العدد 449 - الجمعة 28 نوفمبر 2003م الموافق 03 شوال 1424هـ

الدراز... قرية خارج العصر

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

زارني قبل عدة اسابيع احد الباحثين الاجتماعيين الاجانب الذين اعرفهم منذ ايام غربتي عن الوطن وطلب مني الذهاب معه لمشاهدة افضل المناطق السكنية وأسوئها لمساعدته في كتابة بحثه الجديد عن البحرين. الحيرة اصابتني في اختيار اسوأ المناطق السكنية، فجميع القرى تقريبا وضعها سيئ للغاية، ولكن حيرتي انتهت (وانا اسوق السيارة معه) لدى وصولي الى دوار مدخل قرية الدراز.

فهذه هي الدراز، اكبر قرية في المنطقة الشمالية تستقبلك عند المدخل بمبنى يعيش فيه بعض الوافدين الذين ينشرون غسيل ثيابهم وكأنها «اعلام» تبث لك «نبأ سوء» عن الوضع المأسوي للقرية. بعد تجاوز المبنى الذي لا يستطيع المرء تركيز النظر عليه اكثر من ثوانٍ معدودة لكي لا يصيبه الاعياء، دخلنا القرية حيث الشوارع غير المبلطة والضيقة في جزء منها والخربة في جزء آخر. الروائح تنتشر في بعض الزوايا لان عمال النظافة يبدو انهم لا يهتمون كثيرا بقرية مثل الدراز. ثم المنازل التي يخيل لك انك في بلد افريقي ضربته المجاعة سنين طويلة. صاحبي ايضا لم يصدق ما رآه حتى عندما أخذته الى قرى اخرى عاد ليسأل فقط عن الدراز... هل حقا ان هذه القرية هي اكبر القرى في المنطقة الشمالية؟ هل حقا ان في هذه القرية شخصيات متميزة في مجالات الدين والطب والهندسة ومختلف أصناف العلم والخبرة؟ هل حقا ان هذه القرية لا يوجد فيها منتزه واحد؟ هل حقا ان الخدمات بهذه الدرجة من السوء؟

ما هو السبب وما الذي يعوق انقاذ وضعها؟ اسئلة كثيرة انهالت عليّ ولم أجد اي جواب لها. فالدراز عرفتها منذ طفولتي عندما كنت اذهب إلى جمعية التوعية الاسلامية في السبعينات لحضور دروس فقهية كان يلقيها المرحوم الشيخ عباس الريس، وعندما اعود بذاكرتي يخيل لي ان وضعها في السبعينات كان افضل مما هي عليه الآن بعد ربع قرن.

وكما هو الحال مع القرى الأخرى فان محيط الدراز الخارجي يحتوي على مجمعات سكنية وفلل لا يحلم بها ابن القرية الاعتيادي ولا يستطيع حتى التفكير فيها الى جنب حال الرث والانهيار التام التي تعشش في كل زاوية من زوايا القرية.

الحرمان هو سر البلاء، وهو السبب في مشكلات نراها تستمر من دون حل شامل لها. فماذا يتوقع المرء من الشخص الذي يعيش التناقض ليلا ونهارا ويرى منطقته في تدهور مستمر مع الزمن وكأن التطور لا يعني شيئا، وكأن برنامج التطور العمراني حذف منه اسم الدراز.

حال الدراز هو حال القرى الاخرى ولو بدرجات متفاوتة، وهو واقع مؤلم ويزداد ألما كلما ارتفعت جدران المجمعات السكنية التي تفوق في جمالها وما تحتويه جمال دول العالم الأول، بينما يحيط بها وضع رث يقل مستواه عن مستوى دول العالم الثالث.

لو حاول المرء الهروب من الحال المنفرة واتجه إلى ساحل البحر، فلن يجد ساحلا او حديقة او مكانا يهدأ فيه ويستنشق الهواء الطلق، فهذه الخيرات أصبحت شأنا خاصا يتمتع به الاقلية، التي ربما لا تتجاوز نسبتها عشرة في المئة ولكنها تملك تسعين في المئة من كل شيء في بلادنا.

خواطري عن الدراز بقيت تتردد والتساؤلات تزداد، وما حدا بي لكتابتها مكالمة هاتفية تسلمتها امس من احد اهالي الدراز يشتكي من مجموعة شباب حرقوا لها سيارتين، وعندما سألته عن السبب، لم يكن هناك جواب واضح وشاف. لا اعتقد ان هناك سببا اقوى من الحال السيئة التي تنتج تصرفات مماثلة غير قابلة للفهم في كثير من الاحيان

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 449 - الجمعة 28 نوفمبر 2003م الموافق 03 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً