منذ 15 عاماً لم يَزُرْ إيرانَ وزيرُ دفاعٍ روسي. قبل أيام، كُسِرَت هذه القاعدة بعد زيارة وُصِفَت بـ «المهمة»، قام بها وزير الدفاع الروسي الجنرال سيرغي شويغو، وتوقيعه مع نظيره الإيراني الجنرال حسين دهقان اتفاقاً عسكرياً لـ «تفعيل طاقات إستراتيجية كامنة» بغية «التصدي للأطماع الأميركية».
الاتفاق وكما جاء أيضاً «يتضمن تكثيف التنسيق بين رئاستَي الأركان الروسية والإيرانية، ومشاركة مراقبين في تدريبات عسكرية، وتبادل خبرات في مجال حفظ السلام ومكافحة الإرهاب»، إضافةً إلى «إزالة الألغام وتكثيف زيارات سفن حربية روسية وإيرانية إلى موانئ البلدين، والتدريب العسكري وتنظيم مناورات مشتركة».
هذه الزيارة وهذا النوع من الاتفاقيات، يشيران إلى أن الروس بدأوا يعيدون الكثير من حساباتهم مع الغرب، بعد الأزمة الأوكرانية. لقد وجدوا الولايات المتحدة تزحف باتجاه القرم، لتطويقهم من الجهتين الغربية والجنوبية. كانت أزمة الدرع الصاروخي في بولندا مؤشراً على نوايا الغرب تجاه موسكو، لكن الأخيرة كانت قد أخطأت التقدير حينها.
وفي العام الماضي أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن الولايات المتحدة ستُنشئ قاعدة للقوات الجوية الأميركية في أستونيا المجاورة لروسيا على حدود البلطيق، مقترحاً على أستونيا ولاتفيا وليتوانيا أن يضعوا مزيداً من القوات الأميركية على أراضيهم، وهو ما يعني أن سان بطرسبورغ الروسية لن تكون بعيدةً عن مستوى النظر أمام ذلك النفوذ!
الحقيقة أنه وبالرجوع إلى زيارة شويغو لطهران، فإن هذا التوجه الروسي الجديد تجاه إيران ربما جاء متأخراً. نعم قد يكون متأخراً فعلاً. فروسيا ولحسابات كانت تقيمها، امتنعت أن تذهب بعيداً مع طهران في مسائل عسكرية حساسة، كي لا يؤثر ذلك على علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، الذين كانوا يتخوفون من تغيير موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا، لاعتبارات متعددة، ليس بينها «إسرائيل» فقط كما يُظَن.
لقد ألغت موسكو في العام 2010 اتفاقاً كانت قد أبرمته مع طهران العام 2007 لتسليمها نظام الدفاع الجوي المتطور (S300)، الأمر الذي دفع بالأخيرة لأن تقيم دعوى قضائية تقضي بإلزام روسيا دفع تعويضات لها بقيمة 4 مليارات دولار. وعندما أراد الروس تسوية الأمر عرضوا على الإيرانيين منظومة صاروخية أخرى هي (أن تي 2500).
في منطقة استراتيجية أخرى حيث الكاريبي وجزر الأنتيل، فقد كان للروس ومنذ سنوات خلت من عقد التسعينيات، قاعدة متقدمة للتنصت الألكتروني في لورديس الكوبية، يعمل بها أكثر من 1500 من العسكريين والفنيين والمهندسين الروس لمراقبة الغواصات الأميركية في خليج المكسيك وفي الأطلسي والجزر المتناثرة هناك. وقد كانت تلك القاعدة تلتقط جميع الاتصالات الأميركية، لكن موسكو أغلقتها في العام 2001، وذلك كإبداء حُسن نية منها تجاه الولايات المتحدة الأميركية التي كانت تطالب دائماً بإغلاقها.
لقد كان الروس شديدي الحرص على عدم إقلاق الغرب، ساعين لتبديد هواجسه، لكن ذلك لم يكن عربوناً كافياً عند الغرب. بل إن الأخير لم يكن يطلب من الروس ذلك ضمن سياق واضح من المصالح الإستراتيجية بين الطرفين، بل كان هدفه الرئيس هو تقليم أظافر الدب الروسي، وجعله عاجزاً عن أداء دور حقيقي ومؤثر في العالم.
في السابق، سعت واشنطن لأن تقيم حصاراً على طهران عبر إلغاء الحظر الأميركي على تصدير الأسلحة إلى دول محيطة بإيران كطاجيكستان، ومد حلف الناتو إلى منطقة آسيا الوسطى لفصل طهران من جهة الشمال والشمال الشرقي عن كل من روسيا والصين، والدفع نحو تواجد أميركي صلب في جوارها وبالتحديد في أذربيجان وأوزبكستان.
ذات المسعى الذي وافق عليه الروس ضمنياً في تلك المرحلة مع بداية الألفية، باتوا متضررين منه هم أيضاً، كون واشنطن بدأت في استخدامه ضدهم، ولكن بتوزيع مراكز الثقل هنا وهناك، وبالتحديد في منطقة البلطيق، فضلاً عن تسع قواعد جوية وقاعدتين بحريتين وقواعد برية في منطقة المياه الدافئة من غرب آسيا وحتى بحر العرب جنوباً.
اليوم، يلتفت الروس إلى أنهم كانوا مخطئين. وبات عليهم أن يثقبوا الدائرة المغلقة التي كان الأميركيون يريدون إبقاءها محصنة. لقد بدأوا بالزاوية الأكثر حِدّة وهي إيران. لكن المتابع لهذا الأمر يجد أن الروس تأخروا كثيراً كما قلنا. فالإيرانيون على مشارف توقيع اتفاق تاريخي مع الولايات المتحدة الأميركية قد يُغيّر من ترتيبات كثيرة في العالم وملفاته.
وقبل أيام، أعلن مسئول إيراني كبير بأن بلاده قد تقوم بتصدير الغاز الطبيعي إلى الدول الأوروبية عبر خط أنابيب جديد بالتعاون بين إيران وتركمنستان وأذربيجان! وهو أمر إذا ما تم (بالإضافة إلى مشروعها التقليدي مع الأتراك) سيعني بديلاً إلى حد ما عن الغاز الروسي لأوروبا الغربية. وهو أمر سيزيد من عزلة موسكو في مجال الطاقة.
بالتأكيد فإن الإيرانيين سيستفيدون من أي اندفاع روسي تجاههم سواء كان سياسياً أو عسكرياً، مثلهم مثل الهند التي تتبع سياسة السلَّة المتنوعة. فهم يحتاجون إلى الروس في عدة ملفات كسورية وأفغانستان والعراق، الذي كان قد اشترى أسلحة روسية بصفة مستعجلة عبر طهران، لمواجهة خطر استيلاء «داعش» على الموصل.
لكن ما هو مؤكد أيضاً، أن طهران لن تكون لها ذات الحسابات التي كانت لديها في العام 2007، فقد طرأت تغيُّرات مهمة في علاقاتها الدولية. كما أنها تفهم طبيعة التوجه الروسي الجديد وإلى ماذا يرمي. رغم أنها تُبقِي ذلك كمسار ضاغط يساعد على تشكيل علاقاتها الناشئة مع الغرب. وكما قال المتنبي: مصائبُ قومٍ عندَ قومٍ فوائدُ.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4522 - الجمعة 23 يناير 2015م الموافق 02 ربيع الثاني 1436هـ
نتيجة طبيعية لدولة يديرها العسكر
العسكري قد يكون خبير في استخدام السلاح و وضع الخطط للمعارك المسلحة و لكنه غير مختص بحروب الاقتصاد و السياسة.
متابع . . . عتاب من صغير إلى كبير
تأخر الروس فعلا ، لكن أستاذ محمد ألا ترى أنك تأخرت و لو قليلا عن الكتابة حول اليمن ، كل هذه الأحداث الضخمة في اليمن الشقيق ألا تستدعي كتابة وافية ؟ حتى نرسم صورة صحيحة عما يجري هناك وتأثيره على المحيط ؟ اليمن أقرب إلينا من روسيا وسوريا معا . . . . و Thank you
تأخروا ولكن
فعلا تأخروا ولكن عليهم اتخاذ خطوات جريئة وصادمة تجبر الامريكي على التراجع ..
ما شاءالله
ما شاءالله عليك اخي محمد ، من اين تأتي بهذه المعلومات ؟!!!
باختصار
باختصار الروس سيخسرون لانهم لا يجيدون السياسة كالغرب . ايام الاتحاد السوفيتي والآن نفس الاخطاء
سؤال للكاتب
هل القادم انكماش لنفوذ الروسي ؟
ارجو مواصلة الكتابة في نفس العلاقة و التركيز على الجانب الروسي للحصول على تحليل متكامل
مع الشكر لمقالتكم الرائعة
هذه هي السياسة
العلاقات بين الدول سوائاً كانت حليفة او عدوة تقوم على المصالح المشتركة، عندما تيقنت روسيا في عهد فلاديمير بوتين بأن العلاقات مع الغرب وصلت إلى طريق مسدود عادت لتجديد العلاقات بين دول الشرق لكن لا ضمانة لأي حلف أو تعاون عسكري ان كانت مبادئه تقوم على مصالح مؤقتة مرتهنة بالوضع الحالي في المنطقة و الذي من الممكن أن يتغير و يجر معه العلاقات بين الدول إلى هاوية أو طريق مسدود آخر.