العدد 45 - الأحد 20 أكتوبر 2002م الموافق 13 شعبان 1423هـ

رأس الرمّان... على هامش التحديث

تعليقا على مقال أحمد عباس أحمد

أحمد الحايكي comments [at] alwasatnews.com

أوقفني كثيرا مقال أحمد عباس أحمد «هل يأتي دور رأس الرمّان بعد المقشع».

ساق الكاتب أدلة واقعية عن منطقة رأس الرمّان لكنه لم يذكر أن هذه المنطقة كانت في فترة ما تعود إلى بدايات السبعينات موضوعة ضمن المناطق ذات الأولوية في التحديث.

لقد سُميّت رأس الرمّان بهذا الاسم وبحسب المصادر التاريخية والثقافية الشعبية نسبة إلى وقوع آخر شجر رمّان فيها وتبدأ سلسلة هذه الأشجار من منطقة صغيرة داخل قرية السنابس تسمى قرية (مني) وكان إنسان ذلك الزمان عندما يُريد أن ينتقل إلى رأس الرمّان يسأل أهالي (مني) فيقولون له: «خذ سلسلة أشجار الرمّان من هنا إلى الرأس فهناك مُبتغاك»، ولهذا تداول الناس التسمية حتى يومنا هذا.

لسنا هنا بصدد إعطاء معلومة ابتدائية فأجدادنا تناقلوا الاسم حتى استقر في أذهاننا لكن هذا الاسم قد انقرض من التاريخ بعد أن زحفت الحضارة «الاسمنتية» على المنطقة.

لم يتبق الآن من أهالي منطقة رأس الرمّان إلا القليلون جدا، والذين هم متمسكون بالتراث والفلكلور الشعبي «الرأس رمّاني» والقريبون من الجامع أو المأتم أما الباقون فقد غادروا وتناثروا في مشروعات الاسكان وبالتالي تفكك ما يسمى بمجتمع رأس الرمّان «المهيب».

إنَّ جغرافيا محافظة المنامة الآن تُدرك فضل هذه المنطقة عليها.. فقد كانت أشبه بفتاة جميلة أو باستراحة المحاربين القادمين عبر الجسر القديم (الشيخ حمد) بالباصات الخشبية التي تخترق المنطقة اختراقا من شارعها اليتيم وهو باقٍ لحد الآن. لكن التخطيط منحه وسام التجاهل وصار ممرا منبوذا بعد أن تحوّلت كل الأنظار إلى ما يسمى بالمنطقة الدبلوماسية... والأخيرة قامت على أنقاض منطقة رأس الرمّان.

إن أهالي المحرق يعرفون «الشجرة» تلك القامة الخضراء التي كانت تنظر إلى منزل المستشار نظرة فيها الكثير من الريب والخوف. فالشجرة عند أهالي المحرق كانت «محطة» من هناك يأتون وبجانبها ينزلون ثم يذهبون إلى السوق مشيا.

تلك مجرد أسطر قليلة أردت بها أن أصل إلى بيت القصيد. بدأت مأساة رأس الرمّان تظهر عندما جاءت «الحفّارة» الرهيبة وحوّلت شواطئ رأس الرمّان إلى «دفنة» وأراضٍ، وكان من ضمن المخطط التحديثي لهذه المنطقة أن يُمنح أهاليها وأهالي منطقتي «الذواودة والحورة» مشروعا إسكانيا حديثا. وأتذكر أن مهندسا لبنانيا في مطلع السبعينات سلَّم الخرائط والمشروع الجاهزين إلى الحكومة آنذاك، وبعد فترة اختفى المهندس اللبناني لكنه تسلّم نظير تخطيطه الشيء الكثير كما كان يردد الأهالي عنه هذه الرواية!

إن منطقة رأس الرمّان ومعها الذواودة والحورة قد خرجت من بوتقة التاريخ ولم تبق من حضاراتهم غير روائح من أسماء لرجال وأجيال لم يتمكنوا من التصدي لمن تسبب في إزالة العبق التاريخي منهم. فها أنت تجد «مسجدا» محاصرا تختنق مأذنته بمن فيهم رواده برائحة «الشواء» لمطعم مجاور. ولو دققت النظر ستجد المأذنة تساوي ارتفاع مبنيين متلاصقين به، وكأنه يناضل باليد اليمنى ذلك المبنى وباليد اليسرى هذا المبنى. فماذا بقي من رأس الرمّان غير الاسم وهو كاسم لا يوجد حتى على الخريطة؟!

الكاتب أحمد عباس أحمد يطالب بأن تحذو الحكومة حذوها وتقوم بزيارة المنطقة كما سبق لسمو ولي العهد بزيارة قرية المقشع، وهذه مطالب شرعية قد فات أوانها بعد أن تناثر الأهالي في كل مكان، غير أنه تناسى أن يطالب بفتح «ملف تحديث» المنطقة وما يجاورها.. ولماذا أُغلق؟! ولماذا تم تفضيل العمارات والفنادق على أهالي هذه المناطق؟ ولمن آلت ملكية مياه البحر بعد أن تحولت إلى أراضٍ يُباع المتر المربع منها بما يزيد على 35 دينارا؟

إننا اليوم لا نغفر لأجدادنا الذين لم يتحركوا في الوقت المناسب ليطالبوا بأحقيتهم، فما ينفعني منزل جدّي المتهدم الآن الذي تحوّل إلى بؤرة خربة... وهو في أرقى مناطق المحافظة؟ أقول منطقة راقية لكنها الآن على هامش التاريخ

العدد 45 - الأحد 20 أكتوبر 2002م الموافق 13 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً