خلال السنوات الماضية، تم القيام بمجموعة خطوات تهدف إلى حماية وتعزيز حقوق الإنسان ونشر الثقافة الحقوقية في المجتمع من خلال عديد من البرامج والفعاليات والأنشطة، منها إنشاء مؤسستين تعنيان بحقوق الإنسان، والمشاركة بفعالية في برامج المنظمات الدولية والالتزامات القانونية تجاه الاتفاقيات الدولية.
وعلى الرغم من مجمل هذه الجهود، إلا أن الرأي العام المحلي لايزال يرى في كل هذه الجهود محدودية في الفاعلية والتأثير، مقارنةً بما هو موجودٌ في دول أخرى، وبسبب تزايد الوعي الحقوقي، وسعة إطار مجالات حقوق الإنسان، وضعف العلاجات للحالات الموجودة وتراكمها.
المبادرات التي أطلقها عديد من المحامين والحقوقيين للمطالبة بتحسين وتقنين حقوق الإنسان بحاجة إلى إعادة صياغة وطرح متواصل، وتشكيل إجماع وطني حولها حتى يمكن أن تتحول إلى ميثاق جمعي يتناول مختلف قضايا حقوق الإنسان لتضمينها ضمن أي مشروع حقوقي وقانوني قادم.
إن مثل هذه المبادرة تنطلق من إقرار تأصيل هذه الحقوق الفردية والجماعية، وتحويلها إلى منظومة قانونية مؤصلة في مختلف مصادر التشريعات، وإعطاء المجتمع الحق في المشاركة العادلة والحرة لتأكيد استدامة ونجاعة السياسات الاجتماعية والثقافية والسياسية.
ينبغي أن تنطلق هذه المبادرة من ذوي الخبرة والتجربة من المجتمع المدني أفراداً ومؤسسات، بالتنسيق والتعاون المشترك مع الجهات الرسمية المعنية في مختلف أجهزة الدولة، دون أن تخضعها لتوجّهاتها، حتى تكون معبّرةً عن تطلعات المواطنين وتهتم بضمان حقوقهم وصيانتها.
ولكون حقوق الإنسان مسئوليةً جماعيةً مشتركةً وتهدف إلى إيجاد آليات مناسبة لرعاية الحريات الشخصية وضمان المواطنة الكاملة وتحقيق الإدماج الكامل لكل أبناء المجتمع، فإن إشراك مختلف الفرقاء في هذا الجهد الوطني يعتبر أساساً لنجاحه كي يعبر عن مشتركاتهم وقضاياهم.
وحتى يحقق مثل هذا الميثاق أغراضه وأهدافه، فإنه من اللازم أن يكون شاملاً لمختلف أبعاد وقضايا حقوق الإنسان التي ترد عادةً في مختلف المواثيق كالحق في الحياة الكريمة، والحق في الحماية والأمان، والحق في الاختيار الحر، والحق في المساواة وعدم التمييز، والحق في المواطنة والمشاركة، والحق في التنمية الإنسانية، والحق في حرية التفكير والإبداع، والحق في بيئة سليمة.
يمكن أن تشكل وثيقة وطنية كهذه أرضية مناسبة لتعزيز الكرامة الإنسانية والحد من مختلف أشكال التهميش والإقصاء، وتوسيع مساحة الحريات العامة، كما أن من شأنها – في حال تحولها إلى برنامج عمل – المساهمة في بناء مجتمع يحترم التعددية والحق في الاختلاف وينبذ العنف والتمييز والإقصاء.
ومن أجل ضمان نجاح وفاعلية مبادرة الميثاق الوطني لحقوق الإنسان، فإن ذلك يتطلب إحداث مؤسسات حقوقية لحماية حقوق الإنسان، وضمان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، وتمكين المؤسسات الأهلية من حماية حقوق أعضائها.
إن وثيقة وطنية كهذه يمكن أن تكون مرجعاً للقيم المشتركة التي توحّد المجتمع، ووسيلةً لتطوير الخطاب الثقافي والتربوي. كما أن بإمكانها أيضاً أن تسهم في القفز بالضمانات الحقوقية لمستويات متقدمة، وتفعيل عديد من البرامج والاتفاقيات التي وقّعت عليها الدولة، كما أنها ستخلق حالةً من الفاعلية في مختلف الأوساط الحقوقية والاجتماعية.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 4499 - الأربعاء 31 ديسمبر 2014م الموافق 09 ربيع الاول 1436هـ