الظروف لا تُغيِّر الإجابات فقط بل الأسئلة أيضاً. في السابق، كان يُتَساءل: هل لإيران نفوذ في العراق؟ بعدها تغيَّر السؤال إلى: إلى أيّ حدٍ هو ذلك النفوذ؟ بعدها قيل: ما هي معالِم ذلك النفوذ؟ ثم قيل: كيف استطاع الإيرانيون النفاذ إلى مفاصل الدولة والمجتمع في العراق؟ واليوم يقال: متى سينتهي ذلك النفوذ؟ أو كيف السبيل للتفاهم معه.
في مقال سابق، قلت بأن المحددات الخمسة: الجغرافية، والتاريخية، والثقافية والاجتماعية، والاقتصادية هي التي صاغت العلاقات العراقية الإيرانية على مر التاريخ، لكن أيضاً لا يجب إغفال دور الظروف الآنية والمتوالية في تكوين منسوب تلك العلاقات. بمعنى دور موازين القوى والمصالح في تقويتها أو إضعافها.
فالحقبة التي كان فيها البعث يحكم العراق (1968 – 2003) كانت تلك المحددات موجودة، لكنها ونظراً لظروف الخصومة التي كانت سائدة بين البلدين، لم تشفع لأن لا يقع نزاع مسلح دام ثمانية أعوام (1980 - 1988) كأطول صراع في القرن العشرين. هذا فيما يتعلق بالظروف الآنية والمتوالية وضبط موازين القوى المتوزعة داخلياً وإقليمياً وتفسير المصالح.
الحقيقة، أن المرحلة الحالية من العلاقات العراقية الإيرانية هي من المراحل المفصلية جداً للمنطقة برمتها، والتي يتوقف عندها المراقب. فهي ليست علاقات نِدِّيَّة بقدر ما هي علاقات لا تحكمها الأكتاف المتساوية بفعل غياب التكافؤ بين الدولتيْن. فالعراق تحكمه دولة هَشَّة، وظروف أمنية صعبة، ومحيط إقليمي متخاصم معه (أو متخوف منه) إلى حد كبير، فضلاً عن أنه مُهدَّد بالتقسيم الحاد ولدوافع عرقية في الشمال وطائفية في الجنوب والوسط.
في حين أن إيران تحكمها دولة متماسكة وبها ظروف أمنية مستقرة إلى حد ما، مع قدرة على تحويل مواردها إلى قيمة اقتصادية ومُؤثرة في آن واحد. ورغم علاقاتها المتوترة مع المحيط الإقليمي، إلاَّ أنها قادرة على اختراقه إلى ما وراء ذلك المحيط وعقد صفقات مع الدول الكبرى. من هنا، يغيب عنصر التكافؤ بينها وبين العراق، لتتحول إلى علاقات ذات تأثير من طرف واحد.
كانت أول زيارة للخارج يقوم بها رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي هي إلى طهران، كتأكيد من العراق على أن أولوياته في العلاقات الخارجية والمصالح هي معها. بل ولا يكاد يمر أسبوع دون أن يزور مسئول عراقي العاصمة طهران. وربما نظرة سريعة على بروتوكول الخارجية العراقية والإيرانية لهذا الشهر يُظهِر لنا عدد المسئولين العراقيين الذين زاروا طهران، وعدد المسئولين الإيرانيين الذين زاروا العراق وعلى أعلى المستويات.
لا تقتصر هذه الزيارات على المسئولين السياسيين والعسكريين فقط، بل امتدت حتى لقطاع المثقفين العراقيين، والمسئولين عن الصحافة والإعلام والفن والإنتاج التلفزيوني في العراق. وقبيل مناسبة الأربعين لهذا العام، وقّعت بلدية طهران ومحافظة كربلاء اتفاقاً يقضي بمساهمة طهران في تنظيم هذه المناسبة الدينية بعشرة آلاف إيراني «متطوَّع» كما وصفتهم.
وقد شَهِدَ هذا العام، توافد مليون وسبعمئة ألف إيراني قَدِمُوا إلى العراق عبر الحدود لزيارة الأربعين، بتأشيرة دخول قيمتها دولار واحد فقط، ترافقهم أكثر من 1000 من الحافلات وسيارات الإسعاف مع تغطية تأمين صحي كاملة، حسبما أفاد بذلك رئيس منظمة الحج والزيارة في إيران سعيد أوحدي، وبتأمين جماعي من الحرس الثوري (راجع تصريح نائب القائد العام للحرس حسين سلامي) وكذلك الهلال الأحمر الإيراني والمقر المركزي لقوافل النور.
في ملمح آخر من ملامح النفوذ الإيراني في العراق هو الجانب العسكري. فالصور التي تُظهِر القائد العام لقوات القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني وهو يجول في ساحات القتال في العراق، سواء في بغداد أو ديالى أو الأنبار أو مناطق الأكراد، وبمعية ضباط الجيش العراقي وقوات البيشمركة والميليشيات والعشائر العراقية... لم تعد خافية، وتُظهِر مدى الحضور الإيراني العسكري المباشر في العراق، عبر مدخَلَيْه السياسي والديني.
وقد شُيِّعَ في طهران الاثنين الماضي وفي موكب رسمي، العميد حميد تقوي الذي قُتِلَ في مدينة سامراء العراقية حيث كان يقاتل إلى جانب الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي هناك (كما جاء في نص التصريح الإيراني). وللعلم فإن تقوي هو أحد القادة الكبار في الحرس وكان من قادة مقر رمضان العمليات خلال الحرب العراقية الإيرانية.
وقد صرَّح أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأدميرال على شمخاني صراحةً أن دعم إيران للعراق «أسفر عن نتائج مهمة من جملتها الحيلولة دون سقوط بغداد وأربيل بيد داعش». بل قال بأن «إيران ترى أن من مسئوليتها العمل على استعادة الاستقرار والهدوء للمنطقة» في نبرة تأكيدٍ على الحضور الإيراني في دائرة جغرافية ممتدة وبلا حد.
هنا، وبعيداً عن تقييم كل ما جرى ويجري من نفوذ إيراني في العراق، فإن الحقيقة تفرض على العديد من الدول العربية أن تعيد حساباتها فيما خصّ العلاقة مع العراق، والعزم على تحويله من مكان مُرِيب إلى بلد يمكن التعامل معه بشكل أكثر إيجابية. حيث أن نسج علاقات قوية مع العراق يعني الوقوف على أرض عربية وإسلامية صلبة في غرب آسيا، وبجوار آسيا الصغرى، فضلاً عن إمكانية إقامة تسويات سياسية بين المتخاصمين في المنطقة.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4499 - الأربعاء 31 ديسمبر 2014م الموافق 09 ربيع الاول 1436هـ
ايران والعراق
لقد اطلعت على مقالكم ... وخلاصته في الأسطر الاخيرة تعبر عن عقل راجح وتفكير منطقي ... لايفكر به لا سياسي ولا إعلامي كما لم الحظ اي تعابير طائفية تكون واضحة هذه الأيام عند الحديث عن ايران والعراق بارك الله بكم
نعم لايران علاقات قوية
مع العراق بل و مؤثرة بحكم التاريخ المشترك بيننا و بينهم وبحكم الجغرافية والعوامل الاجتماعية الاخرى والدينية بل ان علاقاتنا الاجتماعية و الثقافية مع ايران اقوى من بعض الدول العربية كشمال افريقيا مثلا فهل تريدون منا ان نقيم علاقات مع بلدان تكفر الشعب العراقي و تستحل دمه وتبعث له الارهابيين ...........؟ اكاد اجزم اننا بلد واحد و خصوصا مع محافظة الاحواز حيث لا اشعر باي فرق بينهم و بين ابناء الجنوب العراقي حيث لا اميز بينهم بكل النواحي .
علي جاسب . البصرة
برزاني
راجعوا اعترافات مسعود بارزاني حول القوات الإيرانية التي ساعدته على الصمود والا أصبح في خبر كان
من الطبيعي مساندة ايران للعراق،لأن سقوط العراق يعني سقوط ايران
دول الجوار بدلا من مساندة العراق قامت بزعزعة استقراره من خلال إرسال العصابات المجرمة لتفجيره ونشر الطائفية ومساندة نوازع التقسيم،ومما يؤكد ذلك عدم فتح سفارة واحدة في العراق....ليس هناك خصومات فعلية،بل إملاءات قسرية لزعزعة استقرار العراق. لذا لا تلومن ما يفعله العراقيين.
العراق دولة مستقلة ذات سيادة
بعد الآن وجود لأي قوة أو أي دولة ؛ فالعراق دولة مستقلة. و وجود الإيرانيين كوجود أي سائح أجنبي أو أي زائر للعتبات المقدسة. و إللي عنده دليل يأتي به!
حاجة في نفس يعقوب
هناك خلل في النظرة العامة والخاصة التي تنظر بها، والتي تنطلق منها نظراتك وتخليلاتك، بحيث أن من هو ضد يجدك مرتعاً لتبني ونهل كل ذلك، سواء بوعي أم بلا وعي، لكنه لا يضيف ما يفيد إلا لتلك الفئة ومن هم على شاكلتها.
آفة التفكير
لا يكون خوفكم فقط من التحليل المتزن بل حتى من تأويلات ذلك التحليل والتي تصنعونها أنتم وهذه آفة من آفات التفكير
الله يرحمك ياصدام
أيام صدام ئخسون الأرانين يرفعون رواوسهم الباطل ساعة والحف لقيام الساعه ل
صدام
عندك حسرة على هذا الجزار..الله يحشرك معاه أينما ذهب قل آمين.يمكن راح الجنة هههههههه
أشوف اليوم حارب إيران بمساعدة العرب والدول الغربية 8 سنوات اشوف انتصر عليها طاح حضه دمر بلده ومزق الأمة الإسلامية وجعل اساطيل امريكا في الخليج. ماقدر على إسرائيل هجم على الإخوان في الكويت شردهم. وين عقولكم.
ايران و تركيا دولتان اسلاميتان استراتيجيتان
على الدول العربية و الخليجية بشكل خاص أن تتسم علاقاتهم مع ايران بالإيجابية، ايران دولة مؤثرة جدا في المنطقة و العداء معها سيؤدي الى طريق مسدود فقط.
من أجل تقوية الأمة الإسلامية ضد المشاريع الغربية يجب علينا الإتحاد فبالنهاية نحن أمة واحدة مهما كانت الاختلافات الطائفية بيننا.