رأى خطيب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز السيدعبدالله الغريفي، في خطبته أمس الجمعة (21 فبراير/ شباط 2015)، أن «خارطة الطريق لإنقاذ الأوضاع في البحرين ليستْ غامضةً وليستْ عسرةً».
وشدد الغريفي على ضرورة أن «تعاد قراءة كل حسابات الخيار الأمني، وما يقود إليه من مآلاتٍ خطيرةٍ، وأنْ يتم شجب ورفض وبشكلٍ جادٍّ كل أشكال النزوع نحو العنف في ممارسة حق التعبير عن الرأي، والبدء في حوار جاد وحقيقي، يملك إمكانات النجاح، لا أنْ يكون مجرد لقاءاتٍ لا ترقى إلى مستوى الحوار، ولا تحمل اشتراطات النجاح».
وفي خطبته بعنوان «الحراك والخيار الأمني»، قال الغريفي: «حراك الشارع منذ انطلق لازال مستمراً، والخيار الأمني منذ بدأ لازال قائماً، والسؤال المطروح: هل المطلوب أنْ يتوقف الحراك أو أنْ يتوقف الخيار الأمني؟، السلطة تطالب بأنْ يتوقف الحراك، وقوى الشارع تطالب بأنْ يتوقف الخيار الأمني».
وتابع «لكي يتحدد الموقف الصائب يجب أنْ نتعرف على المبررات، باختصارٍ شديدٍ يطرح الحراك مبرراته على النحو التالي: إن خللاً كبيراً في المسار السياسي، أنتج وضعاً خاطئاً، فرض على الشارع وعلى قواه التحرّك طلباً للإصلاح، أما السلطة فترى أن الحراك أوجد وضعاً أمنياً مرتبكاً، مما اضطر قوى الأمن أنْ تمارس مسئوليتها حفاظاً على أمن البلد، وإذا كانتْ قوى المعارضة ترى وجود خللٍ في العملية السياسية فالقنوات الرسمية كالبرلمان هي الطريق للتصحيح والتغيير وليس الشارع، والجواب الذي تطْرحه قوى المعارضة: أنها مارستْ اللجوء إلى القنوات الرسمية، وشاركتْ في الانتخابات، ودخلتْ البرلمان في أكثر من دورةٍ إلا أنها لم تتمكن من إحداث أيّ تصحيحٍ أو تغييرٍ، كون الصيغة البرلمانية نفسها في حاجةٍ إلى تصحيحٍ، بدءاً من توزيع الدوائر الانتخابية، وانتهاءً بصلاحيات مجلس النواب الخاضع لهيمنة مجلس الشورى المعين، يضاف إلى ذلك أن الشارع نفسه تشكلتْ لديه القناعة بأن هذا النمط من الممارسة السياسية لا يمثل إرادته تمثيلاً حقيقياً، فوجد أنْ لا طريق أمامه للتعبير عن رأيْه إلا المسيرات والاعتصامات والتجمعات، فاعتمد هذا الطريق وهو حقٌ مكفولٌ دستورياً وقانونياً، وتجيب السلطة بأن التعبير عن الرأي حقٌ مكفولٌ حسْب الميثاق والدستور، إلا أن ما حدث عبثٌ وإرْباكٌ للوضع الأمني، وترفض قوى المعارضة هذا التوصيف، وتعتبره ظلماً فاحشاً للحراك السياسي، فكلّ تاريخ هذا الحراك يشْهد أنه اعتمد السلمية شعاراً وسلوكاً، ومنْ الطبيعي في حراكاتٍ جماهيريةٍ كبيرةٍ أنْ تحدث بعض خروقاتٍ واستثناءاتٍ لا تعبر عن مسار الحراك، وخصوصاً أن الخطاب الذي اعتمدتْه قوى المعارضة هو خطابٌ عاقلٌ رشيدٌ أدان ولايزال يدين كل أشكال العنْف والعبث والإضرار بمصالح الناس، ولو سلم بوجود خللٍ في الحراك السياسي ولو سلم بوجود خللٍ في ممارسات الشارع، فهلْ اعتماد الخيار الأمني بكل ما يحمل من قسْوةٍ هو الحل، هو العلاج، هو الموقف الصّائب؟، بكل تأكيدٍ الجواب هو النفي، ليس انطلاقاً منْ مكابرةٍ وإصرارٍ على الخطأ، إنّما هي القراءة البصيرة، والرؤية الرشيدة لكل ما يجري في المشهد السياسي، فها هي السنوات تمر، والخيار الأمني يزداد ضراوةً وشدةً وقسْوةً فما هي النتيجة؟، هلْ توقف الحراك في الشارع؟، هل تصححت الأوضاع؟، كلا، الحراك زاد إصْراراً، الخسائر ارتفعت حصيلتها، الأوضاع أصبحت أكثر تأزماً، والمشهد السياسي أصبح أكثر قلقاً، منْ المتضرر؟ الوطن، السلطة، الشعب».
وأكد الغريفي أن «المنطق الرشيد يفرض أنْ تعاد قراءة كل الحسابات من أجل صالح هذا الوطن، وأنْ يكون هناك تفاهمٌ وتواصلٌ وحوار، وخارطة الطريق لإنقاذ الأوضاع ليستْ غامضةً وليستْ عسرةً».
وطرح الغريفي تساؤلاً عن «ما هو المطلوب؟»، وأجاب «المطلوب أولاً: أنْ تعاد قراءة كل حسابات الخيار الأمني، وما يقود إليه من مآلاتٍ خطيرةٍ، ومضاعفاتٍ ضارّةٍ بأوضاع هذا الوطن، والمطلوب ثانياً: أنْ يتم شجب ورفض وبشكلٍ جادٍّ كل أشكال النزوع نحو العنف في ممارسة حق التعبير عن الرأي، فهذا الحق مشروعٌ ومكفولٌ ولا يجوز مصادرته، إلا أنه يجب أنْ يحصن بالسلمية كل التحصين، وأنْ يبتعد عن مسارات التطرّف كل البعد، والمطلوب ثالثاً: أنْ تتجمّد كل الخطابات والكلمات الاستفزازية فيجب على أدوات الإعلام ألا تمارس قذفاً وتخويناً وسباً، وإساءةً لأي مكونٍ في هذا الوطن أو لرموزه الدينية والسياسية، وكذلك يجب ألا يتحرك في الشارع المعارض أي خطابٍ أو شعارٍ يعتمد لغة السب والقذف والتسقيط، فهذه اللغة لا تعبر عن حضاريةٍ في ممارسة المعارضة السياسية والحقوقية، فالخطابات والكلمات الاستفزازية صدرتْ من أية جهةٍ رسمية أو شعبية ضارةٌ كل الضرر بأمن هذا الوطن، وبوحدة مكوناته، فالشحن المضاد غير الملتزم بالضوابط الأخلاقية والعلمية والموضوعية أمرٌ غير مشروع وله آثارٌ سيئةٌ جداً، والمطلوب رابعاً: أنْ يبدأ حوارٌ جادٌّ وحقيقيٌّ، يملك إمكانات النجاح، لا أنْ يكون مجرد لقاءاتٍ لا ترقى إلى مستوى الحوار، ولا تحمل اشتراطات النجاح، فلا يراد للحوار أنْ يكون للاستهلاك الإعلاميّ، أو للمزايدات والمغالبات، وإنما هو طريقٌ لإنقاذ الوطن، وتصحيح الأوضاع، وإنتاج الأمن والأمان، وإذا غاب الحوار فالبديل قطيعةٌ ومواجهةٌ وعنْفٌ وقسوةٌ، وتأزمٌ وتوتر، وضغائن وأحقاد، وأتعابٌ، وخسائر في الأموال والأرواح».
وتحت عنوان «إدانة الاعتداء على الشيخ الجدحفصي»، تحدث الغريفي «إننا ندين بشدّة الاعتداء الآثم على الشيخ علي الجدحفصي، إنه عمل شائن وسيئ يدفع إلى مزيد منْ التأزيم وتوتير الأوضاع ولا يجوز إطلاقاً إهانة أيّ مواطن، فضلاً عن أنْ يكون رمزاً دينياً، ويجب أنْ تتحمل أجهزة الأمن مسئولية حماية كرامة المواطنين ومحاسبة من يعتدي على هذه الكرامة».
وفي موضوع حمل عنوان «الحب في الله والبغض في الله»، طرح الغريفي «بعض تطبيقاتٍ للحب في الله»، والمتمثلة في «أنْ تحب إنساناً تقياً ورعاً صالحاً مطيعاً لله تعالى لا تحبه إلا لذلك، فهذا حبٌّ في الله، أنْ تحب إنساناً يدلك على الله، يهديك إلى طريق الله، يعلمك ما يقربك إلى الله، لا تحبه إلا لذلك، فهذا حب في الله، أنْ تحب إنساناً مجاهداً في سبيل الله، داعيةً إلى الله، عاملاً من أجل إعزاز دين الله، مدافعاً عن الإسلام وقيم الإسلام ومبادئ الإسلام، لا تحبه إلا لذلك، فهذا حبٌّ في الله، أنْ تحب إنساناً آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، لا يفعل ذلك إلا تقرباً إلى الله، لا تحبه إلا لذلك، فهذا حبٌّ في الله، أنْ تحب إنساناً عاشقاً لحضور المساجد والجماعات والجمعات طمعاً في ثواب الله، لا تحبه إلا لذلك، فهذا حبٌّ في الله، أنْ تحب إنساناً نافعاً للمؤمنين، بماله، وجاهه، وخدماته، لا يريد بذلك إلا وجه الله، لا يريد شهرةً أو جاهاً، أو أغراض دنيا، أنْ تحب إنساناً يحمل روحانيةً إيمانيةً تتجلى في صلاته، ودعائه، وذكره، وتلاوته، أنْ تحب إنساناً مملوءاً خلقاً ربانياً، يشدك إلى الله، وإلى حب الله، أنْ تحب إنساناً لا يأكل حراماً، ولا مشتبهاً بالحرام، ورعاً، وخوفاً من الله».
كما طرح الغريفي «تطبيقات للبغض في الله»، وذلك من خلال أن «تبغض إنساناً عاصياً، فاسقاً، متمرداً على الله، وعلى أحكام الله، أنْ تبْغض إنساناً، يبْعد الناس عن الله، يقودهم إلى الشيطان، ينشر الفساد والمنكر، يروج للباطل والضلال والانحراف، أنْ تبغض إنساناً ظالماً، مضراً للعباد، منتهكاً للحرمات، لا يخشى الله طرفة عين، أنْ تبغض إنساناً، مبتعداً عن المساجد ومجالس الذكر والطاعة والإيمان، ومشدوداً إلى مجالس الباطل واللهو والعبث، أنْ تبْغض إنساناً همه الغيبة والبهتان وهتك الأعراض، مستهيناً بأوامر الله، أنْ تبْغض إنساناً يمارس إنتاج العداوات والخلافات والصراعات بين الناس، بلا خوفٍ من الله، أنْ تبْغض إنساناً موالياً لأعداء الله معادياً لأولياء الله، أنْ تبْغض إنساناً مداهناً لأهل الباطل ولأهل المعاصي، أنْ تبْغض إنساناً متهاوناً بصلاته، بأوقاتها، بكيفيته أدائها، بتعلم أحكامها، أنْ تبْغض إنساناً يأكل الحرام، غير عابئ بأحكام الشرع».
العدد 4550 - الجمعة 20 فبراير 2015م الموافق 01 جمادى الأولى 1436هـ