ما جرى مع مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية هو رسالة مزدوجة. هي ليست قضية جنائية صرفة، ولا سياسية بحتة ولا حتى ثقافية من دون مؤثرات أخرى. كما أنها ليست ذات طبيعة خاصة، تتناسب مع زمان ومكان وأطراف الصراع؛ بل هي أبعد من ذلك بكثير.
نعم، قد تكون ذات علاقة مباشرة أكثر من غيرها في مسألة الرسوم المسيئة للنبي (ص) وبالتالي بين المسلمين وبين المجلة وخطها التحريري، لكن الحقيقة تفيد، بأنها تمنح الصراع الديني والطائفي بُعداً أكبر من كونه بين المسلمين وبين مجلة «لاأدريّة» تمثل قطاعاً ثقافياً علمانياً، ليس له خطوط حمراء في التعامل مع المسألة الدينية.
فما جرى يفتح الباب على مصراعيه للحديث عن المشهد الأكبر من الصراع الديني والطائفي الذي يُخيِّم على العالم، وبالتحديد في منطقة الشرق الأوسط ووسط وشرق إفريقيا، كالصراع الإسلامي المسيحي كما في نيجيريا وإفريقيا الوسطى، والأخطر من ذلك، الصراع الشيعي السُّني، الذي بدأ في أفغانستان فالعراق، ثم انتشر على كامل المنطقة. هذا الصراع العَدَمِي، الذي بات يُهدِّد النسيج الاجتماعي في مناطق واسعة.
ففي دراسة مثل هذه القضايا، يجب أن نُبعِد المجهر كي يُغطي أكبر مساحة ممكنة للقضية. الأمن الفرنسي، اكتشف أن الإطار الجنائي يمتد حتى اليمن في أقصى شبه الجزيرة العربية، وصولاً إلى سورية حيث الغرب الآسيوي. ثم تمدَّد لديه البحث حتى مناطق التوجيه الروحي للمُنفِّذين، حيث مناطق أفغانستان وباكستان في جنوب آسيا.
أما في الأطر الأخرى، فقد تداخل فيها الثقافي حيث الهوية الفرنسية، المشطورة ما بين أوطان بيولوجية وأوطان نشأة، وأخرى ما بين علمانية ودينية، ثم البعد السياسي، حيث المواقف الفرنسية من الصراعات في مالي والصومال ونيجيريا وسورية والعراق واليمن وأفغانستان، وارتدادات كل تلك الملفات على الأمن القومي الفرنسي المضروب في العمق.
أمام هذا كله، فإن الغرب (وبالتحديد الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا) باتَ مطالَباً لأن يُدرك بأن الإرهاب ليس حالة مجردة من تأثيرات متناثرة، تُشكِّل لاحقاً طريقاً معبّداً للفعل الإرهابي، وأن جرائم الإرهاب لا تحصل من دون تلك المحفزات والتأثيرات الصغيرة والمتناثرة، والتي منها الخطاب الإعلامي الطائفي التحريضي.
من هنا، يجب على الغرب ألاّ يُقلِّل من الخطر الذي قد يتعرَّض له جرَّاء الصراعات الطائفية الناتجة عن الخلافات الشيعية السُّنية، والتي بات يُذكيها الخطاب الطائفي التحريضي الذي يبث من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، مستغلاً حرية التعبير المتوفرة هناك، وباتت مفاعيله تظهر في شوارع بغداد حيث الجثث في مكبَّات القمامة أو متفحِّمة على الطرقات، وفي سورية حيث بات القتال يأخذ أشكالاً طائفية فاقعة.
فالخطاب الطائفي، يُماثل في خطورته الرسومات المسيئة للأنبياء كونه يتعرَّض بالشتيمة إلى شخصيات من التاريخ الإسلامي يقدسها مئات الملايين من المسلمين، وكذلك وفي الضفة الأخرى، يهين معتقدات دينية يؤمن بها مئات الملايين من المسلمين أيضاً.
على الغرب أن يُدرك، بأن هناك ملياراً ونصف المليار مسلم تموج على تقسيماتهم المذهبية عشرات الشتائم اليومية، التي تُحمِّي فيهم الرغبة في الانتقام والولوج في الصراعات المفتوحة، التي قد تندلع في البلدان الأصلية للمسلمين، وبالتالي قد تنتقل إلى حيث مصالح الدول الغربية أيضاً، كونها حاضنة لعدد من تلك القنوات الطائفية.
في بريطانيا يجب أن تتخذ هيئة تنظيم الاتصالات البريطانية (أفكوم) كونها الجهة المعنية بتنظيم البث والاتصالات في بريطانيا، قرارات فورية لغلق القنوات الدينية الطائفية التي تبث من هناك، وتُسمِّم مشاعر واجتماع ملايين المسلمين، سواء في دولهم السبعة والخمسين، أو في دول المهجر حيث أوروبا والأميركيتين وأستراليا.
فإذا كانت أفكوم قد أغلقت من قبل قنوات فضائية بحجة مخالفتها لقانون البث كونها «لا تستخدم لندن كقاعدة تحريرية» و»انتهاكها قوانين الخصوصية»، فهي قادرة أن تفعل ذات الشيء مع تلك القنوات الفضائية الطائفية التي تبث من أراضيها.
وإذا كانت أفكوم (ومن الناحية القانونية) مساءَلة أمام مجلس العموم البريطاني كما هو مقرّر، فإنها قادرة على اجتراح قوانين جديدة، طبقاً لمقتضيات الظروف الجديدة، لضبط ذلك الانفلات في التحريض الطائفي المتدفق من أراضيها.
أيضاً، فإن الولايات المتحدة مُطالَبَة هي كذلك بأن تقوم بالشيء ذاته. فإذا كانت واشنطن قد اعتبرت (قبل سنوات) بعض القنوات الفضائية تشكل تهديداً للأمن القومي الأميركي، وَسَعَت في الكونغرس لتمرير «مشروع قانون رقم 2278 يدعو إلى فرض عقوبات» عليها فإنها قادرة اليوم أيضاً أن تُمرِّر مشروع قانون لفرض عقوبات على القنوات الطائفية التي تبث من أراضيها، وتساهم في جلب مشاكل أمنية لها وإغلاقها.
وإذا كان عضوا الكونغرس الأميركي في السابق (غوس بيليراكيس وإيلينا روس ليتينين) قد استطاعا أن يَسعَيا لتمرير القانون، فبإمكان عضوا الكونغرس المُسْلِمَيْن عن الحزب الديمقراطي (كيث اليسون وأندريه كارسون الذي هو أيضاً عضو في لجنة الاستخبارات بالمجلس) أن يطالبا باتخاذ إجراءات عقابية ضد تلك القنوات الطائفية، كونهما معنيَّين أكثر من غيرهما بذلك، بل وحتى لفرض عقوبات على قنوات طائفية في خارج الأرض الأميركية. كما أن الجهات الدينية العليا في العالم الإسلامي (الأزهر الشريف والحوزات الدينية) بإمكانها أن تدعم ذلك وأن تقوم بدور مهم في هذا المسعى وتدفع به.
فمسألة الصراع الطائفي وإذكائه، أمرٌ لا يهدّد أرواح المسلمين فقط، بل يؤثر بشكل أو بآخر على مصالح الدول الغربية في كل أنحاء العالم. وقد خلُصَت كل اللجان، التي درست الوضع الأمني والسياسي في العراق منذ احتلاله سنة 2003، بأن ما يهدّد العراق والمصالح الغربية وفي عموم المنطقة هو الصراع الطائفي فيه، والذي لا يمكنه أن يستعر بالسياسة فقط، بل بشتيمة الرموز والمعتقدات بين المذاهب الإسلامية.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4517 - الأحد 18 يناير 2015م الموافق 27 ربيع الاول 1436هـ
لماذا لا نجد ظاهرة الحروب الدينية موجودة في المجتمات العلمانية ؟
العلمانية أفضل وقاية من مرض الحروب الدينية العدمية المجنونة ، حيث يمارس كل فرد حياته الدينية كحق فردي و ليس كواجب على الآخر التزامه ، سواء كانت القائد أو الطقوس. و تبقى السياسة بعيدة عن سيطرة المذهب و الدين لتكون الدولة مؤسسة حيادية تسع الجميع.
كما وصف السيد حسن نصر الله المحطة الي تبث من لندن
انها ببساطة ممولة من المخابرات. ربما المخابرات البريطانية او الموساد او الامريكية او احتمال اجهزة مخابرات من احدي دول الشرق الاوسط؟؟
الغريب هو ان
القنوات الفضائية تختار دول خارج أوربا بسبب التكلفة العالية وهؤلاء يبثون من هناك!!!!!