بعد أسبوعين من المحادثات المتعثرة وتمديد ليومين إضافيين، انتهى مؤتمر التغير المناخي في ليما عاصمة البيرو بإعلان هزيل ينذر بخلاف كبير يهدد نجاح قمة المناخ المقبلة في باريس أواخر 2015.
بالرغم من الأجواء الإيجابية الناتجة عن «إعلان بيجينغ» الذي وضع، قبل أيام قليلة من مؤتمر ليما، الخطوط العريضة لتفاهم صيني أميركي حول المخاطر الكبيرة لازدياد انبعاثات غازات الدفيئة وأثرها على الأمن والاستقرار العالميين، فإن محادثات ليما لم تتمكن من تجاوز المصاعب الأساسية التي تعرقل الوصول إلى اتفاق مناخي طموح يلقى إجماعاً دولياً.
لقد نجح مؤتمر ليما في إبراز رؤى الدول المشاركة في الوصول إلى صيغة اتفاق عالمي جديد حول المناخ. كما حافظ على الهدف الأساسي في الحدّ من ارتفاع درجة الحرارة العالمية بما لا يتجاوز درجتين مئويتين زيادةً عما كانت قبل الثورة الصناعية. وقد تضمّن مؤشّرات تستهدف وقف انبعاثات غازات الدفيئة بشكل كامل مع حلول سنة 2050.
في المقابل، لم ينجح المؤتمر في توضيح الصيغة أو الأثر القانوني للاتفاق الجديد المرتقب، كما فشل في منح الدول مجتمعة سلطة الفرض أو التعديل في سياسات الدول الأقل التزاماً والأكثر تلويثاً. وهو لم يوفر الضمانات الكافية لاستمرار تدفق التمويل اللازم للحد من انبعاثات غازات الدفيئة وتلطيف آثار التغير المناخي في إطار ما يعرف بالتعويض عن الأضرار والخسائر.
التعاطي الرسمي العالمي مع مشكلة التغير المناخي يمكن تشبيهه بمجموعة من الناس يسافرون على متن سفينة تتعرض للغرق نتيجة ثقب في جانبها تسبب به خلل في تحميل بعض البضائع. فالدول المتقدمة كالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي هي كمثل التاجر الثري الذي يسافر مع بضاعته من سيارات فارهة وأجهزة إلكترونية. أما الدول الصاعدة كالصين والهند والبرازيل فهي كمثل التاجر المستجد الذي يسافر مع بضاعته من الخضار والفواكه. وعلى متن السفينة وضمنها توجد الدول النامية الأخرى التي تتفاوت في ما تحمله، من متاع شخصي خفيف إلى أثاث منزلي بسيط. وفي قعر السفينة تجد الدول الأكثر فقراً والجزر الصغيرة الأكثر عرضةً لمخاطر الغرق.
في البدء كان الخلاف على ما إذا كان هناك تسرب للمياه إلى بدن السفينة، أم لا. ثم كان الخلاف على ما إذا كان هذا التسرب هو أمر طبيعي، أم هو ناتج عن خلل في التحميل. وفيما السفينة تغرق، يتقاذف التجار المسئولية في ما بينهم، فالتجار المستجدون يطالبون بأن يتحمل التجار الأثرياء عبء غرق السفينة، وذلك بإلقاء جزء معتبر من حمولتهم في البحر، فهم لديهم الملاءة الكافية لتحمل خسارة كهذه. أما التجار الأثرياء فيطالبون التجار المستجدين بالمشاركة في إنقاذ السفينة بالتخفيف من حمولتهم أيضاً.
وفي قاع السفينة يرتفع صوت المسافرين المسحوقين الذين غمرتهم المياه حتى صدورهم، لإنقاذهم ومد يد العون إليهم، في حين يكتفي التجار على ظهر السفينة بتزويدهم بضع مضخات للماء لا تكفي لمواجهة التدفق المتزايد إلى جسم السفينة.
وفيما لم تبق سوى ساعات قليلة على غرق السفينة بالكامل، يقف أحد التجار المستجدين ليعلن عزمه على إلقاء جزء من حمولته اعتباراً من مطلع الأسبوع التالي. فيقابله أحد التجار الأثرياء بإلقـاء سيارة من سياراته العشرين في البحـر كبـادرة حسن نيـة. ثم يجتمع التجـار والمسـافرون جميعهم لتناقش أدوار كل منهم في تأخير غرق السفينة إلى حين الوصول إلى أقرب ميناء. وبعد هرج ومرج يتم الاتفاق على تأجيل الحوار إلى اليوم التالي!
العدد 4521 - الخميس 22 يناير 2015م الموافق 01 ربيع الثاني 1436هـ