شهدت قاعة المؤتمرات في مبنى وزارة الشئون الخارجية الدنماركية في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2014، ندوة عن التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكيف تستطيع الدنمارك والدول الأوروبية الأخرى المساهمة العملية والفعلية في إعادة تأهيل الشعوب، التي دمّرتها الحروب والصراعات وثقافة الاستبداد والعسف العام، حيث تحوّلت ثورات الربيع العربي، في بعض المناطق العربية، إلى موجة حروب أهلية وكوارث إنسانية وصراعات محتدمة من أجل الظفر بزمام السلطة والثروة خلال سنوات ما بعد الثورات.
الندوة نظمها «المعهد الدنماركي للدراسات الدولية» بالتعاون مع وزارة الشئون الخارجية الدنماركية، وشارك فيها بعض مراكز البحوث في البلاد، وعدد من السياسيين والخبراء والمفكرين والأكاديميين والمهتمين بقضايا الصراعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقال وزير الشئون الخارجية الدنماركي مارتن ليديغارد، الذي افتتح أعمال الندوة: «لقد أصبحت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال السنوات الأخيرة، مسرحاً للعديد من الثورات الاجتماعية الكبرى، التي انتصرت فيها إرادات الشعوب على الأنظمة السياسية الدكتاتورية المستبدة، وحقّقت من خلالها بعض أحلامها الديمقراطية التي كانت قد تطلّعت لها ودفعت من أجلها أثماناً باهظةً منذ عدة عقود مضت».
غير أنه وسط المتغيرات والظروف الجديدة، لم تمضِ رياح تلك الثورات كما كانت تشتهي سفنها، وأصبحت بعض نتائجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تشكل تحدياً واضحاً في مسيرات الأمن والاستقرار، بعد أن تعرّضت خواصرها إلى هزّات وكوارث إنسانية، كما هو حاصل في العراق في الوقت الراهن، حيث يسيطر تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) على مناطق جغرافية واسعة من أراضي العراق، ويمارس هناك حروباً ومجازر وإبادات غير مسبوقة في التاريخ الحديث والمعاصر. وكذلك هو الحال بالنسبة إلى الحرب الأهلية الضروس في سورية، والصراع الدموي في ليبيا، والاضطرابات المتلاحقة في الساحة المصرية، وأيضاً في مناطق أخرى متاخمة لها في القارة الأفريقية.
وعلى الرغم من كل هذه الكوارث والمآسي الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، التي حدثت في بعض بلدان الربيع العربي، يقول وزير الشئون الخارجية الدنماركي ليديغارد: «توجد هناك مظاهر إيجابية فيما يتعلق بمستقبل هذه الشعوب، التي استطاعت بقوةٍ أن تكسر حواجز الخوف والقلق، التي كانت جاثمةً على صدورها، وأدركت أن بإمكانها التماسك والتجديد وتغيير الواقع السياسي القائم، والانتقال المباشر إلى الديمقراطية الواقعية ومواكبة العصر».
ويتابع ليديغارد: «كانت ثورات الربيع العربي، التي اندلعت في نهاية العام 2010، بدأت بثورة الياسمين في تونس، حيث قدّم خلالها الشعب التونسي ضحايا بشرية ومعنوية كثيرة، ثم امتدت شرارة الثورة إلى مصر واليمن ومناطق أخرى في الوطن العربي، وقد توجت نهايات تلك الثورات، بتغيير الدكتاتورية بالديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان، وحتى الآن لاتزال تونس سائرةً في الطريق الصحيح، وتجربتها الديمقراطية الرائدة، تمثل النجاح الذي يجب أن يحاول الآخرون سواءً في الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا أو حتى العالم، التعلم من دروسها، وهي تجربة حضارية واعدة لمستقبل أفضل في تونس، كما يتوجب علينا نحن أيضاً في الدنمارك الاستفادة منها».
ويضيف: «وبالإضافة إلى كافة الجهود الخيرية والإنسانية، التي تبذلها الدنمارك في سبيل دعم قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في العديد من مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تساهم أيضاً في الأعمال الأمنية والعسكرية التي يلعب فيها التحالف الدولي ضد الإرهاب دوراً واضحاً، في كلٍّ من ليبيا والعراق، ومناطق أخرى في العالم، وحول قضايا عالمية مهمة مثل تطوير البيئة و مكافحة المخدرات».
وكان واضحاً في سياق أعمال الندوة، أن الدنمارك وبعض دول الاتحاد الأوروبي، تبقى تبحث عن وسائل كفيلة لمساعدة الشعوب المحرومة والمسلوبة الإرادة، لكي تصبح قادرةً على العيش في أمنٍ وسلام؛ وعن تصاميم وبرامج سياسية وعسكرية جديدة تماماً، تنسجم مع مختلف التطورات العسكرية والأمنية المتلاحقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث لاتزال تهديدات القوى الظلامية المتواجدة هناك وفي مقدمتها دولة «داعش»، تقلق المجتمع الدولي برمته، وهي بالتأكيد تهديدات يجب أن تأخذها جميع دول العالم على مأخذ الجد، والتعامل معها بصرامةٍ، وتصبح محاربتها جزءًا من نظام متفق عليه دولياً، ويراقب بفعالية تامة، وربما يتضمن فرض عقوبات على الحكومات، التي قد لا تتقيد بهذا النظام.
إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"العدد 4481 - السبت 13 ديسمبر 2014م الموافق 20 صفر 1436هـ
الخوف القادم
ليس هناك اكثر من خوف كل شعوب العالم من ظلم الدواعش والتكفيريين الذين يسعون الى غزو العالم بافكار ظلامية ومتخلفة وربنا يستر ..