السجل التاريخي لجرائم الـ «سي آي أيه» ليس وليد ما ارتكبته من مساعدات مخزية وإشراف مباشر على استخبارات تلك الدول، بل عمر هذا السجل الذي يمتد تقريباً مع ولادة الـ «سي آي أيه» في أواخر الأربعينيات، وذلك في سياق اندلاع الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة والشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي
لعل واحداً من التحليلات اللافتة للنظر حول فضائح التعذيب المخزية التي تمارسها الـ «سي آي أيه»، التي فجرتها مؤخراً لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي، ما نشره المحلل السياسي الأميركي جيمس غيبني في «بلومبيرغ» الأميركية، والذي أعادت نشره مترجماً «الشرق الأوسط» السعودية، (15/12/ 2.14)، حيث يفتتح الكاتب مقاله قائلاً: «إذا كنت تريد أن ترى كيف أدى استخدام التعذيب إلى تقويض نفوذ الولايات المتحدة الأميركية وسلطاتها، فانظر إلى أميركا اللاتينية؛ فمواطنو دول هذه القارة من سان سلفادور وحتى سانتياغو، على دراية كاملة وواسعة بأساليب الاستجواب التي تنتهجها (سي آي أيه)، ومازال البعض منهم يعاني من بعض الآثار النفسية والجسدية التي تثبت التعرض لتلك الأساليب».
أكثر من ذلك، كما يشير غيبني، أن تقرير لجنة الاستخبارات الأميركية تزامن صدوره مع تقرير آخر صدر في البرازيل، وهو لا يقل خطورةً عن تقرير مجلس الشيوخ الأميركي، بل ويعزّز بصورة قاطعة ما ورد في هذا الأخير من جرائم تعذيب وحشية ارتكبتها الـ «سي آي أيه».
تقرير البرازيل أصدرته لجنة تحقيق في جرائم القتل والتعذيب التي مارستها أجهزة الاستخبارات خلال الحقبة التاريخية السوداء للدكتاتورية العسكرية (1964 – 1985)، وقد ثبت أن معظم فنون تلك الأساليب التعذيبية الجسدية والنفسية الفظة التي مارستها الطغمة العسكرية البرازيلية، إنما هي من ابتكار وإبداعات الـ «سي آي أيه» ذاتها، بل هي ذات الأساليب المخزية التي وردت في تقرير لجنة مجلس الشيوخ الأميركي، وكان من ضحاياها الرئيسة اليسارية الحالية ديلما روسيف التي قضت سنوات من عمرها في غياهب سجون الدكتاتورية، وذرفت دموعها عند تصديقها بالموافقة على تقرير اللجنة المستقلة. وكان ضباط الاستخبارات البرازيليون حينذاك يتلقون تدريباتهم على ممارسة تلك الفنون التعذيبية في مدرسة الأميركتين في بنما، علماً بأن الـ «سي آي أيه» جعلت من معسكرات لها في ولاية تكساس مدرسة راقية في إتقان فنون أو «علوم» التعذيب، ليلتحق بها كبار ضباط الأجهزة الإستخباراتية التابعون للأنظمة الدكتاتورية الحليفة في أميركا اللاتينية وغيرها من دول عديدة في آسيا وأفريقيا.
لكن ما فات على غيبني ذكره أن السجل التاريخي لجرائم الـ «سي آي أيه» ليس وليد ما ارتكبته من مساعدات مخزية وإشراف مباشر على استخبارات تلك الدول، بل عمر هذا السجل الذي يمتد تقريباً مع ولادة الـ «سي آي أيه» في أواخر الأربعينيات، وذلك في سياق اندلاع الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة والشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي، وحيث مازالت محتفظة بهذه الوكالة التي تنفق عليها مليارات الدولارات لتعزيز نفوذها القسري في العديد من بلدان العالم، حتى بعد سقوط الاتحاد السوفياتي كما هو حال حلف الناتو، الذي يجمعها وحليفاتها من الدول الغربية الكبرى الذي اُنشئ لمواجهة ما أسمته بالخطر الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفياتي، ومازال هو الآخر باقياً.
بيد أن تقرير لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأخير ليس هو التقرير الأول من نوعه في قضايا جرائم الـ «سي آي أيه» التعذيبية، ويمكن الرجوع، على سبيل المثال لا الحصر، إلى محاضر جلساتها في السبعينيات والثمانينيات، والتي توثق الجذور التاريخية لارتكاب تلك الجرائم، والمنشور بعضها في كتاب «ملف وكالة المخابرات المركزية الأميركية»، والتي يوثق جانباً منها جرائمها في فيتنام وشبه الاعتراف الذي أدلى به مدير هذه الوكالة حينذاك وليم كولبي أثناء استجوابه أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، مع سوقه ذات الذرائع السمجة المبتذلة التي ساقها أسلافه وخلفاؤه الذين جاءوا بعده حتى يومنا هذا، وتكاد تكون هي ذاتها نفس الأساليب التي مورست بحق المتهمين والأبرياء منهم في سجون جوانتنامو وسجون الترانزيت في أوروبا وآسيا ومنطقتنا العربية (راجع في هذا الصدد: وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والارهاب الدولي، دار طلاس، ص1986).
ولعل الفروقات في الأساليب عن التقرير الأخير، هو ما استحدثته العبقرية الإجرامية منذ ذاك من إبداعات ابتكارية في الوسائل التعذيبية النفسية والجسدية، وهي ذات الأساليب التي باتت مطبقة في سجوننا العربية، وعلى الأخص الحليفة للعم سام، سواء بإشراف مباشر من ضباط أميركيين، أو حلفائهم في الناتو البريطانيين، أم تلقوا تدريبات في أميركا، أم اقتداء ومحاكاة لتلك الأساليب برضا العمة أميركا أو غض بصرها عنها.
ومازالت هذه الأساليب متواصلة إلى يومنا هذا، وخصوصاً بعد الانتكاسات الراهنة لبعض ثورات وانتفاضات الربيع العربي منذ العام 2.11، وأنت لا تتعجب إذا ما أعطى نشر التقرير الأخير في الوقت الراهن زخماً روحياً ومعنوياً لكل حليفاتها من الأنظمة العربية بالإمعان في تنفيذ تلك الأساليب في سجونها بحق قوى المعارضة من رموز وأبرياء على الشبهة، أو لمجرد شهوة تنفيس احتقان الثأر السياسي أو القبلي أو الطائفي الذي ظل مكبوتاً ومبيتاً وعجزت عن تنفيسه كاملاً أثناء الاحتجاجات العاصفة لبلدان الربيع العربي. ولا تعجب أيضاً اليوم إذا ما عايروا الحليفة الكبرى أميركا، أن سوّلت لها نفسها توجيه أية انتقادات ولو خجولة على انتهاكاتها لحقوق الإنسان، وكأن لسان حالها يقول: « أيتها الملهمة الكبرى أميركا... إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمين تلاميذك الصغار بالحجارة»!
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 4490 - الإثنين 22 ديسمبر 2014م الموافق 30 صفر 1436هـ
كم عمر التعذيب في الـ بدان العربية قبل أن.....
قبل ان نسأل سؤال ((وين أدونك ياحبشي))..ونعيب على السي آي إيه والعيب فينا نحن العرب....كم وكم عمليات قتل،اغتصاب،تشويه،تجنين،تعويق...كل ما يجي على بالك بل لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر من العذابات ووو ولا زال طبعا بمساعدة السي آي ايه،الصهيونية العالمية(الموساد)،الأسكتلاند يارد،وكثير من مخابرات الغرب الداعم للصهيونية والماعادي للبشرية .
بعمر التعديب لدينا
اقلها في امريكا لو قدر ان يثبت التعذيب عليه حصل على تعويض لدينا يحصل على تأنيب وتهديد
غلطة مكررة
كل القوي في العالم و عبر التاريخ ارتكبوا كل هذه الجرائم. أبيدت كل الإمبراطوريات. ستسقط الولايات المتحدة كمثيلتها الاتحاد السوفيتي. مع ذلك سوف لا يزول التعذيب. سيستمر الانسان بتكرار أغلاطه