حطمها على أن يدرك ما سيحل به وما ينتظره من عذاب . ولكنّ عجزهم أو ربما انقطاع الصلة بينهم وبين الانتماء إلى أمّة محمد عليه الصلاة والسلام ـــ في قراءة ممكنة ـــ ربما يكون البوابة التي مرّوا عبرها بهذا الفعل الشنيع من دائرة العنف الإنساني المبرّر أحينا إلى دائرة الفوضى أواللّا معنى
صدقت
إنّ تدمير الآثار تدميرٌ لذاكرة الإنسان ومحوٌ متعمدٌ لتاريخه، فإلى متى ستظل الأمة العربية في موقع المتفرج على هذه الجرائم المتعمّدة ضدّ الذاكرة الثقافية للأمّة؟
المشكلة مع الفكر الذي يفرّخ لمثل داعش
بدون مصارحة النفس لا يمكن ان يصلح الخلل .
من اين جاء الفكر الداعشي وما هو مصدر نشأته
لو أجبنا على هذا السؤال بصراحة لامكن بعد التشخيص العلاج
في رثاء «الأصنام»
الله يسترنا ويبعد عنا شر البلايا