انعقد منتدى عبدالرحمن النعيمي الفكري في دورته الثانية في بيروت في 19/12/2014 بعنوان: «الهوية العربية بين الوحدة والتشظي». وعلى خلاف الدورة الأولى التي كرست لاستعراض تجربة المناضل الراحل النعيمي الفكرية والنضالية، فقد ارتأت جمعية «وعد» واللجنة التحضيرية للمنتدى أنه يجب أن تكرس كل دورة لمعالجة قضية عربية محورية، وهكذا كان.
اختارت اللجنة التحضيرية موضوع «الهوية العربية»، في ظل أوضاع عربية هي الأشد خطورة منذ قرون، حيث يشهد الوطن العربي حروباً ونزاعات مسلحة واضطرابات سياسية، تتشابك فيها العوامل المحلية والإقليمية والدولية، ما ينذر بزوال دولٍ برمتها، وتحلل دول أخرى، وانهيار النظام العربي الذي نشأ في ضوء اتفاقية سايكس بيكو في 1917، والجامعة العربية في 1945. وفي قلب هذه المخاطر تتعرض الهوية العربية الجامعة لمخاطر التهميش والتفتيت.
التحديات للهوية القومية كانت بالطبع سابقةٌ لهذه المرحلة، ولكنها لم تكن بالخطورة ذاتها، فأحد الإفرازات قيام الدولة الإسلامية العابرة للحدود (داعش) وهي النقيض للهوية القومية العربية، وانتعاش الهويات الدينية والطائفية والمحلية والاثنية والمناطقية الفرعية على حساب الهوية القومية الجامعة. من هنا قرّ الرأي على أن يكون موضوع منتدى النعيمي الفكري لهذا العام معالجة التحديات التي تواجهها الهوية العربية، واحتمالات المستقبل، واقتراح الحلول.
دعت اللجنة التحضيرية العديد من المفكرين العرب لإعداد أوراق لمحاور الندوة، وانعقدت الندوة التي حضرها ما يزيد عن 100 مشارك. وفي الجلسة الافتتاحية قدم الأمين العام لـ «وعد» ورقة الجمعية واللجنة التحضيرية، مستعرضاً الأوضاع الحالية في البحرين في تشابكاتها الخليجية والإقليمية والعربية والدولية، وعرض لدور كل من المناضل المرحوم عبدالرحمن النعيمي والمناضل إبراهيم شريف (السجين حالياً)، كما عرض محامو أبوشريف وضعه القانوني.
الجلسة الأولى كانت بعنوان «الهوية القومية العربية» برئاسة معن بشور، والورقة الأولى لوليد ثائر بعنوان: «التشكل التاريخي للهوية القومية العربية ومكوناتها»، والورقة الثانية لعبدالحسين شعبان: «الهوية القومية في تداخلاتها مع الديانات والثقافات في الوطن العربي»، مستعرضاً حواراته مع الراحل النعيمي في هذه القضايا.
الجلسة الثانية كانت بعنوان: «تشكل الدولة العربية الحديثة» ورأسها خالد عبدالمجيد، وقدّم الورقة الأولى علي فخرو عن «التكامل والتنافر بين الهوية الوطنية والهوية القومية»، والثانية لموفق محادين بعنوان: «مقاربة حول التشكل القومي العربي وآفاقه».
الجلسة الثالثة كانت بعنوان: «الهويات الفرعية» برئاسة غالب قنديل، وقدمت فيها ورقتان الأولى ليوسف مكي بعنوان: «الهوية القومية في طورها الحالي»، والثانية لعبدالله جناحي بعنوان: «الهوية الوطنية والهويات الفرعية... حالة البحرين».
الجلسة الرابعة كانت بعنوان: «الهوية القومية والقضية المركزية» ورأسها جورج جبور، وقدم فيها أبوأحمد فؤاد ورقة بعنوان «هل مازالت القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى»؟ وتبعه عبدالنبي العكري حيث قدّم استخلاصات الندوة من خلال قراءة الأوراق والمناقشات. وكان نظام الندوة أن يخصّص نصف ساعة لتقديم الأوراق ونصف ساعة للنقاش.
لن استعرض هنا أوراق العمل والنقاشات التي تلتها فهذا ظلم لها، كما أنها متاحة على موقع «الديمقراطي» لجمعية «وعد»، ولكن ما يمكنني قوله في استخلاصات لهذا اليوم الطويل، والذي جمع رفاق وأصدقاء النعيمي في حياته كما جمعهم حول فكره وهو في الدار الآخرة، هو أنه كان يوماً متميزاً.
قضية الهوية القومية العربية بتشابكاتها وتعقيداتها بعوامل الوحدة كما عوامل التشتت، والأحلام كما الكوابيس، والعقيدة الصافية كما الاختلاطات الملوثة، والفكرة كما الواقع الأليم، ليست جديدة على النقاش. لكنه وبحد علمي فهذه أول ندوة تكرس بهذا التكامل في عناصرها وشموليتها، كما أن المشاركين سواء برئاسة الجلسات أو الأوراق أو النقاش أو الإعلام أو الدعم اللوجستي، هم من المفكرين والممارسين للنضال على المستوى الوطني والقومي، وهم عملة نادرة في وطننا العربي بعد أن خرّبت السلطة والمال النخب المثقفة، وتكفّلت الاستقطابات الدينية والمذهبية والإثنية بالباقي. وكذلك الحال بعاصفة التكفير والتعصب الديني، حيث تحوّل مثقفون من مواقعهم في اليسار والوطنية القومية إلى مواقع الأنظمة والطائفية والروح الانعزالية.
مشهد الندوة ومجرياتها في تناقض كبير مع العديد من المؤتمرات والندوات التي تتناول القضايا العربية في الوطن العربي وخارجه برعاية الأنظمة والأجهزة العربية وعلاقاتها العامة، والتي تكاثرت في السنوات الأخيرة وهمها تسويق الأنظمة الاستبدادية والفاسدة وإجهاض الحلم العربي الذي أيقظ الربيع العربي ودفع بالملايين من الشباب والمواطنين العرب إلى الساحات النضالية، وهي تهتف: خبز، حرية، عدالة اجتماعية.
هذه الندوة جاءت إسهاماً متواضعاً في إحياء الأمل والإبقاء على شعلة العروبة والحرية والوحدة والتحرير والكرامة العربية. هناك بالطبع نواقص وثغرات طرحت أثناء الندوة، ومنها غياب مشاركين من المغرب العربي الكبير ووادي النيل، وضعف تمثيل الشباب والمرأة وعدم تغطية محاور مهمة مثل الهويات الفرعية القومية مثل الامازيغية، والكردية وغيرها، والاثنية مثل الايزيدية والبهائية، والمذهبية بتلاوينها وغير ذلك. والحقيقة أن إمكانات المنتدى محدودة، ولذا طلب من المشاركين المساهمة بالكلفة الكبرى لحضورهم وهو ما ليس بمقدور المشاركين من البلدان البعيدة، كما أن هناك تهيُّباً من الشباب من المشاركة، وعدم التجاوب السريع واعتذار بعض المكلفين، ورغم ذلك فقد كانت الندوة حميميةً وبنّاءةً وصريحةً وموضوعيةً أضافت شيئاً لهذا الموضوع المهم.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4495 - السبت 27 ديسمبر 2014م الموافق 05 ربيع الاول 1436هـ
الحاضر
الاصرار على اجترار الماضي الغير قائم وليس له وجود في عالمنا الحاضر ....هدر للمال والجهد والوقت..متى نعي أو نصحا من غفوة أحلامنا ونقفوم بدراسة واقعنا الذي لا تعالجه الإوهام والتصورات التي عفى عليها الزمان ..مع التحية
مشكلة حقيقية
مشكلة الهوية بين الاسلامية و القومية و الوطنية فيها تباين كبير و صراعات عصفت و زالت تعصف بالوطن العربي ، الاسلاميون لا يؤمنون بالحدود و هم مذهبيون بالضرورة لأنه لا يوجد إسلام بلا مذاهب ، و القميون كثير منهم لا يؤمن بالحدود بين البلدان العربية و لكن مشكلتهم الكبرى العنصرية تجاه غير العرب و لو على المستوى الأدبي ، أما الوطنية فهي ضائعة و أكبر سبب لضياعها هي الجماعات الاسلامية التي تؤكد على الولاء الديني المذهبي على حساب الولاء الوطني.