واصلت الصحف العبرية حملاتها على لبنان وحزب الله وسورية، هذه المرة على خلفية مشروع لبنان جر المياه من نهر الوزاني لإرواء القرى الجنوبية العطشى، فمن الواضح ان إصرار لبنان على عقد احتفال كبير من دون اكتراث للنصائح الدولية خصوصا الأميركية، بإقامته من دون صخب إعلامي، وحضور رئيس الجمهورية اللبناني إميل لحود الحفل على غير ما كان معلنا شكّل مفاجأة على ما يقول ديفيد رودج في جيروزاليم بوست، أما تكريس لبنان يوم 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2002 كمحطة تحرير للمياه اللبنانية بعد تحرير الجنوب في 25 مايو/ آيار 2000 ميزّه حسب شارون روفا في يديعوت أحرونوت، أكثر من أي شيء آخر عَلَم حزب الله الذي رفع على المنشأة فقد كان تعبيرا عن «المقاومة ضد إسرائيل» فيما عمدت الصحف الإسرائيلية إلى فتح ملفات تتنازعها أمور عدة ليس أقلها كيل الاتهامات للبنان وسورية بالعمل على استفزاز إسرائيل... وكان لا بد للمحللين الإسرائيليين من إيجاد العذر لحكومتهم عما أسموه استغلال لبنان للوضع الدولي للحصول على مياه الوزاني أو توجيه اللوم إلى الطلب الأميركي بضبط النفس لأن واشنطن منشغلة في التحضير للحرب على العراق... ولا تريد جبهة ثانية... أما المثير للسخرية، فكان الحديث عن تأجيل الانتقام من لبنان، إذ لم ينس أحد الكتاب الإسرائيليين من أن يحذر وينبه إلى ان ثمة حقيقة جديدة ستظهر بعد الحرب الأميركية على العراق، وهي ان قدرة لبنان وسورية على استفزاز إسرائيل ستصبح محدودة.
وإذ رصدت جميعها مفاعيل افتتاح مضخة الوزاني، على المستوى الرسمي الإسرائيلي، فقد هدد وزير إسرائيلي لبنان بالرد عسكريا في حال قام بضخ «كمية أكبر من الحد الأدنى الضروري» من مياه نهر الوزاني. وقال وزير النقل إفراييم سنيه، إذا قام لبنان بضخ كمية أكبر من الحد الأدنى الضروري، ستضطر إسرائيل إلى اللجوء إلى العمل العسكري. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، حذر الشهر الماضي من ان إسرائيل قد تعتبر هذه المسألة «سببا للحرب». وبعد الاحتفال اللبناني بضخ مياه الوزاني، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز، أمام الكنيست ان إسرائيل لن تسمح بأن يتخذ لبنان تدابير أحادية الجانب بشأن نهر الوزاني. أما موقف المؤسسة الأمنية وفي الجيش الإسرائيلي، فنقله روفا، إذ أشار إلى انهم يتابعون بتوتر تقدّم الأعمال في محطة الضخ من منابع الوزاني، وأشارت حسب نوفا، مصادر الجيش، إلى ان إسرائيل اتخذت قرارا بمحاولة استنفاذ المسار السياسي في الطريق لحل الأزمة. وإذ أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية، ان ملف لبنان وتحديدا ملف مياه الوزاني كان حاضرا في المحادثات التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، في واشنطن مع رئيس الاستخبارات الأميركية جورج تينيت، ووزير الخارجية كولن باول، أكدت معلومات ألوف بن في هآرتس، ان ردّ إسرائيل، على أي هجوم لبناني، سيكون جزئيا ومحدودا ولن تسعى الدولة العبرية إلى توسعته.
وتطرق ديفيد رودج في جيروزاليم بوست، إلى افتتاح مشروع نهر الوزّاني في لبنان. فنقل أحداث الافتتاح بدءا بما وصفه «مفاجأة» حضور الرئيس اللبناني الاحتفال. ولاحظ ان إسرائيل، لم تقدم على أي عمل بل تجاوبت مع المطالب الأميركيّة بالتحفّظ وضبط النفس للتوصّل إلى تسوية معيّنة وذلك بهدف عدم الإطاحة بهدف أميركا الأساسي وهو القضاء على النظام العراقي سواء أكان ذلك مع دعم دولي أو من دونه. لكن هيرب كاينون في جيروزاليم بوست، بدا أكثر غيظا من الاحتفال اللبناني بمياه الوزاني، فعلّل أسباب امتناع إسرائيل، عن وضع حدّ لهذا المشروع، واعتبر انه ليس ناجما عن نقصٍ في قدرتها على اتخاذ القرارات. فإسرائيل، مقتنعة بأن هذه اللعبة لم تنتهِ بعد. ونقل عن مصدر إسرائيلي ان المسألة ليست في حفل افتتاح وإنما في كميّة المياه التي يعتزم لبنان، على ضخّها. ونقل عن مصدر إسرائيلي آخر ان لبنان، يريد عبر هذا المشروع أن يثير جلبة من دون الدخول في نزاع مباشر مع إسرائيل. ولفت كاينون، إلى ان اللبنانيين تماما كما الإسرائيليين ما زالوا يسمحون بالوساطات الأميركيّة في معظم الأمور، لأنهم يعون بأنه بعد الحرب على العراق، سيأتي يوم لا يرغب فيه لبنان، أن يكون على لائحة من تعتبرهم أميركا، من الأشرار. وقال ان سورية تعي أيضا هذا الأمر، ولا تريد أن تعتبر عاملا من العوامل التي عقّدت حملة أميركا، على العراق. ولم ينس كاينون أن يحذر وينبه إلى ان ثمة حقيقة جديدة ستظهر بعد الحرب الأميركية على العراق، وهي ان قدرة لبنان وسورية على استفزاز إسرائيل ستصبح محدودة.
من جهته، ألوف بن في هآرتس، تحدث عن احتمال استغلال حزب الله، الهجوم الأميركي على العراق، ليعمل على استفزاز إسرائيل. وكعادته في الكشف عن الأسرار العسكرية، زعم بن، استنادا إلى مصدر إسرائيلي مطّلع، ان حزب الله، يحاول الحصول على صواريخ أرض أرض، مداها 300 كيلومتر قادرة على بلوغ أي مكان في شمال إسرائيل. لكنه نقل عن مصدر إسرائيلي آخر ان شارون، أثار موضوع لبنان مع رئيس الاستخبارات الأميركية جورج تينيت، ووزير الخارجية كولن باول. وأكد المصدر ان ردّ إسرائيل، على أي هجوم لبناني، سيكون جزئيا ومحدودا ولن تسعى إلى توسعته. وعلى رغم ان إسرائيل، ستحمّل سورية المسئولية، لكنها لن تتحرك ضدّ السوريين لأنها لا تريد إشعال الحرب في المنطقة. لكن جيروزاليم بوست، صبّت جام غضبها على لبنان واللبنانيين والطاقم الحاكم في هذا البلد الذي حاول في قضية مياه الوزاني تحدّي إسرائيل لجرّها إلى نزال معهم... وأرّخت للازدهار الذي كان ينعم به لبنان في الماضي، وعلى رغم من ان لبنان، لم يكن مستقرا سياسيا نظرا للانقسام بين المسيحيين الموارنة والسنّة المسلمين، إلا انه كان أكثر الدول تسامحا وانفتاحا بالنسبة لمعظم الدول العربية... ورأت ان المرضين اللذين يفتكان بلبنان، وهما التمييز الطائفي والهشاشة في مواجهة الخارج لم يشفيا عند اللبنانيين أبدا. وتابعت انه في العقد الأخير، برزت موجة إعادة تأهيل لبنان وإعادة إعماره. فشهدت بيروت، عودة للرساميل الخارجية. لكنها رأت ان قادة لبنان، لم يمتلكوا أبدا الشجاعة الضرورية ليقفوا في وجه القادة العامين السوريين ورجال الدين الشيعة الذين هددوا مصير بلادهم. وأضافت ان المستثمرين الأجانب فهموا ان السوق اللبنانية هي في يد السوريين وهي مليئة بالفساد. لكن سورية، وحسب زعم جيروزاليم بوست، التي لم ترضَ أبدا الاعتراف باستقلال لبنان، ما فتئت تتدخّل بأموره، لافتة إلى ان مناوشات المسلمين في السبعينات ضدّ المسيحيين والأميركيين!! أدّت إلى دخول سورية وإسرائيل، إلى الأراضي اللبنانية فيما أجبرت القوات الفرنسية والأميركية على دفع ثمن فشلها في إعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي إلى لبنان... وأخيرا قدّمت الصحيفة الإسرائيلية نصيحة خبيثة، إلى اللبنانيين، وكي يتمكن لبنان، من الحفاظ على حقّه في الوجود لا بد من أن يتخذ قرارات لصالح التناغم والانسجام الدولي القائم. معتبرة ان الرقص مع من أسمتهم الذئاب أمثال أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، ليس خطوة جيّدة في هذا الاتجاه.
لكن الحملة لم تتوقف هنا بل تابعها آفي جوريش (أميركي) في جيروزاليم بوست، في تحقيق مثير له يدّعي انه حصل على معلوماته بعد زيارته بيروت!! ويلفت فيه إلى ان تلفزيون المنار التابع لحزب الله يبث إعلانات لشركات أميركية كبرى... مثل البيبسي كولا... وويسترن يونيون وغيرها... وهو وإن لفت إلى ان تلفزيون المنار، يعطي لنفسه صفة محطة المقاومة، أكد انه يضم بين موظفيه عددا كبيرا من الأشخاص الذين سبقوا وكانوا أعضاء فاعلين في حزب الله. وقال انه فوجئ عندما رأى ما تملكه محطة حزب الله، من تقنيات إعلامية عالية. لكن ما فاجأه أكثر هو ان عددا من الشركات الأميركية الكبرى التي تبث إعلاناتها على شاشة المنار. وتحقق جوريش، من ان المنار يعرض هذه الإعلانات في محطته الأرضيّة وليس الفضائيّة. وحسب جوريش فإن هذه المحطة تعلم انها تقوم بمخالفة كذلك الشركات الأميركية المتعاقدة معها لكنها تريد أن تستثمر أموال الإعلانات وتبقي على ما يزعم علاقتها بـ «الإرهابيين» بعيدا عن أعين المراقبين الدوليين (عبر عدم بثها على الفضائية). فبالنسبة للأميركيين، تمرير هذه الإعلانات على محطة المنار، ليس أمرا خاطئا وحسب وإنما هو أمر غير شرعي. فحزب الله، أعلنته واشنطن رسميا بناء للقرار التنفيذي 13224 مجموعة «إرهابيّة» خاصة. كما ان القرار 12947، وميثاق المجموعات الاقتصادية العالمية، يمنع تقديم أية مساعدة ماليّة أو تكنولوجيّة لأي مجموعة «إرهابية». وختم جوريش، بالقول انه في الوقت الراهن، بما ان أرواحا كثيرة موضوعة على المحكّ بسبب ما أسماه فساد حزب الله وحلفائه، على الشركات الأميركية أن تبلّغ المساهمين فيها كما أن تبلّغ وزارة الدفاع الأميركية بأن بث الإعلانات على المنار، ليس خيار أي جيل جديد.
الجدير ذكره، ان أكثر من مراقب في بيروت أكد ان لا إعلانات أميركية على شاشة المنار ليس خوفا من العقاب الأميركي بل التزام بقرار المقاطعة الشاملة للبضائع الإسرائيلية والشركات الأميركية الداعمة لإسرائيل
العدد 45 - الأحد 20 أكتوبر 2002م الموافق 13 شعبان 1423هـ