سمع كثيراً جملة: «كُنْ نَفْسَك وسوف تنجح». ولكن، ماذا لو كانت نفسي فاشلة؟ ماذا لو لم أكن أُحسنُ شيئاً من مهارات الحياة؟ كيف سيؤدي ذلك إلى نجاحي؟
يروي المستثمر الراحل جِم رون، قصةً حصلت له عندما كان شاباً، حيث يقول إنه في يوم من الأيام طَرَقت باب بيته طفلة من الكشافة تبيع الحلوى. كانت بارعة في وصف بضاعتها حتى أقنعته بشرائها، ولكنه عندما سألها عن الثمن قالت له بدولارين. تذكّر فجأةً أنه لا يملك المبلغ. صمت قليلاً ثم قال له إن لديه الكثير من الحلوى التي لم يأكلها بعد، ولذلك فإنه لا يحتاج إلى شراء مزيدٍ منها.
بعد أن انصرفت شعر بالخزي من نفسه، ليس فقط لأنه كذب على طفلة صغيرة، بل أيضاً لأنه ربّ أسرة ولا يملك حتى دولارين في جيبه!
نشأ جِم في ولاية أيداهو الأميركية، ولم يحسن أي مهارة في حياته غير حلب الأبقار. وعندما بلغ الخامسة والعشرين وجد أن دخله لا يكفيه، فقرّر أن يعمل في المساء بائعاً. ذهب وتعلم أساسيات تسويق البضائع وإقناع الناس بشرائها، ثم عكف يمارس هوايته كل يوم. بعد أن أتقنها وجد أن دخله تضاعف، فقرّر أن يتعلم مهارةً جديدة، وهي إيجاد ناس مميزين ليساعدوه في عمله، فتضاعف دخله مرةً أخرى. ثم تعلّم مهارة تنظيم مكان العمل وتعزيز روح الفريق بين الموظفين. ثم تعلّم مهارة تحفيز الموظفين بالثناء عليهم دائماً، وبتكريمهم كلما أنجزوا شيئاً. ثم تعلّم مهارات التواصل وكيفية استخدام لغة أعمال تدلّ على أنه مستثمر ناجح. ثم تعلّم كيف يكون مدرباً للآخرين، وهكذا حتى انتهى به المطاف ليضاعف دخله عدة مرات ويصبح أحد المدربين المميزين في تاريخ التنمية الذاتية. والجدير بالذكر أنه هو مَن درّب المدرب العالمي الشهير طوني روبنز لعدة سنوات.
يعتقد بعض الناس أن المعرفة هي أساس التميّز في الحياة، ولاشك أن المعرفة من أنبل الأشياء التي يسعى الإنسان لكسبها في حياته، لكن ما فائدة المعرفة إن كانت للعلم فقط؟ أذكر أنني عندما كنت في الجامعة جاءنا أستاذ زائر وقالوا لنا إنه من أفضل الأساتذة في مجاله. فتدافع الطلبة يوم التسجيل لحجز مقعدٍ في فصله، ولكن لم يمض أسبوع واحد حتى قام أكثرنا بسحب أوراقه من تلك المادة! نعم، لقد كان عالِماً فذّاً، لكنه كان فاشلاً في شرح علمه للطلبة.
كُنّا نصاب بالنعاس بعد مضي ربع ساعة من بدء المحاضرة، وعندما تقترب المحاضرة من الانتهاء يكون معظم الطلبة قد أصيبوا بالإحباط الشديد. هربنا منه لأنه لم تكن عنده مهارات التواصل، ولم يكن يعرف كيف يتحدّث أمام الفصل، أو كيف يوصل فكرته، ككثيرٍ من الناس اليوم، يقضون سنوات في تعلّم شيء ما وقراءة جميع الكتب عنه، لكنهم غير مرغوبين في المجتمع، لا أصدقاء، لا أسرة، لا عطاء معرفي... لا شيء على الإطلاق، مجرد موسوعة معرفية مكسّوة بالغبار ومتروكة على رفّ بعيد لا يعرف الناس كيف يستفيدون منها.
هؤلاء هم من يجلسون في وظيفة واحدة لسنين طويلة، وإذا أصاب السوق أزمة مالية يكونون هُم أول من يُضحى بهم؛ لأنهم لا يملكون غير مهارة واحدة أو مهارتين، وبالتالي لا يقدّمون الكثير، ولا أهمية كبيرة لوجودهم.
قرأتُ مرة أن 70% مما يتعلمه طلبة المدرسة من دروس ينسونها عندما يكبرون، ولكن تظل المهارات الفردية والجماعية التي تعلّموها هناك تكبر فيهم مع مرور الوقت. حاول وأنت تقرأ هذه السطور أن تتذكّر معلومةً درستها في المدرسة، ثم حاول أن تتذكر كم مهارةً تعلمت حينها، وكيف صارت اليوم؟
أظن أن التقليل من شأن التطوير الذاتي والسخرية مِن كُتب التنمية الفردية سببهما كثرة الإنتاج في هذا المجال وظهور كثير من المدربين العرب الذين يفتقر بعضهم إلى التخصص في المجال الذي يحاضر فيه، لكن هذا لا يقلل من أهمية اكتساب الإنسان لمهارات جديدة، فإحدى معايير قيمة الإنسان في المجتمع هي المهارات التي يُحْسِنها لا المعرفة التي يحفظها، وتعلم مهارات جديدة يؤدي إلى احترام الذات، وفتح باب الفُرص على مصراعيه لمن أراد أن يرتقي في سلّم الحياة.
لن تستطيع أن تطور مؤسستك، أو أسرتك، أو فصلك الدراسي، أو فرقتك العسكرية، أو فريقك الرياضي وأنت عاجز عن تطوير نفسك. طوّر نفسك وسيتطوّر العالم من حولك، فمن المستحيل أن تجد شخصاً ناجحاً ومتميزاً في أي مكان إلا وتُبْهرك مهاراته العديدة قبل معرفته. يقول جِم رون: «إذا اشتغلت بتطوير عملك ستجني دخلاً، أما إذا اشتغلت بتطوير نفسك فستجني ثروة».
إقرأ أيضا لـ "ياسر حارب"العدد 4536 - الجمعة 06 فبراير 2015م الموافق 16 ربيع الثاني 1436هـ
روعة
دائماً مبدع أستاذ ياسر
لا تحرمنا من طلتك