العدد 453 - الثلثاء 02 ديسمبر 2003م الموافق 07 شوال 1424هـ

اهتزازات على جبهة الإصلاحيين وتماسكها لدى المحافظين

ماراثون الانتخابات البرلمانية السابعة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يعيش المشهد السياسي الإيراني حِراكا دراماتيكيا قويا منذ ما يقرب الشهر وذلك استعدادا للانتخابات البرلمانية السابعة التي ستُجرى في فبراير/ شباط المقبل وسط اهتمام غير مسبوق من جميع الأطياف السياسية نظرا إلى ما سيُمثله مخاضها العملي من تشكيلة برلمانية جديدة ستُلقِي بظلالها بقوة على المستقبل السياسي (المتوسط المدى على الأقل) لنظام الجمهورية الإسلامية.

وفي غمرة تلك الاستعدادات والمداولات لبعض القوى الفاعِلة تبقى حقيقة بائنة بجلاء لأي متابع عن كَثَب للشأن الإيراني... وهي أن جبهة الثاني من خرداد الإصلاحية (التي برزت بقوة بعد وصول الرئيس خاتمي إلى الرئاسة العام 1997) تعيش حالا من اللاتوافق في خياراتها الانتخابية وشخوصها، وفتور فاقع في نسيج علاقاتها البينية، خصوصا أن هذه الجبهة (التي تضم أكثر من 17 تنظيما يُشكلون فسيفساء التيار الإصلاحي في غالبيته) لا يجمعها سوى عدائها السحيق للتيار المحافظ وبعضٍ من السياسات المُتشابكة والمُععقدة، فهي حين تندلع معركة التنازلات والانحناءات فيما بينها تضطر في أحيان كثيرة إلى أن ترجع كل منها إلى قواعدها السياسية والفكرية والاجتماعية وحتى الفقهية التي تنهل منها للاحتكام ووضع نقطة النهاية لقرارها، وخصوصا أن مفهوم الإصلاح فيما بينها لا يزال عائما، ومن دون ملامح معروفة يُمكن أن تتوافق عليها كل الأطياف المتحالفة. فمنهم من يراه سيادة القانون والتنمية السياسية مع الحفاظ على الثوابت والأصول (روحانيون مبارز) ومنهم من يعتبره كسرا لأصنام الثورة وثوابتها عن طريق التطبيع مع الولايات المتحدة والاستقواء بها والتمهيد لعلمنة الدولة (جبهة المشاركة) وآخرين يرونه تفجيرا للقومية الإيرانية في المحيط الإقليمي والتركيز على التنمية الاقتصادية (كوادر البناء)، فلا يمكننا (مثلا) أن نتصوّر أن مجمع علماء الدين المناضلين (روحانيون مبارز) الذي يُؤمن بمنهج التصادم مع النظام الدولي بل يعتبره قائما على الإجحاف والهيمنة أن يتماهى مع أطروحات جبهة المشاركة التي ترى عكس ذلك تماما، أو نتصوّر انسجاما ما بين كوادر البناء وكلا من روحانيون وجبهة المشاركة، فلو رجعنا إلى التاريخ القريب جدا لرأينا حوادث عِدّة تُؤكد ما نقول... فعندما اشتدّ الخلاف بين وزير الداخلية السابق عبدالله نوري (وهو من تيار روحانيون) وبين القضاء ومجاميع حوزوية ومحافظة تبرأت منه الكثير من القوى الإصلاحية أبرزها التيار الذي ينتمي إليه وكذا كوادر البناء وبعض التنظيمات الإصلاحية الأخرى.

كما أن وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي السابق عطاء الله مهاجراني دخل في سجال مفتوح ومماحكة شديدة مع قيادات جبهة المشاركة مُسميا إيّاها بجبهة «الممانعة» عندما شنّت الأخيرة هجوما عنيفا في صفحات يوميتها المتطرفة «صبح أمروز» على هاشمي رفسنجاني (مُنظّر تيار كوادر البناء) مُتهمة عهده بـ «الكارثة الاقتصادية» بل زادت على ذلك بربط وزير أمن حكومته المنصرفة علي فلاحيان بالاغتيالات التي طالت ستة من مثقفي التيار الليبرالي في العام 1998، كما أن عضو تكتل روحانيون الشيخ قدرة علي خاني قد وصَف في صحيفة «آفتاب يزد» أخيرا بهزاد نبوي (وهو من ألمع قياديي جبهة المشاركة) بأنه أخطر من حركة الحرية، وأن نهجه وحركاته لا تختلف عمّن يعمل لإسقاط النظام.

وفي تصريح آخر لأحد النواب والذي هو أيضا عضو في الثاني من خرداد وصف فيه السلوك السياسي لمحمد رضا خاتمي زعيم جبهة المشاركة بأنه «أدى إلى طرد حتى الذين كانوا قبل الثاني من خرداد إصلاحيين من الميدان السياسي وأن استبداده أدى إلى ضرب الإصلاحات من الجذور».

كما تجلّى الخلاف الإصلاحي الإصلاحي أكثر عندما حدث الانشقاق الكبير بمعسكرهم في الانتخابات البلدية خلال شهر فبراير الماضي والتي قدّم فيها 18 حزبا إصلاحيا ثلاث قوائم متنافسة للمرشحين، في حين أنهم خاضوا انتخابات العام 1999 بقائمة واحدة وهو ما أدّى إلى هزيمتهم فيها.

والغريب أن صحيفة «سياست روز» تحدثت عن نتائج استطلاع رأي جرى أخيرا في إيران أظهر انحسارا شديدا لشعبية عدد من فصائل تكتّل الثاني من خرداد أهمها جبهة المشاركة التي يرأسها محمد رضا خاتمي النائب الثاني لرئيس البرلمان إذ حصلت على 9 في المئة وحزب همبستكي (التضامن) 3 في المئة ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية 2 في المئة بينما حصل مجمع علماء الدين المناضلين (روحانيون) على 17 في المئة وهي نسبة مفاجئة ستُعيد بلا أدنى شك ترتيب الأوراق من جديد على عموم الساحة السياسية الإيرانية، وخصوصا أن هناك تنسيقا قائما بينها وبين رابطة علماء الدين المناضلين (روحانيت) وهي أبرز تنظيم ديني في تيار اليمين المحافظ الأكثر شهرة والأوسع شعبية والعريض في انتماءات رجاله من الرؤى والتوجهات الفكرية والسياسية وذلك بُغية إيجاد آلية مواجهة لسياسات وتطلعات التيار الإصلاحي المتطرف والمتدثر بعباءة الرئيس خاتمي والساعي إلى تغيير منظومة القيم السياسية والاجتماعية والدينية للثورة وللمجتمع الإيراني بصورة انقلابية.

كما أن جبهة الثاني من خرداد لم تتوصل بعد (وعلى رغم اقتراب ساعة الصفر) إلى صيغة ائتلافية توافقية، فمازالت جبهة المشاركة تدرس وضعها التنظيمي وهل ستتحالف مع قوى إصلاحية بعينها أم لا، بل ذهب نائب رئيسها بهزاد نبوي أكثر من ذلك عندما صرّح لصحيفة «همبستكي» أخيرا بأنه «من غير الممكن التكهن منذ الآن بمشاركة الإصلاحيين أو مقاطعتهم لانتخابات المجلس السابع» إلاّ أنه أردف وانتقد بعض الإصلاحيين الذين يُروجون لمقاطعة الانتخابات قائلا «إن مقاطعة الإصلاحيين للانتخابات تعني الاعتراف بهزيمة الحركة الإصلاحية في إطار القانون».

على الجانب الآخر من الصورة تبقى صفوف اليمين المحافظ متماسكة إلى حد ما فهي على رغم وجود رؤى متباينة بين متشدديها (آية الله محمد تقي مصباح يزدي) ومعتدليها (محمد جواد لاريجاني) فهي تظل متوافقة على الأفكار والخيارات السياسية ولم تَرْشَح إلى الآن أية خلافات فيما بينها تنبئ بانشقاق قد يصيبها في مقتل.

فاليمين ومنذ أسابيع خَلَت استطاع أن يناقش ويُثبّت تركيبة ودراسة الأشخاص الذين يريدهم ليخوض بهم الانتخابات بعشر فئات ممن تمارس فعالياتها تحت عنوان المجلس التنسيقي لقوى الثورة قدمت كل منها خلال الأسابيع الماضية أسماء 45 مرشحا إذ من المقرر أن يتم اختيار 25 منهم كمرشحين عن الجناح اليميني في طهران والخمسة الآخرين في القائمة عن رابطة رجال الدين المجاهدين (روحانيت) والتي استعرضت في جلساتها موضوع ترشيح ناطق نوري، كما عُلِمَ بأن قائمتها المُعَدَّة لعدد من الدوائر المهمّة قد ضمّت كلا من أمين عام الرابطة الإسلامية للمهندسين محمد رضا باهنر عن مدينة كرمان ومدير صحيفة «رسالت» مرتضى نبوي عن قزوين ورئيس تحرير صحيفة «رسالت» وعضو جمعية المؤتلفة الإسلامية كاظم أنبارلويي عن بوئين زهرا وآرج وعضو روحانيت علي زادسر عن جيرفت وعضو جمعية المؤتلفة الإسلامية حميد رضا ترقي وعضو رابطة مدرسي الحوزة العلمية محمد رضا فاكر ورئيس مؤسسة حفظ قيم الحرب علي رضا أفشار عن مدينة مشهد المقدسة.

كما استقال عدد من ضباط الصف الثاني والثالث في قوات حرس الثـورة الإسلامية (الباسدران) ممن يتماهون مع اليمين المحافظ ايديولوجيا ويتناغمون مع أطروحاته السياسية والدينية وتركوا مناصبهم العسكرية ليتمكنوا (قانونيا) من الترشّح للانتخابات التشريعية القادمة مُمثلين عن التيار المحافظ في عدد من الدوائر، كما استقال محمد رضا عباسي فرد وهو عضو في مجلس صيانة الدستور للغرض نفسه.

وأمام ذلك التوصيف للخريطة الحزبية ومكنوناتها في المشهد السياسي الإيراني يمكن أن نتوقع ما ستُسفِر عنه العملية الانتخابية المُقبلة كإفضاء طبيعي وفقا للسيناريوهات الآتية:

(1) أن يكتسح الثاني من خرداد من جديد (على رغم حالة اللاتوافق التي يعيشها) مقاعد المجلس النيابي الـ 290 ويقضي على ما تبقى لليمين المحافظ من مقاعد في المجلس مُستقويا مرة أخرى بأصوات الناخبين من الشباب الإيراني وهم كُثُر (70 في المئة فتوة) والذين يتوقون إلى إحداث تغييرات نوعية في نمطية الحياة الاقتصادية والشخصية، وبالتالي يتخلّص من محاولات المحافظين المتكررة لعرقلة إقرار عدد من القرارات المُقدمة من الغالبية الإصلاحية والتي تحتاج إلى تصويت حاسم، أو محاولاته لاستصدار استجوابات متلاحقة لوزراء في حكومة الرئيس خاتمي، وبالتالي يتفرّغ فقط لمسألة الاستصواب التي يُمارسها مجلس صيانة الدستور (وفقا للمادة 91 من الدستور) لقرارات مجلس الشورى الإسلامي.

(2) أن يحصل التيار المحافظ على عدد أكبر من المقاعد بالمقارنة مع ما لديه الآن (60 مقعدا حاليا) مستفيدا من تجربة المجالس البلدية التي جرت في شهر فبراير من العام الجاري والتي استطاع أن يُحقق فيها فوزا نسبيا في بعض الدوائر وكاسحا في دوائر أخرى كطهران (14 مقعدا من أصل 15) ويزد (6 مقاعد من أصل 9) ومشهد وأصفهان وشيراز وقم المقدسة وفي الأرياف، وبالتالي تُصبح الطريق له سالكة لتجميع قواه استعدادا لانتخابات رئاسة الجمهورية التاسعة العام 2005 ليعيد سيطرته تدريجيا على السلطتين التنفيذية والتقنينية.

(3) أن يتراجع التياران الإصلاحي والمحافظ لصالح التيار الثالث المولود توا من عُقلاء القوم من التيارَين التقليديَن والذي يضم في صفوفه الكثير من الشخصيات المحوريّة والمُهمة في الساحة السياسية الإيرانية كحسين مرعشي وفائزة رفسنجاني (كوادر البناء) وشخصيات مستقلة كطه هاشمي رئيس تحرير صحيفة «انتخاب» وممثل المرشد في الحوزة العلمية في مدينة قم والأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام الإسلامي وقائد الحرس الثوري السابق محسن رضائي، وبعض شخصيات روحانيون، وهو الأمر الذي سيترتب عليه (إن حصل فعلا) ظهور أوراق واستحقاقات جديدة على الساحة السياسية الإيرانية يمكن أن تعيد التوازنات وتُقلّم أظافر المتطرفين من الجانبين، وهو ما يدعمه (على ما يبدو) مرشد الثورة الإسلامية آية الله السيدعلي الخامنئي لدرء خطر أدواء اليسار واليمين

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 453 - الثلثاء 02 ديسمبر 2003م الموافق 07 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً