عندما جاع الإنسان تحرك ليبحث عن ما يأكله، كذلك فعل وهو خائف، وقد استخدم الإنسان قدميه قبل أن يستخدم عقله بوقت طويل، واجتاز المسافات قبل أن يسكن الكهوف.
ولقد عرفت المنطقة سيلاً لا يُحصى من الهجرات البشرية، منها نزوح البحرينيين إلى الكويت، فقد قصدوها منذ وقت مبكر لأسباب يرتبط بعضها بالتطورات التاريخية في البحرين، ومنها ما يتعلق بالكويت كمركز جاذب يغري بالتوطن ويعد بالعيش الرغيد.
كانت الكويت تعرف قديماً باسم القرين والكاظمة. وفي وقت أبعد، عندما كانت الدولة العباسية تحكم العالم الإسلامي من بغداد، كان إقليما عمان والبحرين يعدّان إقليماً واحداً، وكانت البحرين والإحساء والقطيف وكاظمة (الكويت الحالية) أهم مدنه، وبالطبع فإن سكان هذه المنطقة عرب ينحدرون من مختلف القبائل العربية نزلوا فيها قبل عدة قرون، وكانوا يتنقلون منها وإليها بفعل تغير الأوضاع والمناخ.
ويوضح الباحث الكويتي محمد إبراهيم الحبيب (دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر بكلية رويال هولواي) Royal Holloway بجامعة لندن في رسالته للماجستير عن الهجرة الشيعية وتأثيرها على تشكل المجتمع الكويتي وبنيته الإجتماعية، أن الوثائق البريطانية التي ترجع إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، تؤكد حدوث هجرة بحرينية قبل هذا التاريخ، وتُرجع هذه الوثائق هذه الهجرات إلى نهاية القرن الثامن عشر. ويلفت الحبيب إلى أن دوافع هذا النزوح كانت مرتبطة بالصراعات الداخلية التي انعكس أثرها على الأهالي، وتغير النظام الاقتصادي الذي تشكل فيه الأراضي الزراعية عمدته وعماده، وأخيراً أثر الأطماع الإقليمية في البحرين ودورها في تدهور الأوضاع الاجتماعية.
وكان اسم البحرين كإقليم يمتد إلى منطقة كاظمة في الحدود الكويتية، قبيل ظهور الحركة الوهابية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي. وقد أدت مثل تلك التغيرات وبسبب التقارب الجغرافي، إلى هجرات الكثير من العوائل الشيعية والسنية من الإحساء والبحرين إلى مناطق الخليج بما فيها الكويت والمحمّرة والساحل الشرقي للخليج.
وقد قدر المؤرخ الانجليزي لوريمر في مطلع القرن العشرين (1904) عدد سكان الكويت بحوالي 35 ألفاً، مضيفاً إليهم عرب الإحساء والبحرين والإيرانيين، ومن الناحية المذهبية، يقول «جميع مسلمي الكويت تقريباً سنة باستثناء الإيرانيين والبحارنة وبعض الحساوية الذين ينتمون للمذهب الشيعي». (عباس المرشد: البحرين في دليل الخليج، ص 306)».
وقد انتقلت عائلات البحارنة إلى الكويت في النصف الأخير من القرن السابع عشر. وكان انتقالهم على الأغلب مع بعض العائلات الأخرى الذين انتقلوا من البحرين والذين انصب عملهم على التجارة والنقل البحري. وتزامن ذلك مع الطفرة التجارية للكويت وبروزها كمركز تجاري مهم بين الهند وسواحل أفريقيا من جهة وبين إيران والعراق والشام من جهة أخرى، ما زاد في حاجة الكويتيين للسفن بأنواعها. ذلك أنه لم يكن غير القلاليف البحرانيين يمتلكون مهارة صناعة السفن في تاريخ الكويت، حين كان البحر يمثل عصب الاقتصاد والعيش في ذلك الحين.
أما العوائل البحرانية في الكويت فكثيرة، وهي تشكل في الغالب فروعاً لعوائل البحرين في مختلف مناطقها، منها النعيم، سنابس، عراد وغيرها، وأيضاً القطيف التي منها تاروت، دارين وما حولها، حيث تلاحظ تكرار أسماء العائلات على طول الساحل الخليجي من البحرين إلى الكويت، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر من تلك العوائل: القلاف، الخياط، الأستاذ، النعمة، الأشوك، الأسود، العمران، الشماع، الصباغة، الجمعة، الفردان، المرهون، المتروك، السماك، الجزاف، الصيرفي، بن عريعر، الغضبان، العرادي، أكروف، البزاز، بوعليان، وغيرهم.
ويُعد تقرير نيبور (1765) من أقدم التقارير التي تتحدث عن تواجد مجموعة من البحارنة في جزيرة فيلكا، فيقول نيبور كما ترجمه سلوت: «وإلى الشمال قليلاً توجد جزر عدة غير مأهولة، وبالقرب من مدينة القرين توجد جزيرة مأهولة تماماً، هي فيلكا وهي للعرب، ومعظم سكانها أصلاً من البحرين، وفي الوقت الحاضر مازالوا يعيشون أساساً على صيد اللؤلؤ في (المغاصات الموجودة) قرب تلك الجزيرة».
وقد شهد إقليم البحرين هجرات متعددة بحسب الظروف السياسية والاقتصادية، وتعد هجرة البحارنة سنة 1732 من أبرز هجرات التاريخ الحديث، حيث تسبب الغزو العماني للجزيرة في هجرة الكثير من العائلات للمناطق المجاورة كالقطيف وإيران، خصوصاً المناطق العربية كبوشهر والمحمرة.
وفي نهاية القرن الثامن عشر شهدت البحرين موجة أخرى من الهجرة ناحية المناطق العربية ومن بينها الكويت. لذلك يمكن التأكيد على أن هجرة البحارنة بدأت منذ منتصف القرن الثامن عشر -كما دلل نيبور- واستمرت على شكل موجات من الهجرات المتعاقبة حتى القرن العشرين، وأنهم اختاروا ألا يرجعوا إلى البحرين بعد تجربتهم الحياة في الكويت.
وينقسم البحارنة إلى ثلاث مجموعات: حرفيين وفلاحين وتجار. وذوو الحرف منهم اتجه إلى الكويت وميناء «لنجة»، ورغم أن الكويت كانت تتمتع بجاذبية خاصة بحكم الأمان الذي كانت تنعم به والتسامح الذي عُرف به حكامها، إلا أنها لم تكن خياراً مفضّلاً لفلاحي البحارنة كونها أرضاً جرداء غير صالحة للزراعة، ولذا فضّل المزارعون البحارنة الهجرة إلى الإحساء والمحمّرة والبصرة كوجهة، كونها تحتوي على أراضٍ زراعية خصبة يستطيعون أن يمارسوا فيها حرفتهم التي اكتسبوها منذ القدم.
ولكن هذا لم يمنع من تواجد أصحاب حرف أخرى مهاجرة أيضاً، فبالرجوع إلى أسماء العائلات البحرانية نجد أن الغالبية منهم منتسبون للمهن الحرفية كالقلاف والبزاز والشماع والخياط والأستاذ والجزاف، وهي ذات المهن التي تستند إليها عائلات عديدة في البحرين. كما كانت هناك أسماء لعائلات تمتهن التجارة ولاتزال كعائلة الفردان والمتروك.
تلك صفحة من كتاب الهجرة البحرينية الذي يبدو أنه أكبر مما نظن ونعرف.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 4518 - الإثنين 19 يناير 2015م الموافق 28 ربيع الاول 1436هـ
الأسماء والتاريخ
أسماء المجموعات السكانية (دينية طائفية أو عرقية) في حوض الخليج لم تبرز فعلياً بشكل واضح إلا بعد المرحلة النفطية وبدء الاستقرار الاقتصادي و الزيادة السكانية على مناطق الساحل وجزر البحرين ، لذا ضرورة توخي الحذر فيما يتعلق في التداخل ومسح الفواصل الزمنية مما يؤدي إلى إهمال أو ألغاء الكثير من الحقائق التاريخية التي كانت قائمة..
حتى في الكويت لاحقت البعض المضايقات
المضايقات لاحقت البعض حتى عندما هربوا للكويت فرارا م...
معلومات ثريه
معلومات ثريه لتثقيف الشارع البحريني ... بتاريخه
شكرا لمرورك
شكرا لمرورك الجميل
تحيتي الى الاستاذ وسام
شكرا على المقال الرائع الذي يثري التاريخ وحركة الهجرة واسبابها