تقاس معايير تقدم الدول بتقدم مستوى التعليم لديها. التعليم يشكل ركيزة اساسية لرقي وحضارة أية أمة بشرية، للاسف الشديد فإن نظام التعليم في البحرين من دون أدنى شك يشهد تراجعا مريعا، ليس هذا فحسب، بل ان اكثر العائلات البحرينية من ذوي الدخل المحدود، والتي يهمها مستقبل ابنائها، عزفت عن تسجيل ابنائها في المدارس الحكومية، بسبب تدني مستواها التعليمي والتربوي. وفي النقيض هناك اقبال منقطع النظير من العوائل البحرينية على تسجيل ابنائها في المدارس الخاصة، على رغم سجلها غير المنصف، لممارستها مهنة التعليم كسلعة تجارية رائجة. حقيقة الامر اننا في البحرين في ورطة كبيرة لا مخرج منها، نتيجة لتراكمات مشكلات التعليم على مر التاريخ التعليمي البحريني، الذي كان له الريادة في تعليم الاولاد والبنات. عدم الاهتمام بإصلاح الخلل التعليمي في الماضي ولد مشكلات جديدة في الحاضر، من هنا بجب ايجاد الحلول الناجعة للتغلب على هذه المشكلة الحضارية، بإصلاح النظام التعليمي في البحرين.
المملكة عبرت عن اهتمامها البالغ بإصلاح النظام التعليمي في البحرين والارتقاء بمستواه الحضاري، بتضمين ميثاق العمل الوطني، ودستور 73 ودستور 2002م نصوصا الزامية لتشجيع العلم والمعرفة والاداب والفنون والتعليم. ميثاق العمل الوطني الذي صوّت عليه الشعب بنسبة 98 في المئة ولم يختلف عليه اثنان، شجع رعاية الدولة للتربية والتعليم، في المادة (8): حول التعليم والثقافة والعلوم: تنص على أن ترعى الدولة العلوم والآداب والفنون، وتشجع البحث العلمي، كما تكفل الخدمات التعليمية والثقافية للمواطنين، ويكون التعليم الزاميا ومجانيا في المراحل الأولى التي يحددها ويبينها القانون الذي يضع ايضا خطة للقضاء على الأمية.
وتعد الجامعات بمثابة منارات للاشعاع الفكري والتقدم العلمي مما يقتضي توفير الحرية الاكاديمية لها وضمان ممارسة هذه الحرية وانفتاحها على آفاق المعرفة، وتعمل الدولة على تشجيع التعليم الخاص وتأسيس الجامعات والمعاهد الخاصة، مع دعم مؤسسات البحث العلمي والتكنولوجي وربط نظام التعليم بسوق العمل لتلبية حاجات البلاد من القوى البشرية المؤهلة في الحاضر والمستقبل.
دستور 2002م في المادة (7)
أ - ترعى الدولة العلوم والاداب والفنون، وتشجع البحث العلمي، كما تكفل الخدمات التعليمية والثقافية للمواطنين، ويكون التعليم الزاميا ومجانيا في المراحل الأولى التي يعينها القانون وعلى النحو الذي يبين فيه ويضع القانون الخطة اللازمة للقضاء على الأمية.
ب - ينظم القانون أوجه العناية بالتربية الدينية والوطنية في مختلف مراحل التعليم وأنواعه، كما يعنى فيها جميعا بتقوية شخصية المواطن واعتزازه بعروبته.
ج - يجوز للأفراد والهيئات إنشاء المدارس والجامعات الخاصة باشراف من الدولة، وفقا للقانون.
د - تكفل الدولة لدور العلم حرمتها.
الواقع أن هذا العالم متغير بفضل المتغيرات الحضارية والفكرية وعوامل العولمة الثقافية، فلابد أن تشملنا رياح التغيير الدولية ولا نستطيع اغلاق جميع النوافذ حتى لا تصلنا رياح التغيير. الاعتراف بالعلماء والمفكرين كمعلمين ومربين للاجيال حقيقة لا يمكن تجاهلها. فقد كانت مهمة التربية والتعليم يتكفل بها المفكر او الفيلسوف او الحكيم، وتكفل ارسطو وافلاطون وغيرهما من الفلاسفة في العهد الاغريقي القديم، بتعليم الناس الاخلاق والمثل والتقاليد والعلم، وكانوا بمثابة المعلمين الاوائل عند الإغريق لغياب الانبياء والمرسلين. وعندما اصطفى المولى سبحانه وتعالى ابناء ابراهيم لحمل رسالته الالهية، ارسى ابناء ابراهيم اللبنة الاولى للعلم والمعرفة والتربية والتعليم وعلم الاخلاق. وفوق هذا امتد المد الحضاري الانساني ليشمل الشرق الذي صدر لنا الحكمة الشرقية، فظهرت طبقة البراهما الهندوسية لتعلم الناس وتهذبهم وتثقفهم امور دينهم ودنياهم، معتمدين على الاخلاق نقطة انطلاق قوية لنشر الوعي الديني الهندوسي. إلا ان مجيء بوذا - بصفته المعلم الاول في الشرق - اضاف اهمية كبرى إلى دور المعلم في تلقين البشر العلم والمعرفة، فقد وضع اصول التعليم والتربية ودورها في تقويم النفس البشرية، منطلقا من مفهومه الذاتي لتحمل الانسان العذاب والالم حتى يشعر بمعاناة غيره من البشر. كذلك الحال بالنسبة إلى ملقن الاخلاق الحكيم الصيني الكبير كونفوشيسيوس. رسولنا الكريم محمد عليه افضل الصلاة والسلام لم يكن متعلما بل كان اميا، ولكن الله علمه وثقفه حتى اصبح من اعلم البشر، واستطاع بسعة علمه نشر رسالة الاسلام السماوية، لتعليم الناس وتثقيفهم بأمور دينهم ودنياهم.
من هنا لابد من التركيز على التعليم، وايجابية اصلاحه، لتخريج طلبة بحرينيين مسئولين عن التنمية ومنتجين ولهم انجازات ملموسة في مجتمعهم الكبير. ولاصلاح نظامنا التعليمي لابد من تحديد نواحي القصور في نظام التعليم البحريني ومنها:
1 - قدم المناهج: عدم اخضاع المناهج التعليمية للتجديد المستمر، لا يتوافق والتطورات الحديثة التي طرأت على المناهج التعليمية الدولية الحديثة والنامية.
2 - عدم الكفاءة: هي مشكلة يعاني منها نظام التعليم في معظم بلدان العالم الثالث لعدة اسباب منها: قلة الموارد المادية، فقدان الرغبة في التعليم بسبب الظروف الاقتصادية، فقدان وسائل الاتصال الحديثة، تردي الاوضاع المعيشية للمدرسين ومستوى رواتبهم، عدم مواكبة المدرسين لوسائل وطرق التعليم الحديثة، وتدني المستوى الثقافي للمدرسين ومديريهم وأجهزتهم التنفيدية.
3 - الانظمة الادارية: تخلف الانظمة الادارية سبب رئيسي في تفشي الفساد الاداري والمحسوبية في التوظيف، وانعدام وجود اجهزة الرقابة الادارية على الموظف لتقييم مستوى ادائه وانتاجه.
4 - سياسة التوظيف: يجب ان تكون وفقا لخطة مدروسة بمنهجية واقعية واضحة ومحددة، إذ لا يعين المدرس المناسب إلا في المكان المناسب، والامر ينطبق على مسألة الترقيات التي يجب ان تخضع لنظام التقييم لاختيار المدرس الكفوء. لهذا فإن سياسة توظيف مدرسين من الخارج ليس لها مردود ايجابي ما لم يخضع هؤلاء المدرسون إلى دورات تدريبية، وهذا يتطلب اعتمادات مالية اضافية يجب صرفها على تدريب المدرسين البحرينيين. المدرسون الاجانب غير مطلعين على مشكلات نظام التعليم في البحرين، لهذا فإن توظيفهم خطأ كبير لا تنتج عنه سوى نتائج عكسية ستؤدي حتما إلى تفاقم وضع التعليم في البحرين.
اذا ما هو الحل؟ الحل بحسب رأيي يكمن في تشكيل لجنة وطنية عليا تتألف من شخصيات تعليمية حكومية وجمعيات النفع العام ومؤسسات المجتمع المدني، وتضم ايضا خبراء بحرينيين في التعليم لدراسة مشكلات التعليم ووضع خطة متكاملة للنهوض بالتعليم تأخد في اعتبارها المقومات الآتية:
1 - الاستعانة بالخبرة البحرينية لتقويم التعليم.
2 - اجراء دراسات ميدانية للاطلاع على وضع المدارس ومدرسيها وطرق واساليب ادارتها.
3 - الشروع حالا في تشكيل لجنة لوضع مناهج تعليمية حديثة قابلة للتجديد بين فترة واخرى لتحديث اساليب وطرق التدريس بحسب متطلبات المجتمع البحريني وخصوصياته.
4 - وضع حد للاستغلال التجاري للتعليم الذي بدأ يستفحل وتزداد خطورته على الوضع التعليمي والتربوي في البحرين
العدد 45 - الأحد 20 أكتوبر 2002م الموافق 13 شعبان 1423هـ