الفطرة في «معجم المعاني»، وغيره من المعاجم هي: الطبيعة السليمة لم تُشَب بعَيْب «فِطْرَةَ اللهِ التي فَطَرَ النَّاسَ علَيها» (الروم، 30)، وأيضاً، ما ركَّزه الله في الإنسان من قدرة على معرفة الإيمان.
والفِطرة السليمة، في اصطلاح الفلاسفة: استعداد لإصابة الحكم والتمييز بين الحق والباطل، والجمع: فِطَرٌ.
وبالفِطرة: مُتَّصف بصفة أو موهبة معيَّنة منذ الولادة. وفي الحديث «كُلُّ مولودٍ يُولدُ على الفطرةِ فأَبواهُ يُهَوِّدَانِهِ أَو يُنَصِّرانِهِ أَو يُمَجِّسانِهِ».
وفي النص المذكور، إشارة إلى إمكانات المساس بتلك الفطرة، وتغيير مساراتها، والخيارات التي تنتج عنها؛ على رغم أن الأديان في محصّلتها تثبيت للفطرة النبيلة في الإنسان وتعزيز وتعميق لها. لا دين مما نعرف أتى بخلاف الفطرة، أو كان مُهدِّداً لها، أو مصادراً ومُغيِّراً لها.
والفطرة، أن تكون كما أنت من دون زيادة أو نقصان يؤديان إلى إفساد ما هو صالح؛ إذ الإفساد هو أن تعمد إلى الصالح فيك فتخرّبه، وتغيّر معالمه وجوهره. والفطرة تقود إلى النقيض: الإصلاح، وهو أن تزيد وتراكم من الصلاح وتبني عليه.
وفي النادر هي اليوم، فيما نرى، وفيما نشهد، وفيما نتعامل. نقول: في النادر؛ لكنها هناك، لا تخلو منها أنفس وشواهد، وربما هو ذلك ما يحفظ للعالم ما تبقى له من توازن، ويحفظ للإنسان قدرته على أن يكون كذلك في الوقت نفسه.
ولد الإنسان على الفطرة. تلك الولادة على الفطرة تشير إلى أنه سيظل إنساناً مادام ملتصقاً بها، ومنحازاً إليها. أيّ جنوح وانحراف عن مسارها، فيه انحراف تدريجي عن إنسانيته. كأنها؛ بل هي، التوازن الذي من دونه سيتخبّط في مسارات الحياة واشتراطاتها ومتطلباتها، وسيحاصر باللانهائي من المعوّقات. المعوّقات التي لن تترك له خيار أن يعمر الحياة من حوله؛ الأمر الذي لن يكون له خيار في إعمار نفسه، بانفراط العقد الذي يربطه بالفطرة.
كل توحُّش اليوم هو مضمون ذلك الجنوح والانحراف عن الفطرة. القلق الذي يكاد يلازم الإنسان اليوم، ولا نعني هنا القلق المُنتجَ، هو نتاج طبيعي لتغييب الفطرة، والانقياد إلى ما دونها، وما هو على النقيض منها، وفي نهاية المطاف، على النقيض من إنسانيته.
الطمع الذي يقود أفراداً معدودين إلى الاستحواذ على حقوق ملايين، واحتكار منافعهم، ومصادرة حتى الضروري من متطلبات حياتهم وحاجاتهم، هو بالضرورة قتل للفطرة على مذبح تلك الأطماع.
لم تستدرج الفطرةُ العالم إلى المحارق اللانهائية من الحروب؛ بل النقيض منها ما فعل ذلك وحرّض وزّين.
لن تجد فطرة سليمة اليوم تعمد إلى تخريب الوسط الذي تحيا فيه. ستجدها حريصة كل الحرص على مزيد من إعماره، والأخذ به إلى ما يقترب من كماله وكمال بشره.
والأديان وحتى حركات الإصلاح، كانت محاولةً لتثبيت القيمة الغائبة والمغيبة أحياناً، في بيئات لا تشيع فيها الظواهر والممارسات التي هي على النقيض؛ إلا بفعل محفِّزات أو ترهيب من قبل ذوي السطوة، ممن هم أعداء للفطرة أساساً.
حين حلَّ التوحّش محل الفطرة، لم يعد الإنسان قادراً على ضمان قدرته على الاطمئنان. هو في حال تحفّز وترصّد وتوقع أن يكون عرْضة لرد الدَّيْن. دَيْن تقويضه لطمأنينة الآخرين.
وفي دائرة مغلقة يدور هو، بين أن يستقرّ اطمئناناً لسيرته بين نظرائه، وبين أن يستبدَّ به الخوف والقلق، ذلك الذي لم يتردَّد لحظة في إشاعته وبثِّه وتعميمه في الوسط الذي يهيمن ويسيطر عليه.
الخروج على الفطرة، في المعنى البسيط لها، أن الإنسان استمرأ الخروج على نفسه. هو نفسه الذي يقود نفسه إلى العتمة والقلق المرعب، والأطماع التي تقوده إلى التهْلكة. هو نفسه الذي لن تكفيه مراجعة عابرة لاكتشاف أنه لا يريد الاحتفاظ بالتكريم الإلهيِّ له، ولن يتأتَّى ذلك التكريم بمنأى عن الفطرة. الفطرة التي تعمّق الإنسانية فيه، وتُعلي من شأنها، وتعمل على شيوعها، وجعلها المعيار في النظر إلى ما حوله من بشر وحتى الأرض (الرحم الثاني بعد الرحم الأول)، والبيئة وما تحتويها.
لا أحد يُنكر أن في العالم اليوم كثيراً مما يدفع بتلك الفطرة إلى أن تتوارى وتتلاشى وتضمحلّ، ومعها يكاد الإنسان أن يتوارى ويتلاشى ويضمحلّ بمعنى من المعاني. كأنَّ الإنسان، ابن الفطْرة، هو نفسه الخارج على إنسانيته أمس واليوم وغداً!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4492 - الأربعاء 24 ديسمبر 2014م الموافق 03 ربيع الاول 1436هـ
في الصميم
لو كنت فطرتهم سليمة وتربوا على سماحة الاسلام لنشروا العدل بين ربوع رعيتهم وقاموا على واجب خدمتهم وليس العكس وأقول الكثير منهم في أصقاع الارض لا يؤمنون بالحساب والآخرة فلذلك فطرتهم متعفنة